وسط مخاوف حقوقية.. دعوات للتحقيق في جرائم قتل النساء المتزايدة بإيران

وسط مخاوف حقوقية.. دعوات للتحقيق في جرائم قتل النساء المتزايدة بإيران
العنف ضد المرأة- أرشيف

تحوَّلت جرائم قتل النساء في إيران من حوادث منفصلة إلى نمطٍ متكرر يعكس واقعًا أكثر تعقيدًا من كونه مجرد عنف أسري؛ إذ كشف توالي القضايا خلال الأشهر الماضية أن النساء أصبحن ضحية مباشرة لمنظومة سياسية وقانونية وأمنية تُقنّن التمييز، وتُضعف الحماية، وتُرسّخ الإفلات من العقاب. 

وأنتج هذا الواقع بيئةً خطرة تجعل من جسد المرأة ساحة مفتوحة للعنف، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع الأوسع، وسط انهيار واضح للدور الوقائي للدولة ومؤسساتها.

وأسهمت القوانين التمييزية في إيران، حيث تُمنَح للأب أو الزوج أو أحد الذكور سلطةٌ قانونية وأخلاقية على حياة المرأة، في توسيع دائرة الجرائم المستندة إلى مفاهيم “الشرف” أو “الانضباط الأسري”. 

وعندما تُخفف العقوبة على القاتل إذا كان قريبًا للضحية، فإن الرسالة تصبح واضحة.. حياة النساء أقل قيمة من حياة غيرهن، وأن العدالة لا تُطبّق عليهن بالقدر نفسه، وبهذا المعنى، لم تعد الجريمة مجرد فعل فردي، بل أصبحت انعكاسًا لبنية رسمية تنتج العنف وتغضّ الطرف عنه.

وفي ظل ضعف مؤسسات الدعم، وغياب الملاجئ الآمنة، والتضييق على المجتمع المدني، تُترك النساء وحدهن في مواجهة مصيرهن، دون أدوات قانونية حقيقية للحماية أو فرص جدية للهروب من بيئات العنف.

الأرقام تكشف مأساة 

أظهرت الإحصاءات الأخيرة أرقامًا صادمة تستوجب دق ناقوس الخطر؛ إذ قُتل خلال شهر واحد فقط 16 امرأة وأربعة أطفال، بينما أقدمت 12 امرأة على الانتحار لأسباب غير معلومة، ونُفذ حكم الإعدام بحق ثماني نساء. 

وتعكس هذه الأرقام، رغم فداحتها، جزءًا محدودًا فقط من الحقيقة، في ظل التعتيم الإعلامي ورفض السلطات الكشف عن بيانات دقيقة وشفافة.

وبيّنت الوقائع أن الكثير من الضحايا كنّ فتيات في سن المراهقة أو شابات في مقتبل العمر، بعضهن قُتلن على يد أزواجهن، أو آبائهن، أو أفراد من عائلاتهن، بذريعة الخلافات العائلية أو الشرف أو العصيان، وبدلًا من أن تُشكّل هذه الجرائم صدمة للمجتمع وتستدعي إصلاحات عاجلة، تمرّ في أغلب الأحيان دون تحقيقات شفافة أو محاسبة حقيقية للجناة.

وسجّلت مدن متعددة حوادث مروّعة، من طهران إلى شيراز، ومن زاهدان إلى مهاباد، حيث تقاطعت قصص الضحايا عند نقطة واحدة: غياب الحماية، وتجاهل النداءات، وتطبيع العنف ضد النساء. 

وفي حالات عديدة، لم تُكتشف الجرائم إلا بعد أيام من وقوعها، ما يفضح التهاون الرسمي والتراخي الأمني في التعامل مع بلاغات الاختفاء أو التهديد.

أزمة تعيشها النساء

فضح السياق السياسي الحاكم في إيران عمق الأزمة التي تعيشها النساء؛ إذ لا يُنظر إلى المرأة بوصفها مواطنة كاملة الحقوق، بل كعنصر خاضع للبنية الذكورية المدعومة من الدولة والمؤسسة الدينية والقوانين الجنائية. 

وتُستخدَم آليات القمع ذاتها التي تُمارس على المعارضين السياسيين ضد النساء المطالبات بحقوقهن، سواء في اللباس أو العمل أو الاستقلال الشخصي.

وربطت منظمات حقوقية مستقلة بين ارتفاع معدلات القتل والانتحار وبين تفشي الفقر، وغياب فرص العمل، وسوء خدمات الصحة النفسية، والانهيار المتزايد لمنظومة الرعاية الاجتماعية. 

ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية والعقوبات والعزلة الدولية، أصبحت النساء في قلب العاصفة، يدفعن ثمنًا مضاعفًا: ثمن العنف المنزلي، وثمن القمع السياسي، وثمن الفقر المتفاقم.

وبدلاً من أن تعترف السلطات بالأزمة وتعالج جذورها، تستمر في تعاملها الأمني الصارم، وتعاقب الناشطات، وتُهمّش القضايا النسوية، وتُصوّر الضحايا كأرقام عابرة أو كـ"مشكلات عائلية" لا تستحق تدخل الدولة.

مطالبات بتحرك دولي

دعت منظمات حقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى كسر الصمت، ووضع ملف النساء الإيرانيات في صدارة الأجندات الحقوقية، باعتبار أن ما يجري ليس شأناً داخلياً، بل انتهاكًا ممنهجًا للمواثيق الدولية التي وقّعت عليها إيران نفسها. 

وطالبت بفتح تحقيقات دولية مستقلة، ومحاسبة المسؤولين عن التقصير والتواطؤ، وضمان وصول الضحايا للعدالة والإنصاف.

ويؤكد هذا المشهد المؤلم أن استمرار الصمت يعني السماح لدائرة العنف بالاتساع، وأن حماية النساء في إيران لم تعد خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة إنسانية ملحّة تفرضها المسؤولية الجماعية تجاه الحق في الحياة والكرامة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية