"مزاج البشرية".. متخصصون: القهوة مهددة بندرة الإنتاج بسبب التغيرات المناخية

"مزاج البشرية".. متخصصون: القهوة مهددة بندرة الإنتاج بسبب التغيرات المناخية

القهوة.. هي هذا الصّمت الصباحي الباكر المتأنّي والوحيد الذي تقف فيه وحدك مع ما تختاره بكسل وعزلة في سلام مبتكر مع النّفس والأشياء. محمود درويش واصفًا المشروب الأول لفئة المثقفين وكثيرون حول العالم خاصة في الصباحات وقبل وأثناء العمل، أو في جلسات تأملية تجتمع عليها العائلات والأصدقاء لتأثيرها الراقي على الروح والذاكرة.

يقول نيتشه: “أنت سيد مزاجك، لا تدع أحداً ينتزع منك شغفك لشيء، رافق من تحب حتى لو كان كتاباً أو كوب قهوة”.

إلا أن ثمة ما يهدد مزاج الغالبية من سُكان العالم باندثار شجر "البن"، بعد تعرض محصول دولة البرازيل المنتجة لما يزيد على 40% من مخزون العالم من البن، لنوبة صقيع. نوبات الصقيع ليست الخطر الوحيد الذي يواجهه نبات البن، فثمة تغيرات مناخية تهدد باندثاره أيضًا.

ووفقًا لتقارير صحفية، سجَّلت أسعار العقود الآجلة للقهوة العربية مستويات قياسية جديدة لتواصل ارتفاعها الدرامي مع استمرار تدمير محاصيل القهوة في البرازيل أكبر منتجٍ في العالم بسبب البرودة وانخفاض درجات الحرارة. 

ارتفعت أسعار حبوب القهوة الفاخرة التي تشتريها شركة "ستاربكس" وغيرها من سلاسل المقاهي العالمية بأكثر من 30% خلال أسبوع لتتجاوز 3 دولارات للرطل، وفقاً لجودي غانيس المستشارة التي تتمتَّع بخبرة واسعة تمتد لعقود في الصناعة. 

موجات صقيع تضرب أشجار البُن

تتزامن ارتفاعات الأسعار الباهظة مع ضعف أشجار البن في البرازيل بسبب الجفاف الذي ضربها نتيجة التعرُّض لموجتي صقيع في أقل من شهر، فقد أضرَّت درجات الحرارة المتجمِّدة التي شهدتها الأسبوع الماضي بشكل خاصٍ بالأشجار الصغيرة، التي تحتاج إلى قطعها وإعادة زراعتها مرة أخرى، الأمر الذي قد يؤثِّر على الإنتاج لسنوات قادمة، ويتسبَّب في خفض محصول العام المقبل ليصل إلى 5.2 مليون جوال -يزن الجِوال 60 كجم أو 132 رطلاً- وفقاً لتقرير "إيكوم للأبحاث" ووفقًا للتقرير السابق، سيحصل المزارعون في الدول الرئيسية المنتجة الأخرى مثل إندونيسيا على قهوة أقل مما كان متوقَّعاً أيضاً، إذ تشهد محصولاً منخفضَ الإنتاجية.  

قال غانيس: "من أين ستأتي القهوة؟" إن لم تأتِ من البرازيل التي تستحوذ على 40% من الإنتاج العالمي. 

وارتفعت العقود الآجلة بنسبة 14% إلى 2.152 دولار للرطل لتسجل أعلى مستوى منذ أكتوبر 2014.

التأثر بالتغيرات المناخية

قال أستاذ الأراضي والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة، مستشار وزير التموين الأسبق بهيئة السلع التموينية، نادر نور الدين: "إن محاصيل البن والكاكاو ثم يأتي بعدهما محصول الشاي، جميعها تتطلب زراعتها على المرتفعات وليس في المناطق الحارة ولكن في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية التي تكون فيها الحرارة بين 25 و30، ذات أمطار صيفية لا تصل إلى حد السيول موزعة على طول الموسم ولا تتعرض لدرجات حرارة شديدة ولا درجات صقيع، ولذا يتم زراعتها في إثيوبيا المرتفعة على سطح البحر بأكثر من ألفي متر وكذلك روندا والبرازيل وكولومبيا وبعض دول أمريكا".

وتابع الخبير الزراعي في تصريحات خاصة لـ«جسور بوست»، مع التغيرات المناخية متوقع حدوث ارتفاع درجات الحرارة من 2-3 درجات والتي قد تؤثر على نمو محصول البن خاصة إذا ظهرت موجات حارة أثناء زراعة المحصول، والخوف من تدهور إنتاجية البن بسبب تلك التغيرات ولكن لن يحدث اختفاء، فهناك بعض الأنواع في اليمن تتحمل الحرارة بعض الشيء ولكن تقل جودتها، وفي مصر كانت هناك محاولات لزراعة البن والشاي في محافظتي الفيوم وأسوان، ولم تنجح التجربة بسبب عدم وجود أمطار صيفية مع ارتفاع درجات الحرارة".

وعن تدخل علم الهندسة الوراثية لتطوير تلك المحاصيل بما يلائم التطورات المناخية أضاف: "إلى الآن تمنع دول العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي استخدامه في الأغذية على وجه الخصوص، لأنه إلى الآن ما زالت الاختبارات البيولوجية لا تستطيع  معرفة مدى ثبات الجينات أو انتقالها أو اختلاطها بجينات البشر اثناء أكلها، فقد ثبت أن بعض المواد التي عُدلت وراثيًا مثل الباذنجان في الهند، تسببت في أورام سرطانية في القرى التي زرعته، ولكن ربما يتم ذلك في الأشياء التي لا تؤكل كالزيوت مثل زيت الصويا ولذا يوجد المحور منه بنسبة 80% تقريبًا، حيث لا تؤكل الخلية وإنما الذي يؤكل هو عصير الخلية".

خطورة مؤكدة

وأكدت دراسة بريطانية، المخاطر التي تتعرض لها زراعات البن العالمية، ومنها أنّ نحو 60 بالمئة من أنواع القهوة المعروفة باتت على وشك الانقراض، حسب تقرير للبي بي سي. 

ونشرت الصحف كيف وثق عالم النبات البريطاني آرون ديفس، كيف تُصعّب ظاهرة الاحتباس الحراري في العالم زراعة القهوة في المناطق المنتجة للبن، بما في ذلك إثيوبيا مسقط رأس أكثر أنواع القهوة شعبيةً في العالم التي تعرف باسم "أرابيكا". 

 وذكر تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن ديفس وضع خريطة للأماكن التي يمكن للمزارعين استغلالها في زراعة القهوة البرية في المستقبل، وهي المناطق الداخلية التي يغلب على طقسها البرودة، علاوة على ذلك، قام العالم البريطاني بالبحث عن أنواع نادرة من القهوة في البرية.   

وكشف ديفس في أحد أبحاثه أن القهوة البرية، التي تنمو العشرات من أصنافها تحت ظل الغابات في ثلاث قارات على الأقل، معرضة لخطر الاندثار إلى الأبد.. وقد استنتج ديفس ومجموعة من العلماء الآخرين أن خطر الانقراض يتهدد 60% من أنواع البن البالغ عددها 124 نوعا في العالم، ويعتبر تغيّر المناخ وإزالة الغابات من أبرز أسباب ذلك. 

وتأتي أهمية هذا الاستنتاج في وقت يمكن فيه أن تلعب هذه الأنواع من القهوة البرية دورا حاسما في استمرار وجود القهوة في عصر الاحتباس الحراري. 

وتحتوي هذه النباتات على الجينات التي يحتاج إليها العلماء لتطوير أصناف جديدة من القهوة التي يمكن أن تنمو على كوكب أكثر جفافا وحرارة.

ورغم وجود 124 نوعا معروفا من القهوة البرية، فإن معظمها لا يُزرع ولا يُستهلك، ويوجد نوعان فقط يعتبران استثناء، وهما قهوة أرابيكا التي تزرع منذ مئات السنين في شرق إفريقيا، وقهوة روبوستا التي انتقلت من البرية لتصبح واحدة من أهم السلع الأساسية في العالم خلال المئة سنة الماضية. 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية