النازحون السوريون بلبنان.. دعوات الترحيل تؤزّم المشهد وتُزكي انقسام الشارع

النازحون السوريون بلبنان.. دعوات الترحيل تؤزّم المشهد وتُزكي انقسام الشارع

لبنان - بلال نورالدين

على كورنيش عين المريسة في بيروت يقف حسام -وهو نازح سوري- متكئا على الحاجز الحديدي، متأملا في البحر وكأنه يسأل عن مصير معيشته في ظل الانهيار الاقتصادي بلبنان.

يقطع تأمله سؤالنا له عن الدعوات إلى ترحيل السوريين في لبنان، فالشاب الذي وصل إلى بيروت عام 2013 هربا من آلة الحرب في بلاده، يعتقد أنه “من الظلم المطالبة بإعادة النازحين إلى بلادهم كون الحرب ما زالت مستمرة”.

وبصوت حزين من أعماق جسد أنهكته الغربة والفقر يقول حسام لـ"جسور بوست" إن “دعوات الترحيل غير واقعية، فالكثير من السوريين يعيشون في المخيمات وليس لديهم سكن في سوريا”.

ويضيف ابن محافظة حلب، معلقا على الحملات العنصرية التي تشن ضد اللاجئين في لبنان “العنصرية موجودة في أي دولة، ولكن شخصيا لم أتعرض بشكل واضح لأي تصرف عنصري، وأعتبر أن الشعب اللبناني بمعظمه راقٍ”.

ويستقبل لبنان ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ سوري بحسب الإحصاءات الرسمية يتوزعون على مختلف الأراضي.

وبالقرب من حسام، يجلس العم “أبو أيهم” تحت شجرة، مستغلاً فيئها، هاربا من حرارة الطقس القاسية، التي تشبه كثيرا أوضاع أسرته، في ظل انعدام أبسط مقومات الحياة.

ويقول الرجل الخمسيني لـ"جسور بوست" إنه منذ مجيء السوريين إلى لبنان عام 2011 مورست بحقهم الكثير من أعمال العنف وأخذت بالتوسع على امتداد المناطق اللبنانية، "صحيح أن العنصرية كانت تأتي من كافة الجهات، ولكن بشكل رئيسي عانينا من عنصرية واضحة مارسها علينا مؤيدو التيار الوطني الحر، كما تم إحراق عدة مخيمات يعيش فيها اللاجئون في مناطق لبنانية عدة”.

ويتابع، بينما يطأطئ رأسه وفي عينيه تبدو نظرة من العتب على ما يشاع عن تسبب السوريين بالأزمة الاقتصادية في لبنان، “إن اتهام السوريين بهذه الأزمة أمر مبالغ فيه، فالسوري لا ناقة له ولا جمل بهذه المسألة، بل إن الدولة اللبنانية تتقاضى أموالاً من جهات دولية من أجل دعم النازح، وبالتالي، فإنه من المستحيل إعادة كل السوريين إلى بلادهم حاليا، والحل يكون إما عبر لجوئهم إلى دول أخرى أو من خلال توطينهم في لبنان، فسوريا ليست آمنة بعد”، ويطلب من الدولة اللبنانية “أن تعيد من لا خطر أمني عليه إلى المناطق التي لا حرب فيها، كدمشق مثلا”.

ولاقى النزوح السوري في لبنان الكثير من الاتهامات على قاعدة أن النازحين أثروا سلباً على اقتصاد البلاد، وتفاقمت تلك الاتهامات بعيد الانهيارات المالية والاقتصادية والنقدية التي شهدها لبنان بدءا من نهاية عام 2019.

انقسام في الشارع اللبناني

وأمام أحد الأفران يقف العم زيد، لبناني الجنسية، في طابور يكاد ألا ينتهي رغبة في الحصول على رغيف خبز واحد، معترضا في حديثه لـ“جسور بوست” على الحالة المزرية التي بات بعيشها اللبناني مقارنة مع اللاجئ السوري، “النازح السوري يعيش حياة أفضل من تلك التي يعيشها المواطن اللبناني في ظل الأزمة الاقتصادية”.

ويضيف غاضبا، “العائلات السورية تستأجر منازل بالدولار في مناطق لم يعد بمقدور الكثير من اللبنانيين دفع إيجاراتها”، وحول طرح ترحيل السوريين يقول، “على الدولة أن تعمل على ترحيل من لا خطر أمني عليه إلى المناطق الآمنة في سوريا كدمشق مثلا”.

وفي آخر الطابور، يقف عمر، وهو لبناني آخر، وقد بدا عليه التذمر مما وصلت إليه الأمور في البلاد، قائلا لـ"جسور بوست"، إن “النازح السوري بات يزاحم اللبناني في فرص العمل ولقمة العيش، فالعائلات السورية تحصل على كميات كبيرة من الخبز المدعوم وتعيد بيعها في السوق السوداء للبنانيين، في حين يجد اللبناني صعوبة في الحصول على خبز، حيث يقف بالساعات أمام طوابير الخبز للحصول على ربطة واحدة فقط”.

وعلى الضفة الأخرى من النهر تقف الطالبة الجامعية سارة، والتي تبدو أكثر تسامحا مع فكرة وجود اللاجئين في لبنان، مذكرة في حديثها لـ"جسور بوست" اللبنانيين بالحرب التي عاشوها، "السوريين شعب يتعرض للظلم والعنصرية في لبنان ومن العيب الحديث عن ترحيلهم، فالشعب اللبناني عاش حربا أهلية لمدة 15 سنة وتشرد في بقاع الأرض، فكيف يعامل السوري الذي يمر بنفس الظروف بهذه الأساليب البشعة؟"

وتضيف، بينما تحرك رأسها يمينا ويسارا تعبيرا عن رفضها الاتهامات بحق اللاجئين، “السوريون يساعدون في تحريك عجلة الاقتصاد اللبناني من خلال التحويلات المالية التي تصل إليهم بالعملة الصعبة، وهذا ما يساعد على تماسك الليرة اللبنانية بوجه الدولار، في ظل الأزمات المتلاحقة”.

النازحون يحركون عجلة الاقتصاد

وتعليقا على دعوات الترحيل، قال الصحفي الاقتصادي منير يونس، في حديث لـ"جسور بوست"، إن "القضية بالدرجة الأولى سياسية، تتنازعها الأطراف اللبنانية كلٌ حسب أهوائه وتطلعاته الجيوسياسية في الإقليم من حيث أدائه أو تحالفه مع النظام السوري".

وأما بخصوص الواقع الاقتصادي فيرى يونس، “أن هناك مساعدات قرابة المليون دولار تصل للاجئين السوريين وهي بشكل أو بآخر مفيدة للاقتصاد اللبناني، لكن لا ننسى أن وجود هذا العدد الكبير من اللاجئين يضغط على البنى التحتية اللبنانية، وهناك كلفة اقتصادية ولكنها غير منظورة”.

وبحسب دراسة نشرها مركز عصام فارس التابع للجامعة الأمريكية في بيروت عام 2017، فإن النازحين السوريين ينفقون ما يقارب مليون دولار يوميا، ناهيك عن المساعدة المالية التي تدفع من الجهات المانحة مباشرة للدولة اللبنانية.

لبنان لم يعد يحتمل

وحول حداثة دعوات الترحيل، يرى الناشط في التيار الوطني الحر، إلياس خوري، أن "تلك الدعوات لم تختفِ من الأساس كي تعاود الظهور، فنحن كتيار وطني حر من الأساس كُنا من المطالبين بإغلاق الحدود بوجه الأعداد الكبيرة وغير المنظمة التي دخلت إلى لبنان، ولكن فشلنا في هذا الأمر بسبب تواطؤ البعض من الداخل، نحن دائما نطالب بإعادة النازحين السوريين عودة طوعية وآمنة".

وأضاف خوري في حديث لـ"جسور بوست"، “أنه في حال كانت الدعوات لوقف اللجوء العشوائي السوري إلى لبنان، عنصرية، فنعم نحن عنصريون، نحن ليس لدينا مشكلة مع السوريين كسوريين بل لدينا مشكلة مع الوجود العشوائي للنازحين في لبنان، وما تخلله من استخدام للمواد الأولية في لبنان وللبنى التحتية ولأموال الدعم التي صرفت على الوقود والدواء والقمح، فهذا كله أثر علينا بشكل كبير، حتى وصل لبنان إلى مرحلة لم يعد قادرا فيها على التحمل، إذ إن لبنان أنفق في 11 عاما نحو 40 مليار دولار، وهذه هي كلفة وجود النزوح السوري". 

وحذر “خوري”، من الضغط الدولي الذي يسعى لإبقاء السوريين في لبنان، “أن المجتمع الدولي إن لم يرد إعادة السوريين إلى سوريا فعندها يمكنهم أن يفتحوا لهم أبواب أوروبا”.

وأشار إلى أن النزوح السوري لا يحرك الاقتصاد كما يشاع، بل "يضارب على الليرة اللبنانية من خلال الدولارات التي تصله من المؤسسات الدولية، كما أنه لا يصرف الأموال في لبنان بل يذهب ليصرفها في بلاده".

ودعا خوري إلى ترحيل السوريين إلى بلادهم، حيث إن "سوريا الآن أصبحت آمنة، وهناك مساحات واسعة لم تعد تتعرض للقصف، وبالتالي، يمكنهم العودة والسكن فيها وإعادة إعمار بيوتهم والعودة إلى أرضهم"، ونفى أن يكون هناك أي تهديد أمني قد يتعرض له السوريون العائدون إلى بلادهم، مشيرا إلى أنهم لم يسمعوا حتى هذه اللحظة عن تعرض أي شخص ذهب إلى سوريا للاختطاف".

واعتبر أن دعوات الترحيل لا تصب في مصلحة لبنان فقط، بل في مصلحة سوريا أيضا، "فإعادة إعمار سوريا يجب أن تتم على يد أبنائها"، كما كشف عن مشروع تقدم به التيار الوطني الحر إلى المجلس النيابي ينص على أن "النازحين الذين يذهبون إلى سوريا لا يمكنهم العودة بصفة نازح، بل يجب أن يتخلوا عن هذه الصفة، كما لا يمكن للنازح أن يعمل، وفي حال عمل فيتعرض هو وصاحب العمل إلى المساءلة".

وبحسب بعض التقديرات، فإن طلب اللبنانيين على جوازات السفر قد ارتفع بنسبة كبيرة في السنوات الثلاث الماضية، مما يعكس حالة فقدان الأمل التي يعيشها المواطنون في ظل انسداد الأفق.

الدولة مصرّة على العودة

وفي إطار المساعي لإعادة اللاجئين، يقول مستشار وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية جاد حيدر، إن المصلحة الوطنية تقتضي تحقيق العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين السوريين، “وإذا هدأت قليلاً الضغوط التي توضع على اللاجئين، والتخويف والتهويل، سيعود السوريون بإرادتهم”.

وأشار “حيدر”، في حديثه لـ“جسور بوست” إلى أن “هناك عوائق كثيرة داخلية وخارجية، لا سيما أن فرقاء ومسؤولين ومعنيين يتجاوبون مع رغبات خارجية ويمتنعون عن العمل لتحقيق العودة، إنما هذا لا يمنع أن نستمر في رفع الصوت والإصرار على موقفنا، ومقاربتنا للموضوع واعتباره ملفاً وجودياً يجب التعاطي معه انطلاقا من مصلحة لبنان واللبنانيين”.

ويؤكد حيدر أن “هناك سوريين بدؤوا بالعودة، وهناك من يمتلكون بطاقة لجوء ويذهبون إلى سوريا أسبوعيا”.

وأضاف حيدر  أنه زار سوريا مؤخرا واكتشف أن هناك جهات لا تريد ترحيل السوريين، "ونحن لا نُسأل عن خطة الحكومة، نحن لدينا خطة واقعية جداً وبادرنا بها بتكليف من المعنيين”.

وأضاف: “هناك تواصل دائم مع الحكومة السورية، وقد أعطت الحكومة كافة التسهيلات بأكثر مما كان متوقعاً، ولديهم الجاهزية التامة في هذا الخصوص”.

وتنص خطة الوزير شرف الدين على إعادة 15 ألف نازح سوري شهرياً إلى بلدهم الأم.

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي قد هدد في يونيو الماضي، بترحيل النازحين السوريين في حال لم يعمل المجتمع الدولي على إعادتهم إلى بلادهم.

عودة مشروطة

وشددت المتحدثة الرسمية لمفوضية شؤون اللاجئين في لبنان UNHCR، دلال حرب، على أن المفوضية تدعو إلى احترام حق الإنسان في العودة إلى بلاده الأصلية في الوقت الذي يختاره".

وحول خطة الحكومة اللبنانية، قالت حرب لـ"جسور بوست" إن نهج المفوضية وموقفها من عودة اللاجئين السوريين يستند إلى المبادئ الدولية العالمية بشأن عودة اللاجئين في أي حالة، وحتى الآن، لم تتلقَ المفوضية الخطة المبلّغ عنها لعودة اللاجئين السوريين. 

وأكدت المفوضية أن نوايا اللاجئين في العودة ما زالت مرتبطة بعدّة عوامل متعلّقة بالوضع داخل سوريا، وإلى أن يتمّ توفير هذه العوامل، تواصل المفوضية العمل مع السلطات اللبنانية لتلبية احتياجات اللبنانيين واللاجئين الأكثر ضعفاً، لا سيما في سياق الأزمة الاقتصادية الحالية، وحشد المجتمع الدولي لمواصلة دعم لبنان".

وقالت “حرب”، إن “المفوضية تجتمع مع الحكومة اللبنانية بشكل منتظم، ونحن نرحب بكل تعاون وحوار بنّاء مع الحكومة اللبنانية لمعالجة الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يمر بها اللبنانيون واللاجئون، ويبقى هدفنا الأول والأخير حماية الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك المجتمع الضيف واللاجئون”.

وتعد قضية النازحين السوريين ملفاً متفجراً، بين الجهة المحقة بمتابعته؛ ففي حين ترى وزارة الشؤون الاجتماعية أن الملف من صلاحيتها، تؤكد وزارة المهجرين أنها هي المسؤولة عن إدارة الأزمة.

الحلول المنطقية موجودة

من جانبه، اعترض الحقوقي ومدير "المركز الإنمائي لحقوق الإنسان"، وديع الأسمر، على دعوات الترحيل قائلا، إن “التبرير الذي تستخدمه الحكومة لترحيل السوريين غير قانوني، حيث تشير لبنان إلى أن سوريا تخلو من الأخطار، وهو أمر لا يمكن للدولة اللبنانية أن تحدده بمفردها، خاصة وأنها لا تمتلك قانون لجوء، وحال ترحيل أي شخص سيكون من المفترض لدى لبنان إثبات أنّ هذا الشخص لن يتعرض للتعذيب أو ما شابه”.

وتابع: "بمجرّد أن تقوم الدولة بترحيلهم بهذا الشكل، أي من دون دراسة ملفات كل فرد على حدة، فهي تخرق القانون الدولي الذي يخص حماية اللاجئين، ومن جهة ثانية هي تخرق القانون اللبناني لأن لبنان صادق على معاهدة مناهضة التعذيب والتي تنص المادة 3 فيه على أنه لا يحق لأي بلد مصادق على هذه المعاهدة أن يقوم بترحيل لاجئين، من دون التأكد من أن هؤلاء لن يتعرضوا للتعذيب أو للقتل في البلد الذي يتوجهون له".

وأضاف الأسمر، أنه لا اختلاف على أن هناك أزمة، والحل لها يكون بالعكس، يعني أن تقيم الدولة قانوناً للجوء، وتضع آليات تراقب اللجوء مع مساعدة الأمم المتحدة أو من دون ذلك إذا كانت لديها القدرة، فالدولة اللبنانية باستطاعتها أن تقوم بإجراء سريع يقضي بمنع من يذهب إلى سوريا من العودة ثانية إلى لبنان.

وعن نظرة المجتمع الدولي لمثل تلك الدعوات، أكد الأسمر أن “الأمم المتحدة لا تزال ترى سوريا غير آمنة، وبالتالي فإن ترحيل السوريين سيضع لبنان تحت طائلة القانون الدولي وما يتبعه من عقوبات اقتصادية ووقف للمساعدات".

وأضاف أن الفئة التي يرى من حق لبنان إعادتها إلى سوريا هي تلك التي دخلت البلاد بكفالات، حيث يمكن للدولة أن تلغي تلك الكفالات وتخبرهم أن لديها وفرة من الأيدي الوطنية العاملة ولا تحتاج لخبراتهم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية