بين الجبال واللجوء.. فنانة كردية ترسم الأمل في مخيم شمالي العراق

بين الجبال واللجوء.. فنانة كردية ترسم الأمل في مخيم شمالي العراق
الفنانة الشابة آخين تونج

تجسدت حكاية الفن الكردي في أبهى صورها داخل مخيم الشهيد رستم جودي في سهل مخمور شمالي العراق، حيث وجدت فنانة شابة تُدعى آخين تونج في الرسم ملاذًا يخفف عنها قسوة اللجوء ويمنحها مساحة من الحرية في عالمٍ ضاق بأحلامها.

ونشأ هذا المخيم قبل 27 عامًا عند سفح جبل قنديل، بعد رحلة لجوء طويلة خاضها آلاف الأكراد الذين فرّوا من القمع والحروب في شمال كردستان، ليستقروا في بيئة قاسية ويبدؤوا حياتهم من الصفر، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الثلاثاء. 

ورغم قسوة الظروف، نجح سكان المخيم في بناء مجتمع نابض بالحياة، يحتفي بالفن والموسيقى والتعليم.

ملاذ فني في خيام اللجوء

اختارت الفنانة الشابة آخين تونج الرسم وسيلة للتعبير عن نفسها، فحوّلت الألم إلى ألوان، والخيمة إلى مرسمٍ بسيط يفيض بالحياة.

وتروي: "منذ طفولتي أحب الرسم، كنت أستمتع كثيرًا بحصة الفنون في المدرسة، وأشارك فيها بحماس كبير.. كنت أمسك الفرشاة باستمرار، وكان معلمو الرسم يشجعونني دائمًا، ومع مرور الوقت خصصت كل وقتي للرسم، فكلما وجدت لحظة فراغ ألجأ إلى الورقة البيضاء لأرسم ما أشعر به، هذا يمنحني سعادة لا توصف".

وترسم آخين عادةً الجبال الكردية، رمز الحرية المتجذّر في الذاكرة الجمعية لأبناء شعبها، إذ ترى فيها وطنًا بديلًا وملاذًا آمنًا يذكّرها بالهوية والانتماء، فتجعلها عنصرًا ثابتًا في معظم أعمالها الفنية.

الجبال.. ذاكرة الحرية

تؤكد آخين تونج أن الجبال بالنسبة إليها ليست مجرد مشهد طبيعي، بل ذاكرة وهوية ورمز للمقاومة الكردية التي استلهم منها الفنانون والأدباء لعقود طويلة.

وتقول: "أميل كثيرًا إلى رسم البورتريه لإظهار تفاصيل الوجه والمشاعر الإنسانية، لكنني دائمًا أُضيف مشهدًا جبليًا، لأنني أرى في الجبال جمالًا لا يُضاهى.. إنها ملاذ الأحرار وملهمة الشعراء والفنانين منذ 50 عامًا".

ويُذكر أن جبل قنديل تحوّل خلال العقود الماضية إلى رمز للحرية الكردية، إذ لجأ إليه المقاتلون والفنانون والمنفيون على حد سواء، حاملين معهم أحلامهم بالكرامة والهوية.

الحصار يقتل الطفولة والتعليم

تسلّط الفنانة الشابة الضوء على واقعٍ قاسٍ يعيشه أطفال مخيم مخمور، حيث أدّى الحصار المفروض منذ نحو ست سنوات إلى تدهور الأوضاع المعيشية والتعليمية.

وتوضح: "نبذل جهدًا كبيرًا لمواصلة تعليمنا رغم الحصار.. أنا الآن في سنتي الأخيرة من المرحلة الثانوية، وأحلم بدراسة الهندسة المعمارية، لكن منذ خمس سنوات لم يُسمح لأي طالب من المخيم بالالتحاق بالجامعة".

وتصف هذا الوضع بأنه "قاتل للطموح"، إذ اضطر كثير من الشباب للعمل في البناء لتأمين لقمة العيش بدلًا من مواصلة الدراسة، رغم امتلاكهم للكفاءة والطموح.

الفن.. نافذة الخلاص

تدعو آخين تونج شباب المخيم إلى التمسك بالفن بوصفه طريقاً للنجاة من التهميش، مشددة على أن الإبداع لا يقتصر على الرسم فقط، بل يشمل كل أشكال التعبير الإنساني.

وتقول: "ليست موهبة الرسم وحدها ما يتيح للإنسان التعبير عن ذاته، فهناك العزف والمسرح والغناء. يمكن للفنون أن تفتح للشباب أبوابًا جديدة نحو الحرية النفسية والاجتماعية، وأن تساعدهم في بناء مستقبلهم رغم الحصار".

وترى أن توفير الدعم والرعاية للمواهب الشابة هو السبيل الوحيد لإنقاذ جيل المخيمات من الضياع، فالفن -كما تقول- "ليس ترفًا، بل وسيلة للبقاء والتمسك بالأمل في وجه الألم".

الفن في مواجهة القسوة

يُعدّ مخيم الشهيد رستم جودي اليوم شاهدًا على قدرة الإنسان على تحويل المأساة إلى إبداع، إذ أنشأ اللاجئون مدارس فنية ومراكز ثقافية رغم الفقر والحصار.

وتُظهر تجربة آخين تونج أن الفن في مثل هذه البيئات لا يزيّن الواقع بل يعانده، يقاوم الموت بالصورة، والظلم باللون، واليأس بالخيال.

وفي بلدٍ تمزّقه الصراعات، تبقى لوحات اللاجئين الكرد في مخمور شاهدة على أن الجمال يولد حتى من رحم المعاناة، وأن الفن -كما تقول آخين- "هو آخر ما يمكن أن يُصادر من الإنسان، لأنه يسكن في روحه".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية