الإسلاموفوبيا في بريطانيا.. تحامل هامشي يتحول إلى تيار اجتماعي سائد
الإسلاموفوبيا في بريطانيا.. تحامل هامشي يتحول إلى تيار اجتماعي سائد
أظهر استطلاع جديد للرأي أجرته مؤسسة "يوغوف" البريطانية ونقلته صحيفة الغارديان البريطانية، تحولاً مقلقاً في النظرة العامة للمجتمع البريطاني تجاه المسلمين، حيث يُعتقد على نطاق واسع أن القيم الإسلامية لا تتوافق مع القيم البريطانية.
نتائج الاستطلاع لم تقتصر على مجرد مواقف فردية، بل كشفت عن ظاهرة اجتماعية آخذة في الاتساع، باتت تعكس صورة قاتمة عن التعايش والتسامح في مجتمع يُفترض أنه متعدد الثقافات.
تشير نتائج الاستطلاع إلى أن 41% من البريطانيين يرون أن وجود المسلمين المهاجرين في البلاد كان له تأثير سلبي، في حين يعتقد 49% أن النساء المسلمات يتعرضن لضغوط لارتداء الحجاب، و31% يربطون الإسلام بتشجيع العنف.
وتظهر المفارقة حين تُقارن هذه الأرقام بنسبة من لديهم آراء سلبية تجاه الديانات الأخرى: 7% تجاه المسيحيين، 13% تجاه اليهود، 14% تجاه السيخ، و15% تجاه الهندوس. ما يكشف عن استهداف واضح للإسلام والمسلمين دون غيرهم.
واعتبرت الكاتبة زوي ويليامز في تصريحات لـ"الغارديان"، أن هذه النتائج تمثل انحداراً حاداً في الخطاب العام تجاه المسلمين، حيث لم يعد الحديث يقتصر على "المتطرفين"، بل بات يشمل "جميع المسلمين"، في تحول لغوي وفكري لم يكن مقبولاً قبل عقدين من الزمن.
من التحفظ إلى الهيمنة
تستعيد ويليامز تصريحات بارونة وارسي عام 2011، حين قالت إن "الإسلاموفوبيا أصبحت مقبولة اجتماعياً"، وهو ما كانت الكاتبة آنذاك تراه مبالغاً فيه، أما اليوم، فهي ترى أن الإسلاموفوبيا لم تعد مقبولة فقط، بل أصبحت مهيمنة على الخطاب العام، مدعومة بإعلام لا يتوانى عن تضخيم الروايات السلبية، وسياسات رسمية تُمعن في تصوير المسلمين كخطر وجودي على القيم البريطانية.
وتشير الكاتبة إلى تقرير نشره مركز التقدم الأمريكي عام 2015 بعنوان الخوف، شركة 2.0، والذي كشف عن حملة منظمة وواسعة النطاق هدفت إلى نشر الكراهية ضد الإسلام في الولايات المتحدة، مستغلة مشاعر الصدمة عقب هجمات 11 سبتمبر.
الحملة لم تكن عشوائية، بل نُفذت عبر تمويل سخي لمراكز أبحاث ومنصات إعلامية ومعلقين جاهزين، تحولت بفضلهم الأفكار الهامشية إلى آراء سائدة في الإعلام والسياسة.
ورغم أن المملكة المتحدة لم تشهد نفس البنية المنظمة أو التمويل المكثف لتلك الحملة، ترى ويليامز أن العدوى قد وصلت، حيث تم نقل "الفيروس الأميركي" إلى المشهد البريطاني.
واليوم، تنعكس نتائج هذا التأثر في الخطاب العام، في البرلمان، وفي السياسات، وفي المعايير المزدوجة عند مناقشة قضايا المسلمين.
ذريعة لتبرير الانتهاكات
في السياق ذاته، تشير الكاتبة إلى أن الإسلاموفوبيا أصبحت الأداة التي تُستغل لتبرير سياسات قمعية أو عنصرية، مثل بيع الأسلحة إلى إسرائيل، أو تشديد قوانين اللجوء، أو التضييق على حرية التعبير تحت ذرائع الأمن.
الإسلاموفوبيا، كما تصفها، لم تعد خطاب كراهية فحسب، بل أصبحت بنية سياسية واقتصادية تُستخدم لتعزيز مواقف داخلية وخارجية.
وتكمن المفارقة العميقة، بحسب الكاتبة، في أن الإسلاموفوبيا التي يُفترض أنها تدافع عن "القيم البريطانية"، في الحقيقة تنسف جوهر تلك القيم نفسها: التسامح، المساواة، وحرية المعتقد.
وبقدر ما يجري تصوير المسلمين كمهددين لتلك القيم، فإن رد الفعل الاجتماعي والمؤسساتي ضدهم يكشف تهديداً داخلياً أكثر خطورة، يتغذى على الخوف ويستهدف الآخر المختلف.
وما يُظهره هذا الاستطلاع ليس مجرد أرقام، بل تحذير من انزلاق بريطانيا نحو خطاب إقصائي، يُفرّغ مفاهيم المواطنة والعدالة من معناها، ويُعيد إنتاج عنصرية مقنّعة بلغة "الحفاظ على القيم".