نضال "آني إرنو" في قضية الإجهاض بروايتها "الحدث" يقودها لـ"نوبل"
نضال "آني إرنو" في قضية الإجهاض بروايتها "الحدث" يقودها لـ"نوبل"
حينما يعزف الكاتب ألحان روايته، لا يكون ذلك صورة من صور النهضة والرقيّ في حياة الشعوب فقط، وإنما يتسع الأمر ويقوى، بحيث يمتلك فعل التغيير وإحداث تلك النهضة، بتغيير واقع وتبديل قوانين وإنهاء أخرى، وفق معيار العدل والحق الإنساني.
وهذا ما فعلته الكاتبة الفرنسية آني إرنو الفائزة بجائزة نوبل للآداب عام 2022، عما وصفته لجنة الجائزة "بأعمال غير مهادنة" أنجزتها على مدى 50 عامًا، صورت فيها حياة تشوبها الفوارق الكبرى في اللغة والجنس والطبقة، كان أهم ما أنتجت رواية "الحدث"، والتي تناولت فيها قضية الإجهاض واستطاعت من خلالها تغيير وسن قوانين أنقذت النساء.
نضال وشجاعة آني إرنو، تتجسد في كونها كتبت لتأجيج نار قضايا باتت اليوم تحتقرها أجيال مواقع التواصل الاجتماعي، وتحتفي بها نوبل لتحيي فينا حاجتنا للماضي، لذاكرة قويّة تقدّس الحقّ كيفما وأينما كان.
تكتب عن الأنثى وللأنثى، وعن الإنسان وللإنسان، وعن الكتابة وللكتابة، بأسلوب وصفه كثيرون بالسهل والممتنع.
تحدّثت عن الفوارق الاجتماعية وعن سرطان الثدي وألزهايمر وتجارب الحبّ والزواج والفراق والغيرة التي تلي الانفصال، ورسمت الوجود كما هو، بتفاصيله وملامحه دون أن تنتفي في خطوطه الصغيرة وزواياه قيمته.

نورا ناجي وآني إرنو
ليس أعدل من أن تصف وتحلل كاتبة أعمال كاتبة أخرى، وأنثى أفكار أنثى أخرى، وفي هذا تقول الروائية المصرية نورا ناجي، إن "رواية الحدث كانت من أسباب تغيير قوانين الإجهاض في أوروبا ومن بعدها العالم، وهذا حافظ على حياة آلاف النساء"، وتضيف، "قيمتها لا تنحصر فقط في هذا الشأن، قيمتها الأكبر في رأيي في استدعائها تفاصيل الحياة العابرة وربطها الحدث بنتفات من الذاكرة واستدعاء لكامل الحواس: طعم الشاي الذي شربته في يوم إجراء العملية في زقاق كاردنييه على يد قابلة بأدوات قد تتسبب في موتها".
وشكل السرد للأحداث والمفردات “المسبار الطافي في طبق ماء مغلي وبجانبه وضع مشط شعر بشكل عشوائي، صوت القابلة، الجنين الذي تدلى من حبله السري بين فخذيها، السماء، النجوم، السقف، العبث وكأنها في مسرحية ساخرة، الشعور بكيفية وصولها لهذا المكان وكيف، من ليلة واحدة مع شخص غير مهم” اللقطات العابرة، والتناول الصادق المؤلم والشجاع والالتفات لألم جميع النساء وجميع البشر، وتحليل الحياة نفسها، لماذا وجد الإنسان ولماذا يعيش ولماذا يعاني بسبب حب أو ذنب أو رغبة أو تصرف بسيط قد يغير حياته وحياة من حوله في نفس الوقت.
وتضيف، فوز آني أرنو بجائزة نوبل مؤلم لبعض الكتاب الذي اعتادوا الاستخفاف من الكتابة الذاتية والصادقة واستدعاء الذاكرة، لأنهم لا يستطيعون الربط بين سرد ذاتي لكاتب يستطيع تحويل قصة من حياته إلى التعبير عن الإنسان بشكل عام، ومحاولة تفسير العالم والحياة من نقطة شديدة الخصوصية، لكنها تطرح أسئلة وتؤثر وتغيّر أحيانا مصير ملايين.
(21).jpg)
وتفند نورا مزاعم وانتقادات قيلت في حق "الحدث"، تقول "الاتهام الجاهز بأن هذه قصص عادية وأين الإبداع، هذا حقيقي لو كان السرد الذاتي فعلا عادي وليس له عمق خفي يصل بشكل ما مجازيا وشعوريا، هناك بالطبع نصوص ذاتية ليس لها قيمة، لكن أيضًا هناك نصوص قيمتها أقوى من أي تخييل، وهذا بمزجها للذاتي والتخييلي والفلسفي والاستبطاني بشكل ما.
وبالطبع هناك أسماء عربية تستحقها أكثر منها، لكني بشكل شخصي سعيدة بانتصار الكتابة الذاتية التي أحبها وأنتمي إليها ربما نصف انتماء، وفي النهاية الجوائز لا يكون عليها إجماع".
إرنو والقضية الفلسطينية
وعلق الكاتب المصري محمد سلماوي على فوز آني إرنو، بأنه يبرئ لجنة نوبل من اتهامات دائما تتعرض لها وهي "تدخل اللوبي اليهودي في اختياراتها".
وقال سلماوي في تصريحات إعلامية، "إرنو صاحبة موقف مؤيد للقضية الفلسطينية، بل إنها كانت من الكتاب القلائل الذين انضموا إلى حملة مقاطعة المنتجات الزراعية الإسرائيلية التي تمت زراعتها في الأراضي الفلسطينية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية".
ويشير سلماوي إلى أن "كتابتها جريئة، لكنها ليست إباحية، وتكتب في منطقة وسط بين السيرة الذاتية والرواية، ولها أسلوب مميز في السرد وهي تتجول في ضمير الراوي بشكل حر ومتنوع، فتخلط بين (الأنا، وهم، وهي) بشكل مميز".
.jpg)
تاريخ طويل ومسيرة عامرة
وفقًا لما نشرته الصحف العالمية، فقد ولدت إرنو لأبوين من الطبقة الكادحة في 1 سبتمبر 1940 بليلوبون، درست حتى صارت مدرسة أدب فرنسي وكاتبة، ونشرت كتابها الأوّل سنة 1974، في هذا الكتاب، عرّت إرنو تجربة الإجهاض بكلّ ما فيها من وجع ووحدة ومعاناة وبكلّ ما يحيط بها من تدنيس مجتمعيّ وحتّى قانونيّ.
وكتبت حياتها التي تشكّلت مع والديها، بعد موت أختها وتعويضا لها وواصلت كتابتها في فترة المراهقة ثم قبل رحيل زوجها.
أحيت الذاكرة الجمعية عبر إحياء الذاكرة الفردية، فصار الحميميّ مشتركاً، جماعياً، لا يخصّ الأنا فقط وإنمّا يحيط بنا معاً، إذا ما تقاسمنا أعباء الفكرة الواحدة والوجود الواحد، كانت إرنو تكتب الذاكرة وتلملم الماضي والحاضر، تحكي عن الإنسانيّ بما فيه من طابع نسويّ.

إنجازاتها
ترجمت أعمال آني إرنو للعربية منذ سنوات، فظهر سنة 1994 كتاب المكان (La Place) الذي أهداها بلغته الأصليّة جائزة رينودو الأدبية لسنة 1984، مترجما من قبل الدكتور سيد البحراوي والدكتورة أمينة رشيد عن دار شرقيات، وكتاب امرأة الذي صدر في ترجمات مختلفة لكل من المترجمة التونسية سحر ستالة والمصرية هدى حسين، وكتاب الاحتلال الذي نقله للعربية عبر دار الجمل المترجم إسكندر حبش وغيرها من الآثار الأدبية الجميلة.
كانت حياة إرنو الأدبية غنيّة بالاحتفاء والتتويجات، سنة 2008 تحصلت على جائزة مارغريت دوراس وجائزة فرنسوا مورياك معاً، وسنة 2016 فازت بجائزة أدبية إيطالية كبيرة وهي جائزة ستريجا التي بعثها لأول مرّة صحفي وكاتبة وممثل إيطاليون سنة 1974، أمّا سنة 2017، فقد توّجت جلّ أعمالها بجائزة مارغريت يورسنار.
وبعيدا عن هذه الجوائز وتلك الترجمات، حافظت آني إرنو على طبعها الملتزم، متشبّثة بإيمانها بالعدالة والمقاومة، متجسدّة في الشيوعيّة.
ظلّت تؤمن بحقّ الإنسان الطبيعي في الرعاية الصحيّة والحياة الكريمة، رأيناها تبتعد عن الكتابة للقرّاء وتتوجه بخاطب للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ظلّ أزمة الكوفيد-19، لتشير إلى ما تسببت فيه سياساته من خراب لقطاع الصحّة وظلم للعاملين فيه.