تصاعد مقلق لسوء التغذية بين أطفال اليمن وسط تراجع المساعدات الإنسانية
تصاعد مقلق لسوء التغذية بين أطفال اليمن وسط تراجع المساعدات الإنسانية
تتواصل الأزمة الإنسانية في اليمن لتكون واحدة من أشد الكوارث المعاصرة تعقيدًا وطول أمد، حيث يدخل البلد عامه العاشر من الصراع المسلح بلا أفق لحل دائم، في حين تتدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة، وفي هذا البلد الذي كان يُعرف يومًا بـ"اليمن السعيد"، أضحت الحياة اليومية مرادفًا للجوع، والمرض، والنزوح، وبات الملايين يعيشون على حافة المجاعة وسط انهيار المنظومات الصحية والتعليمية، وندرة في الغذاء والماء والدواء، وتراجع حاد في الدعم الإنساني الدولي.
وتفاقمت معاناة السكان المدنيين، وعلى رأسهم الأطفال، في ظل استمرار القتال بين الأطراف المتنازعة، وتزايد تعقيدات الأزمة الاقتصادية بفعل التضخم، وانهيار العملة، وشح الموارد، ما جعل الوصول إلى الاحتياجات الأساسية من الغذاء والدواء امتيازًا لا يتوفر إلا لقلة.
وتحوّلت المخاوف اليومية للأسر اليمنية إلى كابوس دائم، لاسيّما في المناطق الأشد تضررًا مثل الحديدة، وحجة، وتعز، حيث تتكدّس الأجساد الهزيلة في مراكز العلاج القليلة المتبقية، في حين يُحرم مئات الآلاف من أبسط أشكال الرعاية الصحية.
ورغم نداءات منظمات الإغاثة وتحذيرات الأمم المتحدة المتكررة، فإن المجتمع الدولي لا يزال عاجزًا عن وقف النزيف المستمر، أو على الأقل ضمان الحد الأدنى من مقوّمات الحياة لأكثر من 21 مليون يمني بحاجة إلى نوع من أنواع المساعدة، وبينما تتقلص ميزانيات المساعدات وتتلاشى الوعود الدبلوماسية، تواصل الأزمات المتداخلة حصد مزيد من الأرواح، لاسيما بين الفئات الأضعف: الأطفال، والنساء، والنازحين داخليًا.
في هذا السياق، لم تعد الإحصاءات مجرد أرقام، بل أضحت تجسيدًا لمعاناة إنسانية تتطلب استجابة فورية وشاملة، تضع حياة المدنيين وكرامتهم في صدارة الأولويات، وتعيد الاعتبار لأبسط حقوق الإنسان في اليمن، وهو الحق في البقاء.
تفشي سوء التغذية
أكدت منظمة "أطباء بلا حدود" الدولية أن اليمن يمرّ بمرحلة شديدة الخطورة من حيث تفشي حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال، وذلك في ظل استمرار النزاع وتفاقم الأوضاع الاقتصادية، وانهيار منظومة الرعاية الصحية، وتراجع حجم المساعدات الإنسانية الدولية.
وأفادت المنظمة، في بيان صدر يوم السبت عبر منصتها الرسمية في "إكس"، أنها قدّمت الرعاية الطبية لعدد 3,767 طفلًا يعانون من سوء التغذية الحاد والوخيم، بالإضافة إلى مضاعفات صحية خطيرة، وذلك في الفترة من يناير إلى مايو من العام الجاري، في ثلاث محافظات يمنية فقط.
وسجلت محافظة الحديدة الساحلية النسبة الأكبر من الحالات بواقع 2,117 طفلًا، تلتها محافظة حجة بـ1,169 حالة، ثم محافظة تعز التي سجلت 454 حالة.
وعدّت المنظمة أن هذه الأرقام تشكل "مؤشرًا مقلقًا" على استفحال الأزمة الغذائية، خاصة في المناطق الأشد تضررًا من النزاع.
الحرب والفقر والخذلان الدولي
أوضحت فرق "أطباء بلا حدود" أن سوء التغذية في اليمن لا يرتبط بعامل منفرد، بل هو نتيجة لتراكم مجموعة من الأسباب التي فاقمت الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، وعلى رأسها استمرار النزاع المسلح للعام العاشر على التوالي، وتدهور الوضع الاقتصادي، وتراجع فرص الحصول على الخدمات الصحية الأساسية، بالإضافة إلى تقلّص الدعم الإنساني المقدم من الجهات الدولية والمانحة.
وأضافت المنظمة أن "هذه التحديات لا تهدد فقط الأطفال الذين خضعوا للعلاج، بل تعرض مئات الآلاف من الأطفال الآخرين، الذين يعيشون في ظروف مشابهة، لخطر الموت الصامت نتيجة نقص الغذاء والرعاية الطبية".
وكشفت المنظمة أن عدد الحالات التي تعاملت معها فرقها العام الماضي في محافظات الحديدة وحجة وعمران بلغ 11,894 طفلًا، وهو ما يعكس استمرارية الكارثة وامتدادها الزمني والجغرافي، فضلًا عن فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل دائم أو تقديم دعم مستدام.
وترى "أطباء بلا حدود" أن هذا الوضع الإنساني لا يمكن عزله عن الديناميكيات السياسية، إذ لم تُفلح أي من المبادرات الدولية في التوصل إلى تسوية توقف الحرب، أو تحسن بشكل ملموس من الأوضاع المعيشية للسكان، لاسيما الأطفال.
لا مزيد من الصمت
حذّرت المنظمة في ختام بيانها من أن تقليص التمويل الإنساني أو توقفه من قبل الدول المانحة قد تكون له عواقب وخيمة، ليس فقط على الأطفال الذين يعانون بالفعل، بل على المجتمعات المحلية برمتها، إذ يشكل الأطفال العمود الفقري للمجتمع اليمني، وأي ضرر يصيبهم ستكون له آثار طويلة الأمد على مستقبل البلاد.
ودعت المنظمة المجتمع الدولي إلى الالتزام بتعهداته، والعمل على توفير تمويل مستدام ودعم متواصل للبرامج الصحية والغذائية الموجهة للأطفال، مؤكدة أن "مساهمات المانحين أساسية لإنقاذ حياة الأطفال".
وأنهت بيانها برسالة صريحة للمجتمع الدولي جاء فيها: "الصمت يعني فقدان المزيد من الأرواح البريئة"، في إشارة إلى أن تجاهل الأزمة أو تأخير الاستجابة الإنسانية قد يعني التضحية بجيل كامل من الأطفال الذين لا ذنب لهم في هذه الحرب.
بلد على حافة الانهيار
منذ اندلاع النزاع في اليمن عام 2015 بين قوات الحكومة المعترف بها دوليًا وميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران، دخل البلد في دوامة من الأزمات المتداخلة، أدت إلى انهيار قطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد، وأغرقت أكثر من 80% من السكان في براثن الفقر والحاجة، حسب بيانات الأمم المتحدة.
ويُعتبر اليمن حاليًا واحدةً من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إذ يعتمد نحو 21 مليون شخص على المساعدات، بينهم أكثر من 11 مليون طفل، يعاني الكثير منهم من نقص حاد في التغذية والمياه النظيفة والرعاية الصحية، وسط صعوبة الوصول إلى مناطق الصراع وتقلص عدد المنظمات العاملة على الأرض.