إلى شرق أوسط جديد
إلى شرق أوسط جديد
عندما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يُنهي الحرب في غزة، فعلها، وربما تطلّع إلى تعزيز ترشّحه بتلك الخطوة لجائزة نوبل للسلام التي لم ينلها في النهاية وحصدتها زعيمة المعارضة في فنزويلا، لكنه قرر المضيَّ قدمًا في تدعيم الاتفاق، وإجبار إسرائيل على قبوله، ودفع الوسطاء للضغط على حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى أيضًا، ثم زار الشرق الأوسط، وتحدث في الكنيست، ومنه إلى شرم الشيخ، حيث التقى بالرؤساء والملوك وممثلين عن القادة العرب.
حتى قبيل وصوله إلى الشرق الأوسط، كرر دونالد ترامب مرارًا التأكيد أن اتفاق غزة ليس مجرد وقفٍ للحرب، بل هو بداية لشرق أوسط جديد، ومن على منصة الكنيست الإسرائيلي أعلن: "اليوم يشهد فجرًا تاريخيًا لشرق أوسط جديد"، وفي شرم الشيخ، أشاد الرجل بقادة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص الشيخ محمد بن زايد، وولي العهد السعودي، والرئيس المصري.
وطول السنوات الماضية، تكرر مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" بأوجهٍ مختلفة ومتعددة، وبرؤى متغايرة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي استخدم المصطلح للإشارة إلى ما ستكون عليه المنطقة إذا قررت دولها قبول إسرائيل دون دولة فلسطينية، وانسجمت معها في علاقاتٍ مختلفة. وفي الخليج والدول العربية، كان المصطلح يشير إلى السلام الدائم على أساس منح الفلسطينيين حقوقهم، وحل الأزمات في المنطقة مهما كانت معقدة، والعمل على تنمية الدول وتعزيز رفاهية الشعوب، أما اليوم، فيكرر الرئيس دونالد ترامب المصطلح ذاته، دون أن يوضح ما الذي سيكون عليه "الشرق الأوسط الجديد" وفقًا لرؤيته.
لا يمكن الانطلاق إلى شرق أوسط جديد دون تحديد العوامل التي تُعزّز أزمة الشرق الأوسط الحالية، فهل هي إسرائيل وحدها، ورغبتها في بسط نفوذها على دول الإقليم، والتوسع بحكومةٍ متطرفة ترفض قبول الفلسطينيين بدولةٍ مستقلة؟ أم هي إيران وتمددها عبر وكلاء وأذرع في عددٍ من الدول العربية، ودعمها الجماعات المسلحة فيها؟
بالقطع لا يمكن الحديث عن شرق أوسط جديد دون اقتناع إسرائيل بأن دول المنطقة لن تقبل أن تكون هي صاحبة الوصاية في الإقليم أو صاحبة الذراع الطولى فيه، كما أن إيران لا يمكن أن تتعايش في مستقبلٍ جديد دون التوقف عن التدخل في شؤون الدول ودعم الجماعات على أساسٍ طائفي.
تنتهي أزمة الشرق الأوسط عندما يصل العالم إلى حلٍّ حقيقي وجذري للصراع الأكبر: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على أساس حل الدولتين، بإقامة دولةٍ كاملة السيادة للفلسطينيين. دون ذلك، ستتكرر الأزمة بين وقتٍ وآخر، سواء كانت حماس في الحكم أم لا.
يتحقق شرق أوسط جديد في سوريا موحدة ومتماسكة، بلا أطماعٍ إيرانية أو تركية أو إسرائيلية، قادرة على احتواء جميع طوائف المجتمع من دروز وعلويين وغيرهم. ولبنان متماسك، حيث تبسط الدولة نفوذها على كل شبرٍ من أراضيه، وتتولى الدفاع عنه بجيشٍ وطني موحد، بلا فصائل تستخدم السلاح لفرض رؤيتها على الآخرين.
ولا يكتمل أي شرق أوسط جديد دون تنمية اقتصادية حقيقية تُعيد بناء المجتمعات وتتطلع إلى مستقبل أفضل، وبالتالي معادلة الشرق الجديد تبدأ من تحقيق الأمن إلى تعليم واقتصاد وتكامل إقليمي وتوظيف ثرواتها البشرية والطبيعية الهائلة إلى خدمة الأهداف التي تساعد دول المنطقة في دعم رفاهية شعوبها.