تحت ضغط أمريكي.. الاتحاد الأوروبي يدرس تأجيل تطبيق بنود قانون الذكاء الاصطناعي

تحت ضغط أمريكي.. الاتحاد الأوروبي يدرس تأجيل تطبيق بنود قانون الذكاء الاصطناعي
الاتحاد الأوروبي - أرشيف

تدرس المفوضية الأوروبية تأجيل تنفيذ بعض بنود قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي، في خطوة تعكس حجم الضغوط التي تمارسها شركات التكنولوجيا العملاقة والإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، وسط جدل واسع بين داعمي التأجيل ومعارضيه داخل القارة الأوروبية.

وأوضحت المفوضية الأوروبية، وفقًا لما أوردته صحيفة الغارديان البريطانية، اليوم السبت، أن النقاش بشأن تأجيل بعض جوانب القانون ما زال مستمرًا داخل أروقة الاتحاد، مشيرة إلى أن بروكسل تدرس حاليًا تعديلات محتملة لتخفيف المتطلبات المفروضة على الشركات الكبرى، خصوصًا تلك التي تطور أنظمة ذكاء اصطناعي عالية الخطورة.. أي التي يمكن أن تمس بالصحة أو السلامة أو الحقوق الأساسية للمواطنين.

ويُعد هذا القانون الذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس 2024، أول تشريع شامل في العالم ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي، غير أن معظم التزامات الشركات، ولا سيما تلك المتعلقة بالأنظمة عالية الخطورة، لن تُطبق فعليًا قبل أغسطس 2026 أو بعده بعام، ما يمنح الحكومات والشركات فترة انتقالية قبل التنفيذ الكامل.

مقترحات لتأجيل الغرامات 

تتضمن المقترحات التي تدرسها المفوضية الأوروبية منح فترة سماح إضافية مدتها عام واحد لتطبيق الالتزامات، وتأجيل فرض الغرامات على مخالفات قواعد الشفافية حتى أغسطس 2027. 

وتبحث بروكسل في منح مطوري الأنظمة عالية الخطورة مرونة كبرى في مراقبة أداء منتجاتهم، وهي خطوة اعتبرها بعض المحللين استجابة مباشرة لمطالب الشركات الكبرى التي ترى أن اللوائح الحالية “معقدة وباهظة التكلفة”.

وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد الضغوط الأمريكية على الاتحاد الأوروبي، إذ حذرت إدارة ترامب من فرض رسوم جديدة على الدول التي تعتبرها تضر بمصالح التكنولوجيا الأمريكية، سواء عبر الأنظمة التنظيمية المشددة أو الضرائب الرقمية المفروضة على الشركات الأمريكية العملاقة مثل "غوغل" و"أمازون" و"ميتا".

ويرى مراقبون أن هذا الضغط يعكس رغبة واشنطن في منع أوروبا من فرض نموذج تنظيمي صارم قد يتحول إلى معيار عالمي يحدّ من نفوذ شركات التكنولوجيا الأمريكية في الأسواق الدولية.

انقسام بين الداعمين والمعارضين

تواجه المفوضية أيضًا انقسامًا داخليًا حادًا؛ فبينما تدعو شركات أوروبية كبرى مثل “إيرباص” و“مرسيدس-بنز” إلى تأجيل التطبيق لعامين لإتاحة وقت كافٍ لتعديل أنظمتها، يحذر عدد من البرلمانيين الأوروبيين من أن أي تأجيل سيؤدي إلى “غموض قانوني” ويعرّض المستخدمين لمخاطر تقنية لم يُعالجها القانون بعد.

ويخشى بعض النواب من أن يضعف التأجيل من مصداقية الاتحاد الأوروبي بوصفه الرائد في تنظيم التكنولوجيا عالميًا، خاصة بعد أن تبنّى خطابًا صارمًا يدعو إلى “ذكاء اصطناعي جدير بالثقة” يخدم الإنسان ولا يهدده.

وأكد توماس رينييه، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، أن أي قرار نهائي بشأن التأجيل لم يُتخذ بعد، مشددًا على أن المفوضية تظل ملتزمة تمامًا بالقانون وأهدافه، وبأن التشريع الأوروبي يمثل حقًا سياديًا لا يحق لأي دولة ثالثة التدخل فيه.

وأضاف أن المفوضية تسعى لتحقيق توازن دقيق بين حماية المواطنين وتشجيع الابتكار التكنولوجي، دون الإضرار بقدرة الشركات الأوروبية على المنافسة عالميًا.

مستقبل الذكاء الاصطناعي الأوروبي

يُنظر إلى هذه المراجعة باعتبارها اختبارًا لقدرة الاتحاد الأوروبي على فرض إرادته التنظيمية في مواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية الخارجية. فبينما يصرّ المسؤولون الأوروبيون على أن قانون الذكاء الاصطناعي سيجعل أوروبا نموذجًا أخلاقيًا عالميًا في التعامل مع التكنولوجيا، يخشى البعض أن يؤدي التأجيل إلى تراجع في الزخم التشريعي الأوروبي لصالح الولايات المتحدة والصين اللتين تمضيان في تطوير الذكاء الاصطناعي بوتيرة أسرع وأقل تقييدًا.

ويواجه الاتحاد الأوروبي اليوم مفترق طرق حقيقيًا بين الالتزام بمبادئه الأخلاقية الصارمة في تنظيم الذكاء الاصطناعي، وبين الانصياع للضغوط الاقتصادية والسياسية الدولية التي تخشى من إبطاء عجلة الابتكار.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية