منع لاجئين سوريين من دخول مدينة هولندية يثير جدلاً حقوقياً وسياسياً
منع لاجئين سوريين من دخول مدينة هولندية يثير جدلاً حقوقياً وسياسياً
شهدت مدينة دين بوش في جنوب هولندا جدلاً واسعاً بعد أن أصدرت بلديتها قراراً يقضي بمنع نحو ثلاثين شاباً سورياً من دخول مركز المدينة لمدة 45 يوماً، وجاء القرار على خلفية سلسلة من أعمال الإزعاج والشغب المنسوبة إلى هؤلاء الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و21 عاماً، وهو ما اعتبرته السلطات تهديداً للأمن والنظام العام في المدينة.
وقالت البلدية في بيان إن هذه المجموعة سرعان ما تتحول تصرفاتها إلى أشكال أكثر خطورة مثل الترهيب والتخريب، مشيرة إلى أن بعض أفرادها معروفون لدى الشرطة بسبب حوادث سابقة، وأكدت أن الشبان لا يقيمون في مراكز اللجوء المخصصة من الحكومة الهولندية، بل يحملون تصاريح إقامة مؤقتة، فيما يعيش بعضهم مع أسرهم أو أولياء أمورهم، بينما يقيم آخرون بشكل مستقل.
عقوبات تنتظر المخالفين
رئيس البلدية جاك ميكرز أصدر قراراً يقضي بمنع هؤلاء من دخول أجزاء محددة من مركز المدينة، وبحسب القرار، فإن من يخالف الحظر يواجه غرامات أو عقوبات تصل إلى الخدمة المجتمعية أو السجن، وقد خالف سبعة من الشبان، بينهم قاصران، قرار المنع، ما دفع السلطات لإحالتهم إلى النيابة العامة.
جدل وانقسامات
القرار أثار انقساماً داخل المجلس البلدي، فقد دعا أعضاء من حزب الحرية اليميني إلى إلغاء تصاريح إقامة هؤلاء الشبان وإعادتهم إلى سوريا، معتبرين أن وجودهم يشكل عبئاً على الأمن العام، في المقابل، شدد أعضاء من حزب اليسار الأخضر وأحزاب أخرى على ضرورة معالجة المشكلة من جذورها عبر الحوار وتقديم الدعم في مجالات التعليم والسكن والعمل، محذرين من أن الحلول الأمنية وحدها لن تؤدي إلا إلى مزيد من التوتر.
الجدل لم يبق محصوراً في دين بوش، فقد شهدت مدن هولندية أخرى مثل أوتريخت وخرونيغن أحداثاً مشابهة تضمنت شجارات واعتداءات وترهيباً، وأشارت السلطات إلى أن هذه المجموعات تبقى على تواصل دائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعزز شعورها بالترابط والتنظيم.
الإعلام اليميني المتطرف استغل هذه الحوادث للتحريض ضد السوريين بشكل عام، مقدماً إياهم على أنهم مصدر للفوضى لا للإثراء المجتمعي، وطالب بطرد كل من يسيء التصرف، وساهمت هذه الخطابات في إذكاء مشاعر العداء تجاه اللاجئين، وعمّقت الانقسام المجتمعي حول مسألة الاندماج.
تحذيرات حقوقية
على المستوى الحقوقي، حذرت منظمات محلية ودولية من مغبة الإجراءات التقييدية ضد اللاجئين، وأكد المجلس الهولندي للاجئين، على سبيل المثال، أكد أن فرض قيود جماعية على حرية التنقل يمس الحقوق الأساسية المكفولة بموجب القانون الدولي. كما أبدت المفوضية الأوروبية للاجئين والمنفيين قلقها من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى مزيد من التهميش وتفاقم مشكلات الاندماج.
أما منظمة العفو الدولية فقد أشارت في تقارير حديثة إلى أن التشريعات الجديدة في هولندا تمثل منحىً مقلقاً، إذ تتضمن قيوداً مشددة على حقوق اللاجئين، من بينها تقليص تصاريح الإقامة إلى ثلاث سنوات بدلاً من غير محدودة، وتقييد لم شمل العائلات، وتوسيع صلاحيات مراكز الاحتجاز، واعتبرت أن مثل هذه القوانين تضع هولندا في مواجهة التزاماتها الدولية الخاصة بحماية اللاجئين وحقوق الإنسان.
القانون الدولي للاجئين، وفق اتفاقية جنيف لعام 1951، يكفل للاجئين حق الحماية من الترحيل القسري وحرية الحركة في البلد المضيف، ورغم أن السلطات المحلية في دين بوش تبرر قرارها باعتبارات أمنية، فإن منظمات حقوقية تؤكد أن العقوبات يجب أن تُطبق بشكل فردي على المخالفين، لا عبر قرارات جماعية تمس فئة كاملة بناءً على خلفيتها.
وقائع وسياسات
القرار أعاد إلى الأذهان أحداثاً سابقة في هولندا شهدت بدورها احتجاجات ضد اللاجئين، ففي عام 2015 اندلعت أعمال شغب في بلدة جيلدرمالسن عندما حاولت السلطات إنشاء مركز لإيواء اللاجئين، وشارك في تلك الاحتجاجات نحو ألفي شخص، استخدموا الحجارة والمفرقعات، ما أدى إلى إصابات وأضرار مادية، قبل أن يتم التراجع عن الخطة، هذا الإرث التاريخي يعكس حجم التوتر الذي يرافق قضايا اللجوء والاندماج في المجتمع الهولندي.
إحصائياً، تشير تقارير أممية إلى أن هولندا استقبلت خلال العقد الماضي عشرات الآلاف من اللاجئين، معظمهم من سوريا وأفغانستان وإريتريا، وبحسب بيانات حديثة، فإن الحكومة الهولندية تعمل على تطبيق سياسات أكثر تشدداً، إذ تم الإعلان في عام 2024 عن تقييد تصاريح اللجوء بمدة ثلاث سنوات فقط، وهو ما يحد من استقرار اللاجئين وفرص اندماجهم في سوق العمل والمجتمع.
وتشير التقديرات إلى أن الشباب يشكلون النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين في هولندا، ما يضع تحديات إضافية تتعلق بالتعليم والتدريب المهني والاندماج الاجتماعي، ويرى خبراء في شؤون الهجرة أن غياب فرص العمل والتهميش الاجتماعي يسهمان في زيادة معدلات الإحباط والسلوكيات السلبية بين بعض الشباب، وهو ما يستدعي معالجة متكاملة تتجاوز البعد الأمني.
الحكومة الهولندية تواجه حالياً ضغوطاً من عدة بلديات لوضع خطة موحدة للتعامل مع هذه الظاهرة، لكن القوانين المتعلقة بالخصوصية تحول دون تبادل المعلومات بين البلديات، وهو ما يعرقل جهود التنسيق الوطني، وفي ظل غياب استراتيجية شاملة، يُخشى أن تظل القرارات المحلية المتفرقة عرضة للجدل والتجاذب السياسي.
تطرح هذه الأزمة أسئلة جوهرية حول التوازن بين حفظ الأمن والالتزام بحقوق الإنسان. فبينما ترى السلطات المحلية أن قراراتها مبررة لحماية السكان والحفاظ على النظام العام، تؤكد المنظمات الحقوقية أن الحلول القائمة على التقييد والعقاب قد تؤدي إلى نتائج عكسية، وتزيد من عزلة اللاجئين ومشاعر الرفض المتبادل داخل المجتمع.
في المحصلة، يمثل قرار بلدية دين بوش اختباراً جديداً لسياسات هولندا تجاه اللاجئين، بين ضغوط الأمن الداخلي والتزاماتها الدولية، وتتجاوز القضية مجرد ثلاثين شاباً، لتكشف عن صراع أوسع بين تيارات سياسية متباينة، ومجتمع يواجه تحديات حقيقية في التعامل مع التنوع والهجرة.