اعتراف رسمي يكشف المأساة ..95 في المئة من الأفغان عاجزون عن العلاج

اعتراف رسمي يكشف المأساة ..95 في المئة من الأفغان عاجزون عن العلاج
مرضى في أفغانستان

في لحظة نادرة من الصراحة، كشف وزير الصحة العامة في حكومة طالبان نور جلال جلالي عن الوجه القاسي للأزمة الإنسانية التي تعصف بأفغانستان، معترفاً بأن نحو 95 في المئة من السكان غير قادرين على تحمل تكاليف العلاج الطبي. 

بحسب ما أوردته شبكة "أفغانستان إنترناشيونال"، الأحد، جاء هذا الاعتراف خلال زيارة رسمية إلى العاصمة الهندية نيودلهي، ليضع المجتمع الدولي أمام صورة قاتمة لواقع صحي يتدهور بوتيرة متسارعة في بلد أنهكته الحروب والفقر والعزلة.

حديث الوزير لم يكن مجرد توصيف لأرقام أو مؤشرات، بل شهادة مباشرة على معاناة يومية يعيشها ملايين الأفغان الذين يجدون أنفسهم عالقين بين مرض لا يرحم ونظام صحي عاجز عن الاستجابة، في ظل انهيار اقتصادي شامل قلص قدرة الدولة والمجتمع معاً على توفير أبسط مقومات الرعاية الصحية.

الفقر يحاصر المرضى

أوضح جلالي أن الفقر المنتشر على نطاق واسع جعل العلاج ترفا لا يستطيع أغلب الأفغان الوصول إليه، فالأسر التي بالكاد تؤمن قوت يومها لا تملك أي قدرة على دفع تكاليف الأدوية أو الفحوصات أو العمليات الجراحية، ما يدفع كثيرين إلى تأجيل العلاج أو التخلي عنه كليا، وهذا الواقع يحول الأمراض البسيطة إلى حالات مزمنة، ويجعل الإصابات القابلة للعلاج سببا مباشرا للوفاة.

وأكد الوزير أن المستشفيات الحكومية، التي يفترض أن تكون الملاذ الأخير للفقراء، تعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات والكوادر الطبية، الأمر الذي يترك المرضى في مواجهة مصيرهم، وفي وصف قاسٍ لحجم المأساة، أشار إلى أن غياب العلاج المناسب يدفع المواطنين إلى الموت وهم يعانون الألم والمعاناة، في مشهد يلخص الانهيار الإنساني الذي تشهده البلاد.

نظام صحي على وشك الانهيار

تعكس تصريحات جلالي واقعا يعرفه العاملون في المجال الإنساني منذ سنوات، إذ يشهد النظام الصحي الأفغاني تراجعا حادا منذ انسحاب القوات الأجنبية وعودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان، كما توقفت أو تقلصت برامج دعم دولية كانت تمول المستشفيات ورواتب العاملين الصحيين، في حين تسببت العقوبات وتجميد الأصول في خنق الاقتصاد، ما أثر بشكل مباشر في قدرة الحكومة على تمويل القطاع الصحي.

المستشفيات في العديد من الولايات تعمل بقدرات محدودة، وبعضها أغلق أبوابه كليا، ويعاني الأطباء والممرضون من تأخر الرواتب أو انعدامها، ما دفع الكثيرين إلى ترك العمل أو الهجرة، أما المرضى، فيقفون في طوابير طويلة بانتظار علاج قد لا يتوافر أصلا، أو دواء قد يكون منتهي الصلاحية أو منخفض الجودة.

أزمة دواء تتفاقم

أحد أخطر مظاهر الأزمة يتمثل في قطاع الأدوية، حيث كشف وزير الصحة أن نحو سبعين في المئة من احتياجات أفغانستان الدوائية كانت تُستورد سابقاً من باكستان، إلا أن هذا المسار تعطل بعد تدهور العلاقات بين كابول وإسلام آباد، وهذا الانقطاع ترك فراغا كبيرا في الأسواق، سرعان ما ملأته أدوية رديئة أو مزورة، تهدد حياة المرضى بدلا من إنقاذهم.

وانتقد جلالي بشدة تدني جودة الأدوية المتداولة حاليا، محذرا من انتشار واسع لعمليات التزوير في الأدوية والمواد الغذائية. وذهب إلى حد الدعوة إلى إنزال أقصى العقوبات بحق المتورطين في هذه الجرائم، معتبرا أن التلاعب بصحة الناس جريمة لا تقل خطورة عن القتل، وتعكس هذه التصريحات حجم الغضب الرسمي من فوضى السوق الدوائية، لكنها في الوقت ذاته تكشف ضعف الرقابة وغياب البدائل الآمنة.

الهند كمنفذ إنساني واقتصادي

في خضم هذا المشهد القاتم، برزت الهند كأحد الخيارات القليلة المتاحة أمام أفغانستان، وخلال مشاركته في اجتماع بغرفة التجارة والصناعة الهندية، حرص جلالي على توجيه رسائل ود واضحة إلى نيودلهي، واصفاً إياها بالأخ الذي يقف إلى جانب الأفغان في أوقات الشدة، وأكد أن بلاده تنظر بإيجابية كبيرة إلى الدعم الهندي، معتبرا أن ما قدمته الهند فاق التوقعات.

ودعا الوزير شركات الأدوية الهندية إلى الاستثمار في السوق الأفغانية، ليس فقط من خلال تصدير الأدوية، بل أيضاً عبر إقامة مصانع إنتاج داخل أفغانستان على المدى الطويل، وبرأيه، فإن هذا التعاون يمكن أن يشكل حلاً مستداماً لأزمة الدواء، ويوفر فرص عمل، ويسهم في نقل الخبرات وبناء قدرات محلية.

مطالبة بدعم طبي مباشر

لم يقتصر خطاب جلالي على الدعوة للاستثمار، بل طالب الحكومة الهندية بالمساهمة في بناء مستشفى متكامل التجهيز داخل أفغانستان، هذا الطلب يعكس الحاجة الماسة إلى بنى تحتية صحية حديثة قادرة على تقديم خدمات متقدمة، في بلد تفتقر مستشفياته في كثير من الأحيان إلى أبسط التجهيزات.

وخاطب الوزير ممثلي الشركات الهندية بلغة إنسانية، مؤكداً أن السوق الأفغانية مفتوحة أمامهم، وأن العلاقات بين الشعبين تقوم على تاريخ طويل من الروابط الثقافية والشعبية. وشدد على أن الأفغان لا ينظرون إلى الهند كونها شريكاً تجاريا فحسب، بل دولة صديقة تحتل مكانة خاصة في وجدانهم.

أزمة إنسانية تتجاوز الصحة

الأزمة الصحية في أفغانستان لا يمكن فصلها عن السياق الإنساني الأوسع. فالفقر والجوع وسوء التغذية باتت ظواهر منتشرة، وتؤثر بشكل مباشر في صحة السكان، خاصة الأطفال والنساء، وتشير تقارير أممية إلى أن ملايين الأفغان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض ويضعف قدرتهم على التعافي.

كما أن القيود المفروضة على النساء، ومنها صعوبة وصولهن إلى الرعاية الصحية في بعض المناطق، تزيد من تعقيد المشهد. فالنساء الحوامل يواجهن مخاطر متزايدة، والأطفال يولدون في ظروف تفتقر إلى الرعاية الأساسية، ما يرفع معدلات الوفيات والأمراض المزمنة.

تحركات دبلوماسية محدودة الأثر

تأتي زيارة جلالي إلى نيودلهي في إطار سلسلة زيارات لمسؤولين من حكومة طالبان إلى الهند خلال الأشهر الأخيرة، وتهدف هذه التحركات، إلى تسهيل استيراد الأدوية وتعزيز التعاون الإنساني، في ظل توقف الإمدادات من باكستان، غير أن هذه الجهود تبقى محدودة الأثر ما لم تترافق مع انخراط دولي أوسع، يخفف من حدة العزلة الاقتصادية ويدعم القطاعات الحيوية.

تعاني أفغانستان منذ عقود نزاعات مسلحة أضعفت مؤسسات الدولة واستنزفت مواردها، ومع عودة حركة طالبان إلى الحكم، دخلت البلاد مرحلة جديدة من العزلة الدولية، ترافقت مع عقوبات اقتصادية وتجميد للأصول، ما أدى إلى شلل في قطاعات حيوية، أبرزها الصحة، ويعتمد النظام الصحي بشكل كبير على المساعدات الخارجية، التي تقلصت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وفي ظل توقف أو تعثر طرق استيراد الأدوية التقليدية، وغياب استثمارات كافية، بات ملايين الأفغان يواجهون خطر المرض دون علاج، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم اليوم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية