"الاستدامة المزعومة".. شركة بريطانية تحرق أشجاراً عمرها 250 عاماً من غابات كندا

كيف تحولت الغابات القديمة إلى وقود للطاقة الخضراء؟

"الاستدامة المزعومة".. شركة بريطانية تحرق أشجاراً عمرها 250 عاماً من غابات كندا
غابات كولومبيا البريطانية

يكشف تقرير نشرته اليوم صحيفة "الغارديان"، أن محطة دراكس للطاقة في بريطانيا واصلت حرق أشجار يزيد عمرها على 250 عامًا، مصدرها بعض أقدم الغابات في كندا، رغم التدقيق المتزايد في ادعاءاتها حول الاستدامة البيئية.

يشير التحقيق إلى أن منظمة "ستاند إيرث"، وهي منظمة كندية غير ربحية تُعنى بالبيئة، أكدت في تقرير جديد أن شركة كندية تابعة لمجموعة دراكس استلمت مئات الشاحنات المحملة بجذوع أشجار كاملة طوال عامي 2024 و2025، ما يرجح بشدة أن بعض تلك الأخشاب جاءت من غابات ذات قيمة بيئية عالية.

تتلقى شركة دراكس، وهي أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في بريطانيا، أكثر من مليوني جنيه إسترليني يوميًا من أموال دافعي الفواتير في المملكة المتحدة، ضمن دعم حكومي لتوليد الطاقة من الكتلة الحيوية، ومع ذلك، يثير التقرير شكوكًا بشأن الطريقة التي تُستخدم بها هذه الإعانات، خصوصًا في ظل اعتماد الشركة على أخشاب يُعتقد أنها من غابات معمّرة غير قابلة للتعويض.

ويوضح التقرير أن محطة الطاقة الواقعة في شمال يوركشاير استمرت في استخدام أخشاب "لا تُعوّض"، حتى مع ممارسة ضغط على الحكومة البريطانية للحصول على دعم إضافي للطاقة الخضراء، وهو الدعم الذي تمت الموافقة عليه مؤخرًا.

تؤكد الشركة أنها لا تحصل على الخشب إلا من "غابات مُستدامة مُدارة جيدًا"، تُشحن منتجاتها من كندا والولايات المتحدة إلى المملكة المتحدة، لكن تلك الادعاءات تعرضت لتشكيك من هيئة تنظيم الطاقة البريطانية (Ofgem) وهيئة السلوك المالي (FCA)، عقب ما كشفه تحقيق برنامج بانوراما على قناة "بي بي سي" في عام 2022 بشأن قطع الأشجار في الغابات البكر الكندية لصناعة كريات الخشب.

صناعة الكتلة الحيوية

تكشف البيانات التي استندت إليها "الغارديان"، والمتضمنة سجلات رسمية من حكومة كولومبيا البريطانية، إلى جانب صور الأقمار الصناعية، أن الشركة استوردت أشجارًا يبلغ عمرها 250 عامًا لصناعة الكتلة الحيوية هذا العام.

يوضح التقرير أن شركة دراكس استلمت 90 شاحنة محملة بجذوع الأشجار من "غابات قديمة" في منطقة سكينا التي تُعد موطنًا لأكبر المناطق البرية غير المطورة في كندا.

تُعرّف الحكومة المحلية الغابات القديمة بأنها المناطق التي تحتوي على أشجار يتجاوز عمرها 250 عامًا في الأنظمة البيئية بطيئة النمو، أو 140 عامًا في الأنظمة سريعة النمو.

ورغم إعلان شركة دراكس في أكتوبر 2023 توقفها عن الحصول على الأخشاب من الغابات "المحمية" رسميًا، فإنها لم تنفِ استمرارها في استلام الأخشاب من مواقع تحتوي على أشجار معمّرة.

الحصول على الأخشاب

قال المتحدث باسم الشركة إن "سياسة دراكس في الحصول على الأخشاب تعني أنها لا تحصل على الكتلة الحيوية من مناطق محددة من الأشجار القديمة، بل من غابات مُدارة جيدًا ومستدامة"، ومع ذلك، تُظهر أرقام حكومة كولومبيا البريطانية أن الغابات القديمة المحمية لا تتجاوز 4.4 ملايين هكتار من أصل 11.1 مليون هكتار هي المساحة الإجمالية للغابات القديمة في المقاطعة، ما يترك أكثر من نصفها عرضة للاستغلال التجاري.

ويفيد تقرير "ستاند إيرث" بأن شركة دراكس استلمت في عامي 2024 و2025 ما لا يقل عن 425 حمولة شاحنة إضافية من جذوع الأشجار الكاملة من "قطع الأشجار" المخصصة لحصاد الأخشاب.

تُظهر البيانات أن 63 حمولة جاءت من ثلاث مناطق تحتوي على أكثر من 90% من الغابات المعمرة، في حين جاءت 362 حمولة من 22 منطقة تحتوي على أكثر من 80% من النمو القديم، ما يجعل من المرجح جدًا أن تلك الأخشاب تضمنت أشجارًا قديمة.

وقالت كَبيرة الباحثين في"ستاند إيرث" تيغان هانسن إن "فقدان الأشجار القديمة في كولومبيا البريطانية مشكلة كبيرة تتفاقم باستمرار"، مؤكدة أن "المنطقة التي تعمل فيها شركة دراكس تُظهر نشاطًا مرتفعًا في قطع الأشجار عالية الخطورة، وفقًا لنظام المراقبة بالأقمار الصناعية (Forest Eye)"

وأضافت هانسن: "لا توجد طريقة واقعية تتيح لشركة دراكس العمل في هذه المناطق دون أن تشمل الغابات القديمة ضمن إمداداتها من الأخشاب.. يجب أن يدرك الناس في المملكة المتحدة أن خطر قطع الأشجار القديمة من أجل الكتلة الحيوية أكبر من أي وقت مضى".

وشددت الباحثة على أن القواعد التي تسمح للشركات باعتبار الأشجار القديمة "نفايات تجارية" تُسهم في المشكلة، وأوضحت أن بعض الأشجار "قد تكون متعفنة من الداخل، لكن ذلك جزء من قيمتها البيئية للحياة البرية"، وقالت: "شجرة واقفة في غابة ليست نفايات".

وتُظهر وثائق نشرتها "فايننشال تايمز" في وقت سابق، أن رسائل بريد إلكتروني داخلية في شركة دراكس أقرت بأن الكريات الخشبية التي استُخدمت في محطات توليد الطاقة في المملكة المتحدة "مرجّح جدًا" أن يكون مصدرها مناطق غابات أولية في كندا ذات أهمية بيئية.

أوضحت الصحيفة أن المراجعة الداخلية للشركة توصلت إلى أن الخشب المستلم من مصانعها في كولومبيا البريطانية جاء من أراضٍ تُصنّفها السلطات المحلية أنها "مناطق عالية المخاطر"، بعضها من غابات الأنواع المحلية التي لم تُحصد من قبل.

منظومة الطاقة البريطانية

تُعد دراكس جزءًا أساسيًا من منظومة الطاقة البريطانية، إذ تُوفر 5% من الكهرباء في المملكة المتحدة من محطة الطاقة في يوركشاير، بعد أن حولت عملياتها من الفحم إلى الكتلة الحيوية، وبلغ الدعم الحكومي المقدم لها العام الماضي قرابة مليار جنيه إسترليني، أي نحو 13% من إيراداتها البالغة 7.5 مليارات جنيه إسترليني في 2024، وفق بيانات منصة فيزيبل ألفا.

تسعى الشركة حاليًا إلى تمديد تمويلها العام بعد انتهاء عقد الدعم القائم.

وأنهت هيئة تنظيم الطاقة البريطانية (Ofgem) "أوفجيم" تحقيقًا مطولًا حول تقارير دراكس، وخلصت إلى عدم وجود انتهاك متعمّد، لكنها فرضت على الشركة غرامة قدرها 25 مليون جنيه إسترليني لفشلها في تسجيل بيانات دقيقة عن الخشب الذي استوردته بين أبريل 2021 ومارس 2022.

وفي رسائل داخلية مؤرخة في نوفمبر 2022، ناقش مسؤولون تنفيذيون في الشركة كيفية تصنيف مصدر الخشب، حيث ورد في إحدى المراسلات أن "شركة دراكس كندا تأخذ مواد من غابات الأنواع المحلية التي لم تُحصَد سابقًا، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنها غابات أولية".

أبلغت الشركة لاحقًا عن تلك الأخشاب على أنها من "غابات متجددة طبيعيًا"، غير أن هيئة "أوفجيم" اعتبرت الأدلة المقدمة غير كافية لدعم هذا الادعاء.

وقالت عالمة البيئة كارين برايس التي شاركت في لجنة حكومية لتحديد المناطق الحساسة للحماية في كولومبيا البريطانية، إن "تلك الغابات مُعرّضة للخطر، وهي بالغة الأهمية لتخفيف تأثير أزمتي المناخ والتنوع البيولوجي".

غياب الشفافية

أظهرت الوثائق أن بعض الأخشاب التي وصلت إلى مصانع دراكس في كندا جاءت من مناطق أوصت اللجنة الحكومية بحمايتها، وأخرى من أراضٍ خاصة "عالية المخاطر" لا تتوفر بشأنها معلومات علنية كافية.

وبناءً على هذه النتائج، رجّحت المراجعة الداخلية أن بعض الأخشاب من الغابات القديمة وصلت بالفعل إلى محطة لينماوث للطاقة في شمال إنجلترا، المملوكة لشركة يسيطر عليها رجل الأعمال دانيال كريتينسكي، والتي تُولّد طاقة كافية لتزويد نحو 450 ألف منزل.

غير أن محطة لينماوث أبلغت السلطات بأن بعض الكريات الخشبية الموردة من شركة دراكس كندا "غير مستدامة" بموجب القواعد البريطانية التي تشترط أن يكون 70% من الكتلة الحيوية مصنّفة مستدامة على الأقل.

وركّز تحقيق "أوفجيم" على بيانات "التنميط" الفني المتعلقة بخصائص الخشب، ولم يجد دليلاً على أن الكتلة الحيوية غير مستدامة، لكنه ألزم الشركة بإعادة تقديم البيانات المطلوبة وإجراء مراجعة شاملة لعملياتها حول العالم.

"النفايات" وحقوق البيئة

تُظهر تصريحات كَبيرة نشطاء الغابات في"ستانج إيرث" تيغان هانسن أن "صناعة الكتلة الحيوية تُهدد مبدأ العدالة المناخية"، مؤكدة أن "الذين يدعمون الكتلة الحيوية يعتقدون أنهم يسهمون في مكافحة تغير المناخ، لكنهم لا يدركون الضرر الحقيقي الذي يسببه هذا القطاع".

تُبرز هذه التصريحات تناقضًا واضحًا بين الخطاب البيئي للشركة والممارسات الفعلية التي توثقها المنظمات الرقابية.

وتشير التقارير إلى أن السياسات التي تسمح باعتبار الأشجار القديمة "نفايات تجارية" تنتهك مبدأ الحق في بيئة سليمة المنصوص عليه في المواثيق الدولية، إذ يؤدي فقدان الغابات القديمة إلى تدهور التنوع البيولوجي وتراجع قدرة النظم البيئية على امتصاص الكربون.

تظل شركة دراكس، وفقًا لما ورد في التقارير السابقة، في موضع تساؤل حاد حول مدى التزامها بالمعايير البيئية التي تتيح لها الاستفادة من الدعم الحكومي المخصص للطاقة المتجددة، في حين يواصل النشطاء والمنظمات البيئية الدعوة إلى إخضاعها لمراجعة مستقلة شاملة تضمن احترام الحقوق البيئية للأجيال الحالية والمستقبلية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية