حضر «الرصاص» وغاب القانون.. حقوق ضائعة في مظاهرات العراق

حضر «الرصاص» وغاب القانون.. حقوق ضائعة في مظاهرات العراق
الأزمة العراقية

«جسور بوست»– عبدالرشيد الصالح

 

تساءل الكثير من العراقيين والمتابعين عن ما جرى في العراق خلال الأيام القليلة الماضية، عن الحقوق الضائعة في مظاهرات العراق، ولا سيما في ظل تكرار مشاهد العنف وتساقط الضحايا وسماع أصوات الرصاص والقنابل، الأمر الذي أَلِفه العراقيون منذ عام 2003.

وأعاد القمع واستخدام الرصاص والأسلحة المتوسطة لتفريق المتظاهرين، لأذهان العراقيين سيناريو عام 2019 حينما قتل أكثر من 500 شخص، وأصيب الآلاف في تظاهرات ما بات يعرف في الحراك الاحتجاجي بـ"ثورة تشرين"، ولكن رغم ذلك لم تقدم الحكومة الجناة إلى القضاة ولم تعلن أسماء المتورطين بهذا القمع.

وأقبل آلاف المتظاهرين (غالبيتهم من التيار الصدري) يوم الاثنين، على اقتحام القصرين الحكومي والرئاسي، في المنطقة الخضراء، ومقرات أخرى حكومية وبرلمانية، قبل أن يتم إخراجهم منها بالقوة، وباستخدام الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع.

"الرصاص" لغة التفاهم

وقال أحد المتظاهرين لـ«جسور بوست»، إن "الشعب العراقي خرج بجميع مكوناته، للتخلص من السياسيين الفاسدين"، مشيرًا إلى أن "مطالب الشعب واضحة برفض الفساد والمحاصصة السياسية".

وأضاف، أن "المتظاهرين تعرضوا للضرب وإطلاق الرصاص الحي من قبل مسلحين"، مبينا أن "التظاهرات كانت سلمية ومشروعة وفق الدستور".

وأوضح، أن "الحكومة وجهات مسلحة أقدمت على قمع المتظاهرين بشكل علني، وبدون وجه حق، بالرغم من أن المتظاهرين رفعوا شعار السلمية".

وقال متظاهر آخر يدعى أحمد الساعدي، إنه "تعرض للضرب والاعتداء من قبل قوة مسلحة استخدمت الرصاص الحي، بالرغم من أنه خرج للتظاهر بشكل سلمي يكفله الدستور".

وأشار إلى أن "المتظاهرين تعرضوا للضرب والإهانة، في حين أن مطالبهم كانت مشروعة وتتمثل بتغيير النظام السياسي، فضلا عن تحسين الواقع الخدمي للعراقيين".

وأفاد مصدر أمني، في وقت سابق، بارتفاع حصيلة الضحايا من المتظاهرين وقوات الأمن العراقية، نتيجة الصدامات التي جرت لإخلاء القصر الحكومي في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، من أنصار التيار الصدري.

وقال المصدر لـ«جسور بوست»، إنه "تم تسجيل 13 قتيلاً و350 جريحا بين صفوف المتظاهرين"، مبينا أن "أغلب الضحايا تعرضوا للقتل بواسطة إطلاقات نارية في الرأس والصدر ومناطق متفرقة أخرى من أجسادهم".

من جهته، أكد مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان مصطفى سعدون في حديث لـ«جسور بوست»، أن "9 متظاهرين على الأقل قتلوا خلال التظاهرات بالقرب من القصر الحكومي، برصاص القوات الأمنية"، مشددا على أن "تلك القوات استخدمت الرصاص الحي والمطاطي لتفريق المتظاهرين، واستهدفت بشكل مباشر الصحفيين والكوادر الإعلامية".

وأشار سعدون، إلى أن عدد المتظاهرين الذين أصيبوا خلال التفريق وصل إلى قرابة الـ50 جريحاً، بحسب إحصائيات خاصة بالمرصد".

الاعتداء على الصحفيين

وخلال الأحداث الأخيرة، تعرض عشرات الصحفيين إلى اعتداءات متنوعة تمثلت بالضرب والاعتداء والاعتقال، خلال تغطيتهم للتظاهرات.

وسرد مسؤول كادر "قناة الرشيد" الذي غطى تظاهرات أنصار التيار الصدري داخل المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، عمار غسان، تفاصيل تعرض الكادر الصحفي إلى اعتداء من قبل القوات الأمنية بالقرب من القصر الحكومي.

وقال عمار، إن "7 أفراد من القوات الأمنية توجهوا صوب كادر قناة الرشيد، واعتدوا عليه، بعد الاستيلاء على جهاز البث والكاميرات فضلا عن تحطيم أجهزة الهاتف المحمول الخاصة".

وأشار الصحفي العراقي، إلى أن "القوات الأمنية التي اعتدت عليهم غير معروفة وترتدي ملابس سوداء، معصوبة الرأس لدرجة لا يمكن التعرف على ملامح وجوههم"، مؤكدا أن "هذه القوى استخدمت القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي لتفريق المتظاهرين".

من جهتها، كشفت المدير التنفيذي لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة، ريا فائق، عن "رصد أكثر من 9 انتهاكات تعرض لها الصحفيون خلال تغطيتهم التظاهرات داخل المنطقة الخضراء".

وأكدت فائق، أن "القوات الأمنية ارتكبت اعتداءات وحشية بحق كادر "قناة الجزيرة" المتمثل بالمراسل سامر يوسف والمصور محمد ملا، وكادر "قناة الرشيد" المتمثل بالمراسل عمار غسان ومصوره، ومراسل "قناة الفلوجة" سيف علي ومصوره الذي نقل إلى المستشفى لتلقي العلاج".

وأشارت إلى أن "مراسل "قناة التغيير" بدر الركابي، ومصوره أصيب جراء الغاز المسيل للدموع، فيما أصيب مراسل "قناة كردستان 24" مظفر حميد، بشظايا في اليد، واعتدت القوات على مصوره عمار عبدالجليل.

ولفتت مدير جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، إلى أن "القوات الأمنية صادرت معدات مراسل "وكالة زوم نيوز" روكان الجاف، واحتجزته لأكثر من نصف ساعة"، منوهة إلى أن كلاً من كوادر قناتي "الحدث" و"U TV" تعرضوا إلى اعتداءات خلال التغطية الصحفية أيضا.

وأشارت إلى أن موقع راديو العهد و"قناة العهد 2" تعرض لقصف صاروخي بقذيفة هاون في منطقة البلديات شرقي العاصمة بغداد.

قانون "حرية التعبير" معطل

بدوره، قال الخبير القانوني فيصل ريكان، إن "المادة 38 من الدستور العراقي كفلت حرية التعبير عن الرأي من خلال عقد الاجتماعات والتظاهرات بشرط أن تكون بشكل سلمي وبدون حمل السلاح"، موضحا أن "التظاهرات يجب ألّا تعطل المرافق والممتلكات العامة أو تخرِبها".

وأضاف ريكان في حديثه لـ«جسور بوست»، أن العراق لديه التزامات دولية بموجب "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" الذي وقعه العراق عام 1966، والذي ينص على أن "لكل شخص الحق في حرية التعبير"، منوها إلى أن "هذه القوانين تلزم القوات الأمنية بحماية التظاهرات".

وبيّن أن هناك مقترحاً لتشريع "قانون حرية الرأي والتظاهر السلمي" لكنه يحتوي على غموض في بنوده، وعليه اعتراض من منظمات للمجتمع الدولي ونقابة الصحفيين ما تسبب بمنع تشريعه، موضحا أن "هذا القانون بحاجة إلى مراجعة من أجل ضمان سلمية التظاهرات وسيرها وفق القانون".

من جانبه، أكد عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي، في حديث لـ«جسور بوست»، أن "انتهاك حقوق الإنسان من قبل السلطة والمقربين منها دائما ما يحصل خلال فترة الأزمات"، مؤكدا أن "هذه الجهات دائما ما تحاول إسكات صوت الإعلام ومنعه من أداء عمله بأي شكل من الأشكال لإخفاء الحقائق".

وبين البياتي، أن "العراق يعد واحداً من البلدان التي يعتبر ممارسة مهنة الصحافة به من المهن الخطرة خاصة أن الانتهاكات تحصل رغم وجود قوانين واتفاقيات دولية رادعة تكفل حرية الإعلام والعمل الصحفي".

ولفت إلى أن "الانتهاكات دائما ما يكون سببها السلطة والجهات النافذة، مما يصعب تحقيق العدالة ومحاسبتها"، مطالبا القضاء بـ"تسريع النظر في الدعاوى التي ترتكب بحق الصحفيين ومحاسبة الجناة كونهم أحراراً طلقاء دون أي عقاب".

وأعلن رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، يوم الثلاثاء، تشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤولين عن وضع السلاح بيد من فتحوا النار على المتظاهرين.

وقال الكاظمي في كلمة وجهها للشعب العراقي، إن "القوات الأمنية التي أُريد لها أن تكون طرفاً في نزاع (السلاح المنفلت) مع (السلاح المنفلت)، أبت إلا أن تصطف مع الوطن، وترفض وضع فوهات البنادق أمام صدور العراقيين مهما بلغ انفعالهم".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية