مزاج المصريين في خطر.. خبراء: الشاي جزء من المنظومة الاقتصادية وليس رفاهية
مزاج المصريين في خطر.. خبراء: الشاي جزء من المنظومة الاقتصادية وليس رفاهية
ارتبطت أفئدة المصريين وأمزجتهم بالكثير من أنواع الشاي على مر السنين، حتى إنه كانت هناك شائعات تدور حول الارتباط الشرطي بين القدرة على العمل وبين شرب الشاي، فمن المعتاد سماع كلمات مثل "مصدع ومش عارف أشتغل هقوم أعمل كوباية شاي".
ويعتبر البعض أن الشاي هو المشروب الرسمي للمصريين، فمهما كثرت المشروبات والاختراعات وتوالى الزمان، فإن الشاي لا يتأثر ولا تتراجع مكانته بينهم، نظرا لطعمه المميز وسعره الرخيص بالإضافة إلى فوائده.
إذا كانت أمزجة المصريين وأعمالهم متعلقة بذلك المشروب، فما الذي يحدث عند وقف استيراده وعدم توافره بالأسواق؟
فبسبب احتياجها للدولار اللازم لعمليات استيراد الشاي لمواجهة الاستهلاك المحلي، تقدمت شركة شاي “العروسة” -واحدة من أشهر شركات الشاي في مصر- بشكوى رسمية لرئاسة مجلس الوزراء، ووزير التموين الدكتور علي المصيلحي.
ويعتبر الشاي من أهم السلع الاستراتيجية للمواطن المصري، إلى جانب البن، إذ ينفق المصريين نحو 5 مليارات جنيه سنويًا على الشاي والبن والذي يمكن أن نطلق عليه "مزاج المصريين".
وسجلت مصر المرتبة الثالثة بين الدول العربية الأكثر استهلاكًا للشاي والقهوة، إذ يصل متوسط استهلاك الفرد 0.9 كيلو جرام سنويًا، واستهلك المصريون خلال العام الماضي 2021 نحو 273 مليار لتر من الشاي والقهوة، بقيمة إجمالية تجاوزت 5 مليارات جنيه، بحسب إحصاء للجنة الدولية للشاي.
تمثل قيمة فاتورة استيراد الشاي خلال 9 أشهر 231 مليون دولار، بحسب بيانات حكومية صادرة عن جهاز التعبئة والإحصاء.

مطالبات بتوفير الشاي
ووفقًا لتقارير صحفية، طالبت شركة شاي العروسة المسؤولين بتوفير الدولار لضمان عمليات استيراد الشاي، حيث تستورد الشركة 60% من احتياجات السوق المحلي من الشاي، والذى يعتبر سلعة تموينية استراتيجية للمواطن المصري، خاصة وأنه لا تتم زراعة الشاي في مصر.
وناشدت شركة شاي العروسة المسؤولين، بضرورة تدبير العملة الأجنبية في بنوك الأهلي والإسكندرية وقطر الوطني والتجاري الدولي، كي تتمكن الشركة من استلام مستندات الشحن والتخليص الخاصة باستيراد نحو 6 آلاف طن من الشاي، موجودة في الموانئ المصري منذ أكثر من شهر، حيث إن 80% من المستندات الخاصة بشحنة الـ6 آلاف طن من الشاي موجودة بالبنك الأهلي المصري.
وأطلقت المذكرة تحذيرا من استمرار الأزمة وتداعياتها، والتي من بينها نقص شديد في سلعة الشاي في السوق المصري، خاصة مخزون الشاي الموجود في مصر لا يكفي لشهر واحد فقط، فإن التأخير في إنهاء الإجراءات، قد يؤدي إلى تعرض الكميات الموجودة في الموانئ المصرية للتلف، فضلا عن الغرامات التي يتم دفعها بالعملة الأجنبية لشركات الشحن، ما يزيد من تكاليف السلع، ومن ثم قد يتعرض المستهلك لزيادة في أسعار الشاي حال استمرار الأزمة.
وقد يؤدي التأخير في توفير الدولار إلى نقص حاد وشديد في سلعة الشاي، والتي تكون لها الأولوية في تدبير العملة، حيث إن استمرار الأزمة قد يعرض مصانع شاي العروسة للتوقف، وتعرض العاملين البالغ عددهم 5 آلاف مهندس وكيميائي وإداري لعدم صرف رواتبهم، ومن ثم تعثر الشركة في سداد التزاماتها تجاه القروض وفوائدها للبنوك العاملة في السوق المصرية.
المزاج جزء من المنظومة الاقتصادية
قال الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، رشاد عبده: “إن المزاج المصري أصبح غير مستقر بسبب الضغوط الاقتصادية التي يجدها، فبعدما كانت تبسطه أقل الأشياء صارت الضغوط تحاوطه، الرجل الذي يقتل أولاده هل لديه مزاج جيد، هو يقتلهم حتى لا يعانون مثلما عانى هو”.
وأضاف: "أن المزاج مرتبط بالإنتاجية، فإذا كان جيدًا فستستطيع التكيف والإبداع، ولذلك المزاج جزء من المنظومة الاقتصادية وتطوير الحياة أو العكس، وإذا كان المواطن المصري لا يجد ما يسد رمقه فكيف له بالحصول على دولار لشراء ما يلزمه، ولذلك كل ما تزيد البطالة كل ما تزيد معدلات الفقر والتعاسة، ولذلك في أوروبا هناك ما يسمى بـ"إعانة بطالة"، ولذلك هناك ما يسمى باقتصاد الندرة واقتصاد الوفرة، والذي لديه وفرة سيكون سعيدًا ومنتجًا، ولكن من يعاني هل سيكون مزاجه جيدًا".
وتابع في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، هناك أزمة وعلى أثرها قدمت شركة شاي العروسة شكوى للحكومة بسبب عدم توافر العملة الصعبة لاستيراد الشاي، خاصة وأنها الموردة لشاي التموين المصري ولن تستطيع بعد شهر، وستكون هناك أزمة نظرًا لأهمية ذاك المشروب للمصرين وارتباطه بمزاجهم ومن ثم إنتاجيتهم في العمل، الشاي ليس رفاهية في مصر".
وأضاف، ستحل الأزمة متى وفرت الدولة عملة أجنبية وتفعل ذلك من خلال العمل، ولكن للأسف ليس هناك ما يشجع على العمل، والمتأثر الأكبر هم الطبقة المتوسطة.
.jpg)
إيجاد الحل ضرورة
قال الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث، خالد الشافعي: "إن هناك كثير من السلع الأساسية التي منعت الدولة المصرية استيرادها، والسؤال هل فعلت ذلك لقلة الموارد الدولارية أم حفاظًا على ما لديها من عملة أجنبية أم لتقليل قيمة فاتورة الواردات، نتفهم منع الاستيراد لمنتجات لديها بديل محلي، لكن الشاي ليس له بديل محلي وتكلفة إنتاجه قليلة".
وتابع الخبير الاقتصادي، المصريون "كييفة" شاي، ولا نستطيع كدولة منع استيراده على أمل أن يكف الشعب عن شربه أو الاستغناء عنه، مبرر غير مناسب أو دقيق في ظل الأوضاع الراهنة، فما هو البديل إذن، الشاي لدى المصريين سلعة أساسية، فمعظم العمال والموظفين يشربون الشاي مع رغيف من العيش ويعتبرونها وجبة".
وأكد تأثير "كوباية" الشاي على كل فئات المجتمع دونما استثناء، وبهذا تكون هناك أزمة حقيقية ويجب على الحكومة البحث وإيجاد حلول عملية وواقعية لتجاوزها، فمن الممكن عدم استيراد السكر ولا يمكن منع استيراد الشاي، لسبب أن مصر لديها مصانع للسكر وتنتجه بينما لا تفعل في الشاي السلعة الأهم، وليس هناك مخزون استراتيجي يكفي، ما حدث ربما يعطي فرصة للتجار باحتكار الشاي ورفع سعره، ولن تستطيع وليس لديها القدرة للسيطرة على مثل هذه الأمور، ولا بد من تقدير الموقف جيدًا بحيث يراعي المخزون الاحتياطي إذا ما رغبت الدولة في إيقاف التصدير، وكذلك التعاقد من الآن على استيراده عقب انتهاء ذلك المخزون على أن تتولى ذلك شركة حكومية، لا الشركات الخاصة التي من الممكن أن تستغل المواطن.
.jpg)