الأزمة في السودان.. التاريخ خير مُعلم
الأزمة في السودان.. التاريخ خير مُعلم
باسم ثروت
إن ما يحدث في السودان الآن ليس جديداً، فقد عاش الشعب السوداني فترات أكثر قسوة من التي يعيشها الآن ما بين صراعات فكرية ودينية وسياسية، فكما الحال في الدول الإفريقية الأخرى ترك الاستعمار السودان في منتصف الطريق لا يعرف طريق الديمقراطية ولا يستطيع العودة إلى الوراء، لقد مرت على الشعب السوداني أنظمة مختلفة ما بين تيارات فكرية وسياسية عاصفة أو عاقلة ومضيئة.
وبين البشير والمجلس العسكري تشابه كبير جداً، ففي بداية الأمر، خرج الشعب السوداني إلى الشوارع مطالباً الرئيس البشير بأن يرحل ولم يرحل، وواجه شعبه بالقمع والعنف، البشير الذي كانت الدولة في عهده في أحلك أحوالها حيث كان الشعب لا يجد ما يعينه على مواجهة مطالب الحياة، سواء في نقص السلع وسوء أحوال الخدمات وإهمال الصحة والتعليم، والأخطر من ذلك هبوط الجنيه السوداني إلى أسوأ حالاته أمام الدولار.
أما المجلس العسكري الذي استحوذ على السلطة في أكتوبر الماضي ووضع حمدوك قيد الإقامة الجبرية، وأعاده إلى منصبه في نوفمبر بعد اتفاق مع قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، حرم هذا التصرف الشعب من مكتسبات الديمقراطية التي وصل إليها بعد إسقاط البشير.
يذكر أنه في 21 نوفمبر الماضي، وقع البرهان وحمدوك اتفاقاً سياسياً تضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، إلا أن قوى سياسية ومدنية عبرت عن رفضها للاتفاق، متعهدة بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق الحكم المدني الكامل.
لم يكتفِ المجلس العسكري بالانقلاب، بل خطى نفس خطوات البشير في قمع المحتجين وقابلهم بالقنابل المسيلة للدموع وقطع الإنترنت عن البلاد، وغيره من الاعتقالات والاختفاءات القسرية.
فقد أصيب وقتل العشرات بالرصاص الحي وعبوات الغاز المسيل للدموع في مناطق متفرقة من السودان منذ اندلاع الاحتجاجات، فقد أطلقت قوات الأمن السودانية قنابل الغاز والصوت بكثافة، لمنع وصول المحتجين إلى القصر الرئاسي وسط الخرطوم، في استمرار موجة المظاهرات المطالبة بمدنية الدولة وانسحاب الجيش من الحياة السياسية.
كما انتشرت قوات أمنية هجينة بكثافة وسط العاصمة وعلى مداخل الجسور الرئيسية الرابطة بين مدن العاصمة الثلاث، الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، التي اغلقت أمام المحتجين.
إن حالة قمع المتظاهرين وقتلهم واستمرار العنف تجاههم أدت إلى استقالة عدة مسؤولين حكوميين، حيث تقدم عدد من المسؤولين باستقالاتهم من بينهم وزير الصحة المكلف،وعضو مجلس السيادة عبدالباقي عبدالقادر الذي تقدم باستقالته احتجاجاً على استمرار أعمال العنف ضد المتظاهرين.
واختتمت موجة الاستقالات هذه في صباح يوم 3 يناير 2022، باستقالةرئيس الوزراء حمدوك، الذي أعلن الاستقالة من منصب رئيس الوزراء في كلمة بثت على التلفزيون.
وأضاف أن هناك صراعات عدمية بين مكونات الانتقال، مشدداً على أنه حاول تجنيب السودان خطر الانزلاق نحو الكارثة. كما لفت إلى أن الحوار هو الحل نحو التوافق لإكمال التحول المدني الديمقراطي، واعتبر أن أفق الحوار انسد بين الجميع، ما جعل مسيرة الانتقال في السودان هشة.
السؤال هنا هل يتعلم المجلس العسكري من التاريخ ومن سابقيه؟
إن التطورات التي طرأت على المشهد السوداني تطورات شديدة الخطورة فإن لم يستطع المجلس العسكري السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان امتصاص غضب الشارع السوداني وتهدئة الأوضاع الداخلية بطرق بعيدة عن القمع والعنف فسوف تكون العواقب وخيمة.
لا بد أن ينظر المجلس العسكري للتاريخ، فعلى مر التاريخ لم يذكر أن هناك نظاماً قد استطاع أن يصمد أمام الشعوب الثائرة إلا بتحويل الدولة إلى بركة دماء جراء قمع هذه الشعوب الثائرة بالعنف، إن العنف لن يؤدي إلا لمزيد من العنف وبالنتيجة سقوط الدولة لا محالة.
لا بد أن يرفع البرهان والمجلس العسكري أعينهم نحو بلاد الشام وسوريا بالتحديد التي وقف فيها النظام أمام سخط الشعوب الثائرة فتحولت إلى ساحة حرب واختبار للأسلحة لأي دولة لديها نوع أسلحة جديدة ترغب في تجربته كما فعلت روسيا، وقد تشتت الشعب السوري في بقاع الأرض وانفرط عقده وضاعت سوريا وفقدت طريقها للعودة وحتى الآن لم تجده.
إجمالاً، إن لم يتعلم عبدالفتاح البرهان بشكل خاص والمجلس العسكري بشكل عام من التاريخ، وإن لم يستوعبوا أن العنف والقمع ليس هما الوسيلة المثلى لحل الأمور واستقرار الأوضاع فسيسقط السودان في الهاوية.
لا بد أن يعرفوا طريقهم إلى الحوار الشامل وأن يرضخوا لإرادة الشعب وأن يعودوا إلى ثكناتهم العسكرية وينسحبوا من الحياة السياسية حتي ولو كان انسحاباً ظاهرياً والإدارة من خلف الستار، فالشعب السوداني شعب عنيد وصبور مرت عليه العديد من النكسات والأزمات ولن يرضخ حتي تعود ثورته إلى مسار التحول الديمقراطي، أكرر مرة أخرى إن لم يتعلم المجلس العسكري من دروس التاريخ فسيكون السقوط مصيره لا محالة، وسقوطه يعني سقوط السودان الواقع في محيط إقليمي مضطرب حيث الجنوب غير المستقر وإثيوبيا التي تعاني حرباً أهلية.