أمريكا راعية انتهاك وقف القتال!

أمريكا راعية انتهاك وقف القتال!

هناك مفارقة عجيبة، فمنذ سريان اتفاق وقف النار في غزة 10 أكتوبر الماضي، لم تتوقف إسرائيل عن خرقه، وهي تتصرف وكأن عدوانها الهمجي مستمر.

في الوقت نفسه، يكرر ترامب تصريحات تؤكد أن الاتفاق قوي وراسخ ولا خوف عليه. السؤال: «ما الملابسات التي يمكن أن تدفع واشنطن إلى القول إن الاتفاق في خطر، أو على الأقل يحتاج إلى تطبيق فعلي؟ مئات الفلسطينيين راحوا ضحية الغارات والاقتحامات الإسرائيلية. خلال العدوان كان الآلاف يُستشهدون. هل فارق العدد فقط هو ما يجعل أمريكا تعتقد أن وقف القتال صامد؟

مؤشرات كثيرة تُدلل على أن الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاق لا تحظى فقط برضا الإدارة الأمريكية، بل بالتنسيق الكامل معها. واشنطن تعتقد أن الغارات والضربات الإسرائيلية تساعد في انصياع حماس لمطالب نزع سلاحها. أي إن الخرق الإسرائيلي عامل «إيجابي» في القضاء على حماس، وبدء المرحلة الثانية من الاتفاق لتمهيد الطريق من أجل تنفيذ خطة ترامب لإنشاء «غزة الجديدة»، تلك المحمية الأمريكية التي سيتم إقامة قاعدة عسكرية فيها وتنفيذ المشروعات العقارية التي يقترحها هو وصهره جاريد كوشنر. العدوان الإسرائيلي الذي استمر عامين لم يقضِ تماماً على حماس. لذا، فإن خرق اتفاق وقف القتال بموافقة أمريكية، يُعطي جيش الاحتلال فرصة أخرى لتنفيذ الأهداف الأمريكية الإسرائيلية المشتركة.

الانتهاكات تمنح نتنياهو أيضاً أفضلية على خصومه السياسيين في موسم الانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل. نتنياهو تبجح قبل يومين قائلاً إن قواته ترد في التو واللحظة على ما يدعيه من انتهاكات حماس، وأن ذلك يحدث دون استشارة أحد قاصداً الولايات المتحدة. في حين تقول تقارير الصحافة الإسرائيلية إن التنسيق دائم وكامل بين الجانبين. الخرق الإسرائيلي لا يتوقف فقط على الغارات والقتل والتدمير، بل يستهدف حتى «جثث الفلسطينيين» الذين استُشهدوا خلال عامي العدوان وما بعده. يتم منع دخول المعدات الثقيلة لانتشال الجثث من تحت الأنقاض. تمنع إسرائيل أيضاً دخول الأدوية والمستلزمات الطبية وخيام النزوح والمنازل المتنقلة رغم دخول فصل الشتاء بقسوة.
لا يحدث الانتهاك الإسرائيلي في غزة فقط، بل لبنان أيضاً. قوات الأمم المتحدة بجنوب لبنان «اليونيفيل» رصدت قبل أيام أكثر من 10 آلاف انتهاك منذ سريان وقف النار في نوفمبر 2024. يتم رفع تقارير بهذه الانتهاكات إلى مجلس الأمن لكن الفيتو الأمريكي «رابض» هناك لمنع أي إدانة أو حتى لوم لإسرائيل.

أمس الأول، شنت إسرائيل غارة على الضاحية الجنوبية فى بيروت وقتلت قائداً عسكرياً بارزاً في حزب الله. هذا في «عُرف» ترامب ليس انتهاكاً لأي اتفاق، إنه تصفية «للمخربين» الذين يمكن أن يستهدفوا إسرائيل يوماً ما.

قبل سنوات، أجلت إسرائيل تنفيذ أحد الاتفاقات مع الفلسطينيين. يومها قال الرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز: «المواعيد ليست مقدسة». وهذا بالضبط ما يحدث الآن. الفارق أن انتهاك الاتفاقات أصبح هو القاعدة بل المقدس. الاتفاقات يتم التوصل إليها ليس لتنفيذها بل للالتفاف عليها والتلاعب بها إذا كانت لا تحقق المصلحة. الفارق أيضاً أن راعي الاتفاق، وهو ترامب، يشارك في اللُعبة.


نقلاً عن صحيفة المصري اليوم



 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية