خلف ركام الحرب.. تقرير أممي يكشف اتساع دائرة التشرد في اليمن خلال 2025
خلف ركام الحرب.. تقرير أممي يكشف اتساع دائرة التشرد في اليمن خلال 2025
كشف تقرير حديث لمنظمة الهجرة الدولية أن عام 2025 على مشارف النهاية في اليمن كما انتهت الأعوام السابقة تماما مثقلا بموجات جديدة من النزوح ومعاناة إنسانية متصاعدة، وأكد التقرير الأسبوعي الصادر عن المنظمة أن أكثر من مئتي شخص اضطروا إلى مغادرة منازلهم خلال الأسبوع الأخير وحده، نتيجة عوامل أمنية واقتصادية مرتبطة مباشرة باستمرار الصراع المسلح، ويأتي هذا النزوح الجديد ليضيف طبقة أخرى إلى لوحة معقدة من الألم ترسم ملامحها الحرب يوما بعد آخر في واحدة من أشد الأزمات الإنسانية تعقيدا في العالم.
وأشار التقرير إلى أن عمليات النزوح التي تمت خلال الأسبوع الماضي شملت محافظات مأرب والحديدة وتعز والضالع وأمانة العاصمة وحضرموت وسقطرى، وهي مناطق شهدت خلال الأشهر الأخيرة تذبذبا في الوضع الأمني وتزايد الاشتباكات على أطراف المدن والقرى وفق ما ذكرت شبكة "بوابتي"، اليوم الثلاثاء.
وتركزت أكبر مجموعات النازحين في محافظات الضالع ومأرب وتعز، وهي مناطق تستقبل سنويا آلاف الأسر الفارة من مناطق المواجهات، وتعد مأرب وحدها إحدى أبرز الوجهات التي تلجأ إليها العائلات بحثا عن ملاذ أكثر أمنا رغم أنها بدورها تواجه ضغوطا متواصلة على الخدمات والبنى التحتية بسبب كثافة النزوح المستمر إليها.
نزوح يتراكم عاما بعد عام
ووفق ما أوردته المنظمة، فقد بلغ إجمالي عدد الأسر التي فرت من منازلها منذ الأول من يناير وحتى الثاني والعشرين من نوفمبر 2025 نحو 3066 أسرة، أي ما يعادل 18396 شخصا، ويكشف هذا الرقم، على ضخامته، جزءا فقط من المشهد الإنساني المعقد، إذ لا يتمكن كثير من الأسر من تسجيل حالات النزوح رسميا، خصوصا في المناطق النائية أو الأماكن التي تتصاعد فيها المواجهات بشكل مفاجئ.
وفي خضم هذه التحولات، تظل قصص النازحين الأفراد هي الأكثر تعبيرا عن حجم المأساة، فأسر كثيرة تركت منازلها بعد أن أصبحت المعارك على مقربة من أبوابها، وأخرى اضطرت للرحيل بعد فقدان مصادر دخلها أو تعطل الأنشطة التجارية والزراعية التي كانت تعول عليها.
وتواجه العائلات النازحة في اليمن صعوبات هائلة فور وصولها إلى مناطق النزوح، خصوصا في ظل محدودية مراكز الإيواء وارتفاع أعداد المحتاجين للمساعدات الغذائية والصحية. وغالبا ما تستقر العائلات في مبان مهجورة أو لدى أقارب أو في تجمعات عشوائية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
تحديات للمرأة والطفل
وتبرز المعاناة بوجه خاص في أوساط النساء والأطفال، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن النساء يشكلن النسبة الأكبر من النازحين نظرا لغياب أعداد كبيرة من الرجال إما بسبب المشاركة في القتال أو نتيجة الاعتقال أو الوفاة، كما يواجه الأطفال مخاطر متعددة تشمل انقطاع التعليم ونقص الرعاية الصحية وارتفاع احتمالات الإصابة بسوء التغذية، إلى جانب الآثار النفسية العميقة التي يخلفها النزوح المتكرر وفقدان الإحساس بالأمان والاستقرار.
إلى جانب العوامل الأمنية المباشرة، يشير التقرير إلى أن التدهور الاقتصادي يلعب دورا مركزيا في موجات النزوح الجديدة، فالحرب المستمرة أدت إلى انهيار واسع في القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الأساسية بشكل غير مسبوق، ما دفع العديد من الأسر إلى النزوح بحثا عن فرص عمل أو مصادر دعم إنساني.
وتؤكد منظمات محلية أن بعض الأسر تنزح لأسباب اقتصادية بحتة بعد تفاقم انعدام الأمن الغذائي واتساع رقعة الفقر في معظم أنحاء اليمن.
تحديات أمام المنظمات الإنسانية
وتواجه المنظمات الدولية العاملة في اليمن صعوبات متعددة تتعلق بالوصول الآمن إلى بعض المناطق المتضررة، فضلا عن محدودية التمويل وعدم كفاية الموارد المتاحة لتلبية الاحتياجات المتزايدة، وفي كثير من الأحيان تضطر فرق الإغاثة إلى تقليص نطاق تدخلاتها بسبب تعقيدات الوضع الأمني أو القيود المفروضة على الحركة.
كما يشكل التدهور الواسع للبنى التحتية الأساسية مثل الطرق وشبكات المياه تحديا إضافيا يعوق وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وفعالية.
ورغم التحديات، فإن مبادرات المجتمع المحلي لا تزال تلعب دورا حيويا في احتواء جزء من الأزمة، ففي العديد من المناطق تستضيف الأسر المقيمة نازحين من مدن أخرى، وتشاركهم المأوى والطعام ضمن إمكانيات شديدة التواضع، في مشهد يعكس تضامنا مجتمعيا راسخا رغم ضغوط الحياة اليومية، ومع ذلك، تبقى هذه الجهود محدودة مقارنة بحجم الاحتياجات المتزايد عاما بعد عام.
البحث عن حلول دائمة
ويجمع الخبراء على أن استمرار النزوح بهذا المعدل ينذر بتحولات اجتماعية واقتصادية عميقة قد تكون لها آثار طويلة الأمد على مستقبل البلاد، ويرى مختصون أن الحلول الدائمة تتطلب معالجة جذرية للصراع وتوفير بيئة مستقرة تسمح بعودة الأسر إلى ديارها واستعادة دورة الحياة الطبيعية، إلى جانب دعم اقتصادي وإعادة إعمار المناطق التي تضررت بشكل كبير.
تسبب الصراع المسلح باليمن في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، فمنذ عام 2015 شهدت البلاد انهيارا واسعا في الخدمات الأساسية والبنى التحتية، إضافة إلى تراجع اقتصادي حاد أدى إلى ارتفاع مستويات الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
وتشير تقديرات أممية إلى أن أكثر من أربعة ملايين شخص نزحوا داخليا منذ بدء الحرب، بينما يحتاج أكثر من ثلثي السكان إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، وتواجه جهود الإغاثة تحديات كبيرة تتعلق بانعدام الأمن وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق، إلى جانب نقص التمويل وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، وفي ظل هذه الأوضاع، يستمر النزوح كأحد أبرز مظاهر الأزمة الممتدة، ليشكل ضغطا إضافيا على المجتمعات المضيفة ويزيد من تعقيد المشهد الإنساني في البلاد.










