الحياة خلف القضبان.. معاناة الآباء والأبناء بين الفقدان والذنب

الحياة خلف القضبان.. معاناة الآباء والأبناء بين الفقدان والذنب
سجن فرنسي - أرشيف

تتضاعف معاناة السجناء في فرنسا حين يُضاف إلى فقدان الحرية خسارة الوجود اليومي إلى جانب الأبناء، وبينما يقضي آلاف الآباء والأمهات أحكامهم داخل الزنازين، يكبر الأطفال في الخارج وهم يتأرجحون بين الصمت والأسئلة المؤلمة، وغالبًا بين الحرمان من أحد أهم روابط الحماية في حياتهم.

تقول الطفلة ذات الأعوام السبعة لوالدها عند زيارته في السجن بعد عام من غيابه: "أبي، ظننتك ميتًا"، لم يكن هذا الموقف استثناءً، فوفق بيانات المرصد الدولي للسجون، المستندة إلى أرقام وزارة العدل الفرنسية، فإن 44% من السجناء الذكور لديهم أبناء، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الأربعاء. 

ويعني ذلك أن أكثر من 95 ألف طفل في فرنسا يكبرون مع غياب أحد الوالدين خلف القضبان، بينهم أكثر من 3300 طفل أمهاتهم مسجونات.

ثقل الشعور بالذنب

يوضح ياسين، رجل خمسيني قضى ثمانية أعوام متفرقة في السجون الفرنسية، أنه فضّل إخفاء الحقيقة عن طفلته بقوله لها إنه مسافر، لكن أعراض القلق بدأت تظهر عليها في شكل إكزيما وتراجع دراسي. 

ويشير أستاذ علم النفس السريري باسكال رومان، مؤلف كتاب "كيف تكون أبًا وأمًا في السجن"، إلى أن العار والشعور بالذنب يدفعان كثيرًا من السجناء إلى الابتعاد عن دورهم التربوي، ما يفاقم أزمة العلاقة مع الأبناء.

وتؤكد الخبيرة القانونية ماري دوريس أن حرمان السجين من الحرية لا يعني قانونًا حرمانه من حقوقه الأبوية. لكنّ مواقف الوالد الآخر، وبعد المسافة، وقلة الزيارات، تجعل الحفاظ على الروابط الأسرية تحديًا كبيرًا. 

أما دومينيك سيمونو، المفتشة العامة لأماكن الحجز، فتنتقد الزيارات داخل السجون واصفةً إياها بـ"الكئيبة والسيئة التصميم"، ما يجعل الأطفال في مواجهة تجربة قاسية وغير إنسانية.

"مثل الغريب"

بعد الإفراج، لا تعود الأمور كما كانت. يقول كريستيان الذي قضى عدة سنوات في السجن: "كنتُ مثل الغريب بالنسبة لابني... فقد نسيني". 

ويضيف بأسى أنه لم يشهد كلمات طفله الأولى ولا خطواته الأولى، مؤكدًا أن هناك لحظات "لا يمكن استعادتها أبدًا". حاول الرجل استدراك الفجوة عبر المكالمات الهاتفية ورؤية ابنه بالفيديو، معتبرًا أن ذلك أنقذه من فقدان الرابط نهائيًا.

تواجه السجينات وضعًا أشد قسوة، إذ تكشف سيمونو أن الآباء غالبًا لا يزورون زوجاتهم في السجن، بعكس الأمهات اللواتي يُقبلن على زيارة الأبناء المسجونين. وهذا يؤدي في كثير من الحالات إلى انهيار كامل للعلاقة الأسرية بالنسبة للأطفال الذين تُسجن أمهاتهم.

بين القيود والحلول

ترى منظمات مدافعة عن حقوق السجناء أن تكلفة الاتصالات من الهواتف الأرضية داخل السجون التي تزيد بإحدى عشرة مرة عن التكلفة في الخارج، تجعل من الهواتف المحمولة المحظورة وسيلة "منطقية" للحفاظ على الروابط الأسرية. 

ذلك في حين يحاول آخرون بعد الإفراج، مثل ياسين، دعم السجناء السابقين عبر منظمات مجتمعية مثل "وايك أب كافيه" التي تساعدهم على إعادة الاندماج في سوق العمل والحياة الاجتماعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية