هناء بودبوس.. كاتبة ليبية تحوّل الألم إلى حبر والقصة إلى صوت جماعي
هناء بودبوس.. كاتبة ليبية تحوّل الألم إلى حبر والقصة إلى صوت جماعي
لم تكن الكاتبة الليبية هناء بودبوس تحلم أن تكون كاتبة، ولم تفتّش في حياتها عن لقبٍ أدبي يسبق اسمها، لكنها، في عام 2020، جلست مصادفةً في قاعة افتراضية ضمن ورشة كتابة بعنوان "نكتب لنحيا"، وهناك ولدت الحكاية الأولى.
كانت ورشة "نكتب لنحيا"، من تنظيم فريق أردني يحمل اسم "علّمني"، لكنها كانت بالنسبة لهناء بودبوس لحظة اكتشاف وجود صوت داخلي طال كتمانه، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم السبت.
"حين كتبت أول مرة، شعرت أنني أتنفّس"، تقول هناء، التي لم يكن الأدب هدفاً بقدر ما كان خلاصاً من ضيق داخلي، وبداية طريق غير مرسوم في المشهد الثقافي الليبي، الذي لا يزال مغلقاً نسبياً في وجه النساء، خصوصاً في مجال القصة القصيرة.
البداية من الألم
جاءت الكتابة أولاً كمتنفس، وسيلة للبوح والتنفيس في عزلة ما بعد الولادة، تقول هناء إن تجربة الأمومة المترافقة مع اكتئاب صامت دفعتها إلى الورق، ومع الوقت، أدركت أن ما تكتبه لم يكن فقط علاجاً نفسياً، بل مادة أدبية تستحق أن تُقرأ.
"وجدت نفسي أكتب ما شعرت به نساء كثيرات، وما كنا نخفيه في جدران البيوت"، تقول الكاتبة التي التحقت لاحقاً بمشاريع كتابية جماعية مع كاتبات من فلسطين والأردن ومصر.
لم تتعرّف ليبيا إلى هناء من خلال المعارض أو النشر المحلي، بل من خلال ما تنشره على "فيسبوك"، حيث بدأت تتشكّل دائرة قرّاءها الذين وجدوا في قصصها شيئاً من ذواتهم.
الكتابة تجربة مزدوجة
تعتبر هناء الكتابة تجربة مزدوجة، فيها نوع من الاحتضان للنفس أولاً، لكن فيها أيضاً مواجهة معلنة مع الآخر، "الكتابة النفسية تشبه احتضان الذات، أما الموجّهة للآخر فهي صعود إلى المسرح، تفاعُل وجرأة"، تقول هناء.
هي لا تكتب لنفسها فقط، بل تؤمن أن الكتابة أداة لشفاء الآخرين أيضاً، وتقول إنها شعرت بذلك فعلياً حين شاركت في كتاب "كوفية"، بقصة عن المعتقلات الفلسطينيات، رغم أنها لم تزر فلسطين يوماً.
"فوجئت أن الكاتبات الفلسطينيات تفاعلن مع قصتي وشعرن بصدقها"، تضيف هناء، معتبرةً أن الأدب قادر على تجاوز الجغرافيا حين يكون نابعاً من الإحساس الحقيقي.
كتابة لا تعرف الصمت
ورغم تحديات الواقع، لم تتوقف هناء بودبوس عن الكتابة، حتى وهي تحاول إسكات بكاء طفلتها أو إعداد الطعام لأطفالها الأربعة. "الكتابة في بيتي تشبه التسلل.. لحظات قصيرة أسرقها بين الأصوات، وأملؤها بكلمات"، تقول هناء.
وتعتبر الكاتبة الليبية الإنترنت نافذتها الأساسية للتعلّم والتطور، ووسيلتها للبقاء على تماس مع الحراك الثقافي العربي الأوسع.
تؤمن هناء بأن الجرأة لا تعني بالضرورة الصدام مع العادات أو المحرمات، وتجد أن "التلميح أحياناً أكثر عمقاً من التصريح".
تقول إن بعض الكاتبات يعتقدن أن الصدمة تجذب الجمهور، لكنها ترى أن القارئ الليبي قادر على تقبّل الكاتبة المحافظة أيضاً، حين يكون أسلوبها صادقاً.
مشهد ثقافي مغلق
تعترف هناء بأن المشهد القصصي النسوي في ليبيا لا يزال محدوداً، وأن العديد من التجارب النسائية تنتهي بعد قصة واحدة، "الإعلام غائب عن دعم الكاتبات، والنشر مكلف، والمبادرات نادرة".
وتضيف بأسى: "حتى اليوم، لم ألتقِ كاتبة قصة ليبية وجهاً لوجه.. نحن نقرأ لبعضنا فقط عبر الشاشات".
وبعد تسع مشاركات جماعية في كتب عربية، بدأت هناء بودبوس التحضير لإصدار أول مجموعة قصصية تحمل صوتها وحدها، "أشعر أن قصصي يجب أن تُجمَع.. لم تكن عابرة"، تقول بثقة.
ربما كانت الكتابة خياراً متأخراً، لكنه أصبح جزءاً من هويتها، تكتب هناء بودبوس كي تعيش، وكي تمنح الآخرين أملاً بأن القصص، حتى حين تولد من الألم، يمكن أن تكون بداية لحياةٍ أخرى.