محاكمة شركة "لافارج" الفرنسية بتهمة تمويل تنظيمات إرهابية في سوريا الثلاثاء
محاكمة شركة "لافارج" الفرنسية بتهمة تمويل تنظيمات إرهابية في سوريا الثلاثاء
تبدأ في باريس، يوم الثلاثاء المقبل، محاكمة تاريخية لشركة لافارج الفرنسية المتخصصة في صناعة الإسمنت، بعد اتهامها بتمويل جماعات جهادية في سوريا، من بينها تنظيم داعش وجبهة النصرة، خلال سنوات الحرب بين عامي 2013 و2014.
وتهدف المحاكمة إلى كشف مدى تورط الشركة في دعم كيانات مصنفة إرهابية مقابل ضمان استمرار تشغيل مصنعها في بلدة الجلابية شمالي سوريا، في واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في تاريخ الشركات الأوروبية، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الجمعة.
ومن المقرر أن يمثل أمام المحكمة الجنائية في باريس إلى جانب الشركة، برونو لافون الرئيس التنفيذي السابق، وخمسة من كبار المسؤولين في السلسلة التشغيلية والأمنية، إضافة إلى وسيطين سوريين أحدهما مطلوب بموجب مذكرة توقيف دولية.
وتواجه هذه الأطراف تهماً خطيرة تتعلق بتمويل منظمة إرهابية، وانتهاك العقوبات المالية الدولية المفروضة على سوريا في تلك الفترة.
وتشير التحقيقات إلى أن لافارج دفعت ما لا يقل عن خمسة ملايين يورو لجماعات مسلحة من بينها تنظيم الدولة الإسلامية، بهدف ضمان استمرار المصنع وحماية العاملين المحليين.
وأظهرت الأدلة أن الشركة لجأت إلى وسطاء محليين لعقد اتفاقات سرية لتأمين طرق النقل والإمداد، رغم المخاطر القانونية والأخلاقية الجسيمة.
خلفيات الاستثمار والانسحاب
استثمرت لافارج نحو 680 مليون يورو في مصنعها الذي افتُتح عام 2010، وكان من أبرز المشاريع الصناعية الأجنبية في سوريا قبل اندلاع الحرب عام 2011.
غير أن معظم الشركات متعددة الجنسيات انسحبت من السوق السورية بحلول عام 2012، بينما أبقت لافارج موظفيها السوريين في أماكنهم، مكتفية بإجلاء الأجانب، حتى سيطر تنظيم داعش على المصنع في سبتمبر 2014.
وبحسب الشكاوى المقدمة، فإن استمرار الشركة في العمل داخل منطقة الصراع كان على حساب سلامة العاملين، إذ تعرض العديد منهم للخطف والتهديد على أيدي الجماعات المسلحة، فيما كان بعضهم يمر يومياً عبر نقاط تفتيش تابعة للتنظيمات الجهادية.
انطلاق المسار القضائي
بدأ المسار القضائي في فرنسا عام 2017 بعد تقارير صحفية كشفت تفاصيل التحويلات المالية، تلتها شكاوى رسمية من وزارة الاقتصاد وجمعيات حقوقية و11 موظفاً سابقاً.
وفي عام 2015، كانت مجموعة هولسيم السويسرية قد استحوذت على لافارج، وأطلقت تحقيقاً داخلياً خلص إلى “انتهاكات جسيمة لقواعد السلوك التجاري”، وفقاً لتقرير صادر عن مكتبي المحاماة الأميركي “بايكر ماكنزي” والفرنسي “داروا”.
وفي تطور بارز عام 2022، أقرت لافارج في الولايات المتحدة بالذنب في تهم تمويل الإرهاب، ووافقت على دفع غرامة قدرها 778 مليون دولار، بعد ثبوت تقديمها نحو ستة ملايين دولار لتنظيم داعش وجبهة النصرة.
ومع ذلك، واصل برونو لافون نفي علمه بأي مدفوعات غير قانونية، مؤكداً أن القرارات كانت تتم على المستوى المحلي داخل سوريا دون علم الإدارة المركزية في باريس.
اتهامات بالتواطؤ
اعتبر محامو الدفاع أن إقرار لافارج بالذنب في الولايات المتحدة “كان صفقة اقتصادية لحماية مصالح المجموعة السويسرية الجديدة”، مؤكدين أن المحاكمة الحالية فرصة لتوضيح “العديد من الجوانب المظلمة”، منها العلاقة بين مسؤولي الشركة وأجهزة الاستخبارات الفرنسية التي كانت تتبادل المعلومات الأمنية بشأن الوضع الميداني قرب المصنع.
غير أن قضاة التحقيق شددوا على أن هذا التعاون الاستخباراتي “لا يبرر بأي حال تمويل كيانات إرهابية”، وأن الدولة الفرنسية لم تصادق على أي من هذه الأنشطة.
وتواجه الشركة حالياً غرامة قد تصل إلى 1.125 مليار يورو في حال إدانتها بتمويل الإرهاب، وقد تكون الغرامة أكبر إذا ثبت انتهاكها الحظر المالي المفروض على سوريا.
ضحايا وشهادات مرتقبة
انضم أكثر من 241 طرفاً مدنياً إلى القضية، من بينهم موظفون سوريون سابقون تعرضوا للخطر المباشر أثناء العمل.
وقالت آنا كيفر، ممثلة منظمة "شيربا" لمكافحة الجريمة المالية، إن المحاكمة “تمثل لحظة انتظار طويلة للعمال السوريين الذين عاشوا سنوات من الخوف والابتزاز”.
وأضافت أن بعض الشهود سيتحدثون للمرة الأولى عن معاناتهم في العبور اليومي لنقاط التفتيش التابعة للتنظيمات المسلحة والتهديدات التي تلقوها.
ولا تزال فروع أخرى من القضية قيد التحقيق، إذ تواجه لافارج اتهامات إضافية بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية في سوريا والعراق، ما قد يجعل هذه المحاكمة نقطة فاصلة في تحديد مسؤولية الشركات الكبرى عن تمويل النزاعات المسلحة حول العالم.










