التثقيف في مجال حقوق الإنسان.. ركيزة أساسية لتعزيز الكرامة والعدالة عالمياً

التثقيف في مجال حقوق الإنسان.. ركيزة أساسية لتعزيز الكرامة والعدالة عالمياً
مجلس حقوق الإنسان - أرشيف

عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تتواصل حتى 8 أكتوبر 2025. وفي هذا السياق، قدمت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا شاملًا حول التثقيف في مجال حقوق الإنسان، سلط الضوء على التحديات القائمة والفرص المتاحة لتعزيز المعرفة بالحقوق كأداة وقائية تضمن العدالة والمساواة وتدعم التنمية المستدامة.

وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن التثقيف الحقوقي لم يعد خيارًا ثانويًا، بل ضرورة متزايدة في ظل ما يشهده العالم من أزمات سياسية وصراعات مسلحة وتغيرات مناخية وانقسامات اجتماعية.

وأكدت المفوضية أن التعليم والتثقيف في هذا المجال يمثلان خط الدفاع الأول ضد التمييز والكراهية والعنف، ووسيلة لتعزيز المجتمعات العادلة والمتماسكة.

التثقيف كأداة وقائية

وشدد التقرير على أن التثقيف في مجال حقوق الإنسان يُسهم في منع الانتهاكات قبل وقوعها، من خلال تعزيز وعي الأفراد بحقوقهم وواجباتهم، وتمكينهم من مساءلة السلطات وحماية أنفسهم من التعسف.

وأشار إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن المجتمعات التي تعزز ثقافة حقوق الإنسان تكون أقل عرضة للعنف السياسي أو التمييز العرقي والديني.

ولفت التقرير إلى أن إدماج مبادئ حقوق الإنسان في المناهج التعليمية يساعد الأجيال الصاعدة على بناء قيم قائمة على التسامح والاحترام المتبادل، ما يخلق بيئة داعمة للتنمية والاستقرار.

وذكر التقرير أن الجهود الدولية لتكريس التثقيف الحقوقي تعود إلى عقود مضت، بدءًا من إعلان الأمم المتحدة للتثقيف والتدريب في مجال حقوق الإنسان عام 2011، وصولًا إلى الخطة العالمية للتثقيف في حقوق الإنسان التي أُطلقت على ثلاث مراحل متعاقبة. 

موضحا أن هذه المبادرات أسهمت في رفع مستوى الالتزام بين الدول، لكنها كشفت أيضًا عن فجوات في التنفيذ، خصوصًا في الدول التي تعاني من نزاعات أو ضعف في المؤسسات التعليمية.

وأكدت المفوضية أن المرحلة الحالية تتطلب التزامات أكثر جدية من الدول، ليس فقط على مستوى السياسات، بل كذلك عبر تخصيص الموارد المالية وتدريب الكوادر وتطوير المناهج بما يتماشى مع المعايير الدولية.

تحديات أمام التثقيف الحقوقي

سلّط التقرير الضوء على مجموعة من التحديات التي تعوق التقدم في هذا المجال، أولها النزاعات المسلحة، حيث تتعرض المدارس والجامعات للتدمير أو الإغلاق، ما يحرم ملايين الأطفال والشباب من التعليم الأساسي، كما أن انتشار خطاب الكراهية والتحريض عبر وسائل الإعلام التقليدية والجديدة يعمق الانقسامات ويقوض جهود التثقيف.

التحدي الثاني هو الأزمات الاقتصادية، إذ يؤدي تراجع التمويل المخصص للبرامج التعليمية إلى إضعاف المبادرات المتعلقة بحقوق الإنسان، بينما تكون الأولوية للحاجات العاجلة مثل الغذاء والأمن.

أما التحدي الثالث فيرتبط بالتحولات التكنولوجية، حيث أوضح التقرير أن وسائل التواصل الاجتماعي صارت ساحة لنشر التضليل والتحريض، في الوقت الذي يمكن أن تكون فيه أيضًا منصة فعالة لنشر ثقافة الحقوق إذا أحسن استغلالها.

واستعرض التقرير الجهود المبذولة من قبل المفوضية لدعم الدول الأعضاء في تنفيذ التزاماتها. مشيرا إلى أنها عملت مع وزارات التعليم في عدد من الدول على إدماج مبادئ حقوق الإنسان ضمن المناهج الدراسية، كما نظمت برامج تدريبية للمعلمين لتعزيز قدراتهم على تدريس هذه المواد.

كما تعاونت المفوضية مع منظمات المجتمع المدني لإطلاق حملات توعية تستهدف الفئات الأكثر هشاشة، مثل النساء والفتيات والأقليات والمهاجرين، بهدف تمكينهم من معرفة حقوقهم والوصول إلى آليات الحماية المتاحة.

وأكد التقرير أن التثقيف في مجال حقوق الإنسان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأهداف التنمية المستدامة، لاسيما الهدف الرابع المتعلق بالتعليم الجيد، والهدف السادس عشر المتعلق بالسلام والعدل والمؤسسات القوية. 

وأوضح أن تعزيز الوعي بالحقوق يعزز المشاركة المجتمعية ويقوي المساءلة ويحفز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

كما أشار إلى أن التثقيف الحقوقي يسهم في تمكين النساء والفتيات، ويعزز المساواة بين الجنسين، ويكافح التمييز بكل أشكاله.

قصص وتجارب من الميدان

وتضمن التقرير إشارات إلى مبادرات ميدانية ناجحة في عدد من الدول؛ ففي بعض البلدان الإفريقية أسهمت برامج التثقيف الحقوقي في المدارس في تقليل معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي. وفي أمريكا اللاتينية، ساعدت حملات التوعية على إشراك المجتمعات المحلية في مراقبة تنفيذ السياسات العامة، ما عزز من الشفافية وحسن مستوى الخدمات العامة.

وأوضح التقرير أن هذه التجارب تثبت أن التثقيف الحقوقي ليس مجرد خطاب نظري، بل أداة عملية قادرة على إحداث تغيير ملموس في حياة الأفراد والمجتمعات.

وأشار التقرير إلى أن التثقيف في مجال حقوق الإنسان يمثل عنصرًا أساسيًا في عمليات العدالة الانتقالية، حيث يتيح للمجتمعات الخارجة من النزاعات أو الأنظمة القمعية التعرف على حقوقها، ويعزز ثقافة المحاسبة وعدم التكرار.

وأكدت المفوضية أن الاستثمار في التثقيف الحقوقي في هذه السياقات يُعد شرطًا لضمان المصالحة الوطنية، ولإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطنين.

التركيز على الفئات الهشة

ولفت التقرير إلى أن الفئات الأكثر هشاشة تحتاج إلى اهتمام خاص في برامج التثقيف الحقوقي. فالأطفال في مناطق النزاع، والنساء في المجتمعات الأبوية، والأقليات الدينية والعرقية، والمهاجرون واللاجئون، جميعهم يواجهون تحديات مضاعفة في الوصول إلى التعليم والحقوق.

وشددت المفوضية على ضرورة تصميم برامج تستجيب لاحتياجات هذه الفئات، مع توفير أدوات مناسبة تراعي السياقات الثقافية والاجتماعية.

وأنهت المفوضية تقريرها بسلسلة من التوصيات الموجهة إلى الدول الأعضاء والمجتمع الدولي. وأكدت أن الأولوية يجب أن تكون لتعميم التثقيف الحقوقي في جميع مستويات التعليم، بدءًا من التعليم الأساسي وصولًا إلى الجامعي، مع تضمين مبادئ حقوق الإنسان في المناهج بشكل متكامل.

كما دعت إلى توفير الدعم المالي والتقني للدول النامية من أجل تنفيذ برامج فعالة، وإلى تعزيز التعاون مع المجتمع المدني ووسائل الإعلام والقطاع الخاص لضمان وصول الرسائل إلى أوسع شريحة ممكنة.

وشدد التقرير على أن مواجهة خطاب الكراهية والتضليل تتطلب استراتيجيات شاملة للتثقيف الرقمي، تُمكّن الأفراد من التحقق من المعلومات وممارسة النقد الواعي.

وأكدت المفوضية أن التثقيف الحقوقي ليس ترفًا أكاديميًا، بل استثمارًا في السلام والاستقرار والتنمية، وأن غيابه يفتح الباب واسعًا أمام تكرار الانتهاكات وإدامة الأزمات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية