الباحث الروسي ديميتري بريجع لـ«جسور بوست»: الحرب في أوكرانيا تشبه معركة "قضم الأصابع" (1-2)
الباحث الروسي ديميتري بريجع لـ«جسور بوست»: الحرب في أوكرانيا تشبه معركة "قضم الأصابع" (1-2)
روسيا خسرت المعركة الإعلامية لضعف قدراتها وعدم جاهزيتها مقابل ترسانة الإعلام الغربي
المقاومة الأوكرانية الشرسة ساهمت في إطالة أمد العملية العسكرية على مدى 6 أشهر
فلاديمير بوتين ورّط بلاده في حرب ممتدة لن تخرج منها موسكو على ما يرام
السياسة الخارجية الأوكرانية تجاه روسيا يمكن أن تتغير مع إجراء الانتخابات
بعشرات آلاف القتلى وملايين النازحين وحزمة من الأزمات الاقتصادية العالمية المستعصية، تجاوزت العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا 6 أشهر من معركة "الدماء والبارود".
ورغم أن توقعات البداية لقبت تلك العملية العسكرية بـ"حرب الأيام الخاطفة" امتدت المعركة إلى نصف عام من الدمار، فيما تشير التوقعات إلى استمرارها لعدة أشهر مقبلة، ما يضاعف من حجم خسائر العالم.
«جسور بوست» حاورت الكاتب والباحث السياسي الروسي ديميتري بريجع، والمقيم في موسكو، لاستجلاء ما يدور واستشراف ما سيحدث...
ما آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بعد مرور أكثر من 6 أشهر على بدايتها؟
من الواضح أن روسيا تكسب المزيد من الأراضي وتزداد وتيرة المعارك نظرا لاستمرار الدعم الغربي المقدم إلى أوكرانيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية مختلفة.
بالمقابل فإن استمرار التصعيد والدعم الغربي لأوكرانيا ساهم في عدم قدرة القوات الروسية على إحكام السيطرة في وقت سريع على الأراضي الأوكرانية التي خطط للسيطرة عليها مسبقا، لا سيما أن القوات الروسية فشلت في السيطرة على أوكرانيا في غضون 3 أيام، بسبب المقاومة الشرسة من الطرف الأوكراني.
بعد نصف عام من الحرب على أوكرانيا.. لمن يميل ميزان المكاسب والخسائر من وجهة نظرك؟
لا أحد يعرف العدد الحقيقي لقتلى الجيشين الأوكراني والروسي، لأن الطرفين يقومان بإخفاء الأعداد الحقيقية بسبب حالة الحرب، ومن المعروف بأن القوانين الروسية لا تسمح بنشر معلومات عن قتلى في جيشها الوطني، ولكن كما قلت من الواضح أن الطرفين لديهما أعداد قتلى كبيرة.
أعتقد أن الطرف الأوكراني لو كانت لديه نية للتفاوض مع نظيره الروسي، لكان يجب على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن يجد حلا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين إزاء الملفات المختلفة والتي يرجع بعضها إلى تاريخ الثورة البرتقالية، حيث سيطرت مجموعات سياسية على الحكم في أوكرانيا لديها مواقف عدائية ضد روسيا، والذي أثر بدوره على العلاقات الثنائية بين موسكو وكييف طوال العقود الماضية.
ولذلك أرى أن السياسة الخارجية الأوكرانية تجاه روسيا يمكن أن تتغير أيضا مع إجراء الانتخابات، كما في الداخل الروسي هناك انتخابات عام 2024 من شأنها أن تؤثر على السياسة الخارجية الروسية.
وهذا لا يمنع أن الرئيس فلاديمير بوتين قد ورط بلاده في عملية عسكرية طويلة الأمد لن تخرج منها موسكو على ما يرام، لا سيما بعد إنهاك الاقتصاد الروسي، رغم المحاولات الدؤوبة للحكومة لإيجاد حل لملف العقوبات الاقتصادية، من خلال توطيد التعاون مع الدول الصديقة مثل إيران وتركيا، إلى جانب أن روسيا تملك قاعدة عسكرية في سوريا وتستطيع استخدام هذه الورقة في محاولة لتخفيف الضغط الدولي عليها، إلا أنها تعلمت من درس ضم شبه جزيرة القرم عام 2014 والذي فرض عليها آنذاك حزمة من العقوبات الاقتصادية الدولية أيضا، حيث أصبحت موسكو تجيد التعامل مع هذا الملف.
برأيك ما أسباب إطالة أمد العملية العسكرية؟ وما توقعاتك بشأن المدى الزمني لاستمرارها؟
القيادة العسكرية الروسية والكرملين (الرئاسة الروسية) أعلنا عدم وجود مدة زمنية للعملية العسكرية على أوكرانيا، إذ ارتبط الأمر بنجاحها وإحكام السيطرة على مقاطعة دونباس (جنوب شرق أوكرانيا) والمناطق المحيطة بها.
ومؤخرا قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، إن كييف يمكنها إنهاء العملية العسكرية على الأراضي الأوكرانية إذا وافقت على شروط موسكو، والتي تتمثل في تسليم السلاح والتغيير السياسي في أوكرانيا، وتغيير الرؤية الأوكرانية الخاصة بملف شبه جزيرة القرم ومقاطعة دونباس، إلى جانب التزام كييف بعدم وجود أي أسلحة هجومية على أراضيها.
لكني لا أعتقد بأن الطرف الأوكراني سوف يقبل ذلك، ما يشير إلى استمرار العملية العسكرية في معركة أشبه بـ"قضم الأصابع"، فيما يعزز هذا الترجيح قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتوقيع على قوانين جديدة لزيادة القدرات العسكرية الروسية، ما يعني أن روسيا ستبقى لوقت أطول قد تصل إلى سنوات، وفق تقدير وتحليل بعض الخبراء السياسيين والعسكريين الروس.
ما تقييمك للحرب الإعلامية والاقتصادية التي يخوضها الغرب ضد روسيا.. وما تأثيرها على الداخل الروسي؟
قطعاً روسيا خسرت المعركة الإعلامية منذ البداية بسبب ضعف قدراتها وإمكانياتها الإعلامية وعدم جاهزيتها لخوض تلك النوعية من المعارك مقارنة بضخامة وقوة تأثير ترسانة الإعلام الأوروبي والأمريكي.
أما إذا تحدثنا عن الداخل الروسي فهو منقسم حيال العملية العسكرية على الأراضي الأوكرانية، هناك بعض الأحزاب السياسية مثل الحزب الليبرالي الروسي "يابلوكو" الذي يرفض الحرب ويدعو لإجراء مفاوضات في ما يتعلق بالملف الأوكراني، لا سيما أن العملية العسكرية خلفت العديد من الأزمات أبرزها تجنيد الشباب الروسي للمشاركة في العملية العسكرية وغموض أماكن تواجدهم، ما يعزز انقسام الشعب الروسي تجاه العملية العسكرية، وخاصة بعد اغتيال ابنة الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين والتي اتهمت المخابرات الأوكرانية بالوقوف وراء اغتيالها.
وهناك بعض المجموعات السياسية الروسية التي هجرت البلاد مؤخرا، كالمعارض البارز والبرلماني السابق إيليا بونوماروف، والذي هرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويعتبر أن استمرار الحرب سوف يورث روسيا الفقر والأزمات طويلة الأجل.
هل هناك دلالات أو مؤشرات لتغيير الموقف الجماعي للغرب بشأن الدعم العسكري لأوكرانيا والعقوبات على روسيا؟
هناك ضغط أمريكي على دول الاتحاد الأوروبي لعدم إعادة بناء علاقات دبلوماسية مع روسيا، أو محاولة إجراء أي اتصالات بين العواصم الأوروبية وموسكو، لكن العملية العسكرية الروسية على المدى البعيد سوف تؤثر كثيرا على السياسات الخارجية لدول مختلفة بالعالم.
ورغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال تأثيرها كبيرا على دول الاتحاد الأوروبي، خاصة أنها هي التي تقود الحملة الشرسة ضد روسيا وسياسات الرئيس فلاديمير بوتين، فإن هناك بعض الدول في الاتحاد الأوروبي التي ترى أن هذه الحملة الأمريكية لن تغير أي شيء في الخريطة العسكرية الروسية ضد أوكرانيا.
حل هذه الأزمة العالمية المحتدمة منذ 24 فبراير الماضي، في أيدي روسيا وأوكرانيا، فالرئيس بوتين بات يمكنه قبول التنازل عن بعض شروطه التي كان يصر عليها من الطرف الأوكراني، كما يلزم على كييف إدراك أن عدم قبول الشروط الروسية سوف يزيد الأزمة تصاعدا، ويعني إرسال الولايات المتحدة والدول الغربية أسلحة حديثة إلى الطرف الأوكراني مجددا، وهذا يعني أن العملية العسكرية الروسية سوف تستمر لوقت أطول، خاصة أن إنهاء العملية العسكرية الروسية مرتبط بإضعاف أو تفكيك القدرات العسكرية الأوكرانية، لعدم الهجوم على روسيا أو استهداف شبه جزيرة القرم، لأن موسكو تعتبر ذلك انتهاكا لسيادتها ولأمنها القومي يستوجب الرد العسكري الحازم.