من كاترينا إلى سكرانتون.. أزمة "إدارة الطوارئ الأمريكية" تعيد ذاكرة الكوارث المناخية

من كاترينا إلى سكرانتون.. أزمة "إدارة الطوارئ الأمريكية" تعيد ذاكرة الكوارث المناخية
وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية

في الوقت الذي تواجه الولايات المتحدة مواسم أعاصير وفيضانات متزايدة الحدة، تكشف تقارير صحفية عن أزمة عميقة داخل وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية"FEMA" (فيما)، وسط قرارات سياسية مثيرة للجدل من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث تنقل "فايننشيال تايمز" و"نيويورك ماغازين" و"رويترز" مشهداً متشابكاً من الضغوط السياسية والبيروقراطية، واستقالات بالجملة، وتحذيرات من عجز الوكالة عن أداء دورها التاريخي في حماية الأمريكيين من الكوارث الطبيعية.

وأفاد تقرير لـ"فايننشيال تايمز" بأن البيت الأبيض أوقف برامج فيدرالية أساسية لمكافحة الكوارث، بما في ذلك برنامج "بناء بنية تحتية أكثر مرونة" (BRIC)، والذي كان يخصص مليارات الدولارات لمساعدة الولايات على تحسين قدرتها على الصمود أمام الفيضانات والأعاصير وحرائق الغابات.

وذكرت الصحيفة أن القرار جاء في إطار سياسة إدارة ترامب لخفض الإنفاق الفيدرالي وإعادة توجيه الموارد نحو أولويات سياسية أخرى، مشيرة إلى أن ولايات مثل بنسلفانيا عانت من هذه الإجراءات، حيث أدى فيضان في مدينة سكرانتون إلى تدمير مئات المنازل، لكن تأخر المساعدات الفيدرالية جعل مئات العائلات تواجه صعوبة في إعادة بناء مساكنها.

انسحابات داخلية

من جانبها، تناولت "نيويورك ماغازين" الوضع الداخلي لوكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية في تقرير بعنوان "الكارثة تأتي من داخل (فيما)"، مشيرة إلى أن الوكالة فقدت نحو ثلث موظفيها خلال ثمانية أشهر فقط، بسبب ما وصفه موظفون سابقون بـ"بيئة العمل السامة" و"الفوضى الإدارية".

وأبرز التقرير دور وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، التي وضعت شرطاً يقضي بموافقتها الشخصية على أي عقد تزيد قيمته عن 100 ألف دولار، وأكد موظفون سابقون أن هذا الشرط أدى إلى تأخير التعاقدات الأساسية الخاصة بالاستجابة للكوارث، ما جعل فرق الإنقاذ تعمل بموارد محدودة في مناطق منكوبة.

ووفقاً للمجلة، فإن عدداً من الموظفين تم وضعهم على إجازة إدارية بعد توقيعهم على رسالة داخلية موجهة إلى الكونغرس، عُرفت باسم "إعلان كاترينا"، الرسالة حذرت من أن سياسات الإدارة الحالية تهدد بوقوع كارثة مشابهة لما حدث في إعصار كاترينا عام 2005.

تحذيرات علنية

ونشرت "رويترز" تقريراً عن جلسة استماع في الكونغرس، نقلت فيها شهادة موظفين في وكالة إدارة الطوارئ أكدوا أن غياب الخبرة لدى المسؤولين الذين عيّنهم ترامب في الوكالة يعرض البلاد لخطر كبير، وأشاروا إلى أن مديرة الوكالة بالإنابة ونائبها لا يمتلكان الخلفية التقنية اللازمة لإدارة استجابة واسعة النطاق للكوارث.

وأضافت الوكالة أن موظفين سابقين رسموا صورة قاتمة لمستقبل (فيما) ، محذرين من أن "التسييس المفرط" لإعلانات الكوارث الفيدرالية –أي منح الأولوية لولايات يقودها جمهوريون على حساب ولايات ديمقراطية– يضعف الثقة العامة ويهدد مبدأ المساواة في الحصول على المساعدة.

وكشفت فايننشيال تايمز أن 2000 موظف غادروا الوكالة خلال فترة قصيرة، ما أدى إلى تراجع الخبرة المتراكمة التي كانت تشكل العمود الفقري لقدرة (فيما) على إدارة الكوارث. 

وأضافت الصحيفة أن الوكالة تواجه صعوبة في استقطاب كوادر جديدة، خاصة في ظل عدم وضوح مستقبلها بعد طرح مقترحات داخل البيت الأبيض لإعادة هيكلتها أو حتى إلغائها.

ونقلت "نيويورك ماغازين" شهادات لعدد من الموظفين الذين قالوا إن الوكالة أصبحت "مشلولة" بفعل البيروقراطية، إذ إن أي خطوة –حتى شراء معدات أساسية– تحتاج إلى موافقة شخصية من مستويات عليا، ما يبطئ الاستجابة في حالات الطوارئ.

ذاكرة كاترينا تعود

أكدت رويترز أن الإشارات المتكررة إلى إعصار كاترينا ليست مجرد مجاز سياسي، بل تعكس مخاوف حقيقية من انهيار قدرة الدولة الفيدرالية على التدخل السريع، فقد أظهر إعصار 2005 أن غياب التنسيق وسوء الإدارة يمكن أن يؤدي إلى خسائر بشرية فادحة.

واليوم، ومع تقليص صلاحيات (فيما)، يخشى الموظفون السابقون من أن البلاد قد تكون أمام "نسخة جديدة" من ذلك الإخفاق.

وفقاً لـ"فايننشيال تايمز"، فإن عدداً من حكام الولايات أعربوا عن قلقهم من أن البيت الأبيض يستخدم المساعدات الفيدرالية كورقة ضغط سياسية، عبر منحها بشكل أسرع للولايات الجمهورية وتأخيرها في الولايات الديمقراطية، واعتبر مراقبون تحدثت إليهم الصحيفة أن هذا النهج يهدد وحدة البلاد ويحول الكوارث الطبيعية إلى ساحة مواجهة سياسية.

تزامناً مع هذه الأوضاع، ذكرت "نيويورك ماغازين" أن الضغوط على إدارة ترامب تتصاعد من داخل الكونغرس، حيث يطالب عدد من الأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين بإعادة تفعيل برامج الحماية المجتمعية، لكن المجلة أشارت إلى أن غياب توافق سياسي يجعل من الصعب إقرار إصلاحات جذرية في المدى القريب.

وخلصت "رويترز" في تقريرها إلى أن حالة عدم الثقة بين الموظفين والإدارة العليا داخل (فيما) قد تكون أخطر من التخفيضات المالية نفسها، وأكدت الوكالة أن الموظفين يشعرون بأن صوتهم غير مسموع، وأن محاولاتهم للتحذير من المخاطر يتم التعامل معها على أنها "تمرد داخلي"، ما يهدد بإسكات أي إنذار مبكر في المستقبل.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية