وسط توتر أزمة الإغلاق الحكومي.. الشيوخ الأمريكي يرفض مشروعي قانونين لدفع رواتب الموظفين
وسط توتر أزمة الإغلاق الحكومي.. الشيوخ الأمريكي يرفض مشروعي قانونين لدفع رواتب الموظفين
في مشهد يجسد عمق الانقسام السياسي في واشنطن، رفض مجلس الشيوخ الأمريكي، الخميس، مشروعي قانونين متعارضين لتأمين رواتب موظفي الحكومة الفيدرالية خلال فترة الإغلاق الحكومي المستمرة، ما يزيد من معاناة مئات الآلاف من العاملين الذين لم يتقاضوا أجورهم منذ أسابيع.
ويأتي هذا الرفض في وقتٍ يسعى فيه كلٌّ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى تجنب تحمّل مسؤولية الإخفاق في دفع الرواتب، بينما يواجه العديد من الموظفين احتمال فقدان أول راتب شهري كامل لهم بنهاية هذا الأسبوع، في ظل غياب مؤشرات على قرب التوصل إلى تسوية.
فشل تمرير مشروعين متعارضين
طرح الديمقراطيون مشروع قانون يقضي بدفع رواتب جميع الموظفين الفيدراليين المتضررين من الإغلاق ومنع إدارة الرئيس دونالد ترامب من تنفيذ عمليات تسريح جماعية، لكنّ الجمهوريين اعترضوا على تمريره عبر تصويت صوتي سريع دون مناقشة تفصيلية.
وفي المقابل، قدم الجمهوريون مشروع قانون بديل صاغه السيناتور رون جونسون من ولاية ويسكونسن، يهدف إلى دفع رواتب الموظفين الذين يواصلون عملهم خلال الإغلاق والمعروفين بالموظفين "المستثنين" مع تعهد بتمديد هذا الإجراء في حال وقوع إغلاقات مستقبلية.
وحصل مشروع جونسون على تأييد 54 صوتًا مقابل 45، أي أقل من الأغلبية المطلوبة لتمريره في مجلس الشيوخ، ليُرفض هو الآخر، ما يعكس حالة الجمود السياسي الحاد بين الحزبين.
جدل محتدم بين الجمهوريين والديمقراطيين
اعتبر السيناتور جونسون أن مشروعه يمثل "حلاً عمليًا" يضمن عدم معاقبة العاملين الفيدراليين بسبب الخلافات السياسية، قائلاً:"يجب أن نتوقف عن جعل الموظفين يدفعون ثمن إخفاقاتنا السياسية، هذا القانون سينهي تلك المعاناة إلى الأبد".
لكنّ الديمقراطيين رفضوا المشروع بشدة، مؤكدين أنه يميز بين العاملين ويمنح الوزراء صلاحيات واسعة لتحديد من يستحق الراتب ومن لا يستحقه.
وقال تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، قبل التصويت:"مشروع قانون جونسون ليس سوى أداة جديدة في يد ترامب لإيذاء الموظفين الفيدراليين والأسر الأمريكية، ولإطالة أمد الإغلاق الحكومي متى شاء".
في المقابل، أوضح السيناتور جاري بيترز من ولاية ميشيجان أن الجميع يتفق على ضرورة دفع الرواتب، لكن الخلاف السياسي المستمر يجعل الموظفين "يدفعون الثمن الباهظ للإغلاق"، مشيراً إلى أن "العمال الفيدراليين يجب ألا يكونوا ضحايا صراع حزبي".
الإغلاق يدخل أسبوعه الرابع
تجاوز الإغلاق الحكومي الحالي اليوم الثالث والعشرين، ليصبح من بين أطول الإغلاق في التاريخ الأمريكي الحديث، وسط مأزق سياسي عميق لم تفلح الجهود المتبادلة في كسره حتى الآن.
ويعود الخلاف إلى شروط إعادة فتح الحكومة، إذ يصرّ الديمقراطيون على ضرورة التفاوض حول تمديد الإعانات الصحية المنتهية بموجب قانون الرعاية بأسعار معقولة، المعروف بـ"أوباماكير"، كجزء من أي اتفاق جديد، في حين يرفض الجمهوريون مناقشة هذا الملف قبل التصويت على إعادة فتح المؤسسات الحكومية.
ويرى مراقبون أن الطرفين يخوضان معركة سياسية مفتوحة على خلفية ملفات انتخابية واقتصادية، في حين تتصاعد الضغوط الشعبية على الكونغرس والبيت الأبيض لوقف الأزمة التي تمسّ مباشرة حياة أكثر من 800 ألف موظف فيدرالي.
أزمة تتجاوز السياسة
يؤكد خبراء الاقتصاد أن استمرار الإغلاق يترك آثارًا ملموسة على الاقتصاد الأمريكي، بدءًا من تباطؤ الخدمات العامة وتأخير صرف المعاشات، وصولاً إلى تراجع الإنتاجية في قطاعات النقل والأمن والغذاء.
كما تحذر اتحادات الموظفين من أن آلاف العاملين، ومنهم عناصر الأمن والمطارات، يضطرون إلى العمل دون أجر، ما يضعهم تحت ضغوط معيشية ونفسية متزايدة.
وقالت إحدى ممثلات اتحاد الموظفين الفيدراليين في تصريحات صحفية إن "العمال يعيشون على مدخراتهم أو الديون، وبعضهم لم يعد قادرًا على تغطية نفقات السكن والطعام"، مطالبة الكونغرس بتمرير "تشريع إنساني عاجل يعيد الأمل للناس".
ترامب يتجاهل الأزمة ويتجه إلى آسيا
في الوقت الذي يشتد فيه الجدل في واشنطن، يبدو أن الرئيس دونالد ترامب اختار الابتعاد عن المشهد، إذ يعتزم التوجه إلى آسيا خلال الأيام المقبلة، في خطوة أثارت انتقادات داخلية واسعة واعتبرها خصومه دليلاً على "تجاهل الأزمة".
وقال محللون سياسيون إن الرئيس "يحاول النأي بنفسه عن الصراع الداخلي داخل الكونغرس"، في حين يرى آخرون أن غيابه قد يعقّد المفاوضات، خاصة في ظل غياب أي مبادرة رئاسية لإعادة الطرفين إلى طاولة الحوار.
الجمود السياسي يفاقم المعاناة
مع مرور كل يوم دون حل، تتسع دائرة المتضررين من الإغلاق الحكومي، حيث تشير التقديرات إلى أن عشرات الآلاف من العائلات الأمريكية لن تتلقى رواتبها مع نهاية الأسبوع الجاري.
ويخشى خبراء الاقتصاد أن استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تباطؤ النمو وارتفاع معدلات الديون الشخصية بين موظفي القطاع العام، إضافة إلى تراجع ثقة المواطنين في قدرة الحكومة على إدارة شؤونها الأساسية.
كما حذّر محللون من أن الأزمة قد تتحول إلى مواجهة سياسية طويلة الأمد تُضعف ثقة الناخبين بالحزبين الكبيرين على حد سواء، وتفتح الباب أمام قوى سياسية جديدة تسعى لملء الفراغ الشعبي.
نداءات لحل سريع
رغم أجواء التصعيد، تتعالى الأصوات داخل الكونغرس من الجانبين للمطالبة بـ"تسوية وسط" تنهي الإغلاق وتعيد الرواتب إلى أصحابها.
وقال السيناتور الديمقراطي جاري بيترز:"يبدو أن الجميع في هذه القاعة متفقون على ضرورة دفع رواتب الموظفين الفيدراليين، لكننا نحتاج إلى قرار سياسي شجاع، لا إلى المزيد من المزايدات".
وفي الوقت نفسه، شدد عدد من الجمهوريين المعتدلين على ضرورة إعادة فتح الحكومة أولاً ثم التفاوض حول الملفات الخلافية، محذرين من أن استمرار الإغلاق سيؤدي إلى "ضرر سياسي وإنساني يصعب إصلاحه".
طريق مسدود دون أفق واضح
لا توجد أي بوادر على كسر الجمود أو الوصول إلى اتفاق بين الحزبين، في حين يستمر الإغلاق في شلّ مؤسسات الدولة وإرباك حياة الموظفين والمواطنين على حد سواء.
ومع غياب الحلول العاجلة، تبقى الأزمة مرشحة للتصعيد في الأيام المقبلة، في ظل انعدام الثقة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وتردد البيت الأبيض في التدخل بشكل مباشر لإنهاء الأزمة.
ويختم مراقبون بأن الإغلاق الحالي لا يعكس مجرد خلاف حول بنود مالية أو سياسات صحية، بل يجسد أزمة ثقة أعمق في النظام السياسي الأمريكي، حيث باتت الصراعات الحزبية تطغى على مصالح المواطنين الذين يدفعون الثمن من حياتهم اليومية.










