إيريك زامور.. الكراهية لا تفيد

إيريك زامور.. الكراهية لا تفيد

 

من بين المشاهد المثيرة للقلق في القارة الأوربية عامة، تصاعد موجات الإسلاموفوبيا أو رهاب الإسلام، ولعل المدخل الذي عمد إليه رافعو راية تلك الظاهرة لا سيما في العقد الأخير من القرن الحادي والعشرين، كان مجموعة الحوادث الإرهابية، التي حدثت في عدد من الدول الأوروبية ومن أشهرها وأخطرها، سوق عيد الميلاد في ألمانيا حيث قام متطرف بقتل العشرات بواسطة سيارة نقل كبيرة، وحادث مسرح الباتاكلان الذي اعُتبر مجزرة راح ضحيته العشرات.

غير أن عقلاء أوروبا فكروا بصوت عالٍ فيما يجري، واعتبروا أن مقابلة تلك الأعمال الإرهابية بالمزيد من التشدد والتطرف الإيديولوجي لن يقود إلى حلول بل سيعقد الإشكاليات ويمكن المتطرفين أكثر من رقبة الحياة المعاصرة.

ولعل فرنسا تحديداً وتخصيصاً، دولة التنوير والأنسنة، هي التي رفعت صوتها عالياً بالضد من تلك الظواهر على جانبيها، ومع ذلك يبدو أنها تعاني وهي على عتبة الانتخابات الرئاسية من مخاطر الأصوات الزاعقة، والتي تعمد إلى ترويج خطاب الكراهية بين الفرنسيين، ومحاولة شق الصف الفرنسي، على أساس عقائدي وعرقي مرة واحدة.

من بين تلك الأصوات يأتي صوت الكاتب الفرنسي الجنسية، إريك زامور، صاحب الكتاب المعروف باسم “الانتحار الفرنسي”، وفيه يشير إلى أن الفرنسيين فقدوا الثقة ببلادهم وأن الدولة ضعفت سيطرتها على كثير من الأمور والقضايا الداخلية، وأن التساهل مع المهاجرين لا سيما من العرب والمسلمين يجعل روح فرنسا العلمانية والتنويرية تذوب في داخلها.

مؤخراً جاء الحديث عن احتمال ترشح، زامور، للانتخابات الرئاسية الفرنسية، الأمر الذي أثار مخاوف التنويريين الفرنسيين، قبل الفرنسيين من أصول وجذور عربية في الداخل الفرنسي عامة، والمسلمين منهم بنوع خاص، لا سيما أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي خلقتها جائحة كوفيد-19 المستجد، قد خلفت مشاعر عدائية تجاه كل الأجانب والذين بات البعض من دعاة اليمين المتشدد وصولاً إلى المتطرف ينظر إليهم وكأنهم السبب المباشر في تلك الأزمات، انطلاقاً من شراكاتهم في مقاسمة الخبز اليومي إن جاز التعبير.

عرف عن زامور منذ سنوات رفضه وانزعاجه، الذي لا يخفيه من المظاهر الثقافية التي يتمسك بها أبناء الجاليات المسلمة في فرنسا، بدءاً بالطقوس الدينية وصولاً لأسمائهم ولغتهم.

ولعل التساؤل المهم في هذه السطور: “هل يفعل زامور ذلك انطلاقاً من مزايدات وقتية آنية تستبق الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أم الرجل يمثل تياراً كارهاً للآخر وغير قابل له في الحل والترحال؟

الذين قدر لهم مطالعة كتاب زامور الأخير والمعنون “فرنسا لم تقل كلمتها بعد”، يدرك أن المسالة أعمق بكثير من مجرد رهانات مؤقتة ترتبط بدورة انتخابية رئاسية بل بمشاعر كارثية تحمل الضغينة للآخر، ولا ينقصها لكي تضحى صنواً لداعش سوى فعل العنف، وقد رأينا بالفعل عند متطرفين مشابهين كما حدث في نيوزيلندا، عندما فتح فاشي النيران على المصلين نهار الجمعة، وشاهده العالم كذلك في التعدي على كنائس الأمريكيين من أصل إفريقي، ناهيك عن الاعتداءات على كنس يهودية في عدد من ولايات أمريكا.

في منتصف سبتمبر الماضي ظهر زامور على شاشة القناة الثانية الفرنسية، وفي برنامج يدعى “نحن على المباشر”، مع الإعلامية اللبنانية ليا سلامة، والتي ناقشت أفكاره الأخيرة التي ضمنها كتابه المشار إليه سلفاً.

المحاورة توجهت إليه بالتساؤل التالي المثير والخطير: كيف ستطبق أفكارك إن وصلت إلى منصب الرئاسة الفرنسي، وهل ستطلب على سبيل المثال من المسلمين الفرنسيين إنكار دينهم حتى يتم قبولهم ضمن الجمهورية الفرنسية؟

كان جواب زامور، المشبع بإرث غير حضاري ولا أخلاقي من فترات فرنسية سابقة، أنه سيفعل مثلما فعل نابليون مع اليهود أثناء الثورة الفرنسية.

كان نابليون قد أطلق حينها القانون 1803 الذي يمنع منح المولودين في فرنسا أسماء غير فرنسية، وظل القانون سارياً حتى سنة 1993.

بالنسبة للذين يعيشون في فرنسا، أفكار زامور إذا وصل إلى السلطة ونجح في تطبيقها ستمس حياتهم الشخصية بكل نواحيها، خاصة وأن فكر زامور يصر على ضرورة انصهار المهاجرين وأبنائهم في المجتمع والثقافة الفرنسية بدل الاندماج والتعايش مع الاختلافات تحت ظل القانون والمبادئ العامة للجمهورية.

لا يبدو أن الفرنسيين عن بكرة أبيهم يقبلون أفكاراً متطرفة من هذا النوع، ذلك أن معناه هو أن يترك أي مهاجر ثقافته الأصلية دفعة واحدة، ما يجعل هناك إشكالية حقيقية تتمثل في التقابل بين الاندماج العقلاني والمحافظ على الجذور التراثية وبما لا يتسبب في أي اضطرابات للمجتمع الفرنسي، وهي معادلة صعبة التوازن.

الكارثة الحقيقية اليوم في فرنسا هي أنه وعلى الرغم من أن زامور لم يعلن ترشحه بشكل رسمي للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وقد صرح مؤخراً بأنه في مرحلة التفكير في الأمور، إلا أن حملة من نوع ما بدأت تتشكل لدعمه رئيساً لفرنسا عبر صفحات وسائل الاتصال وفي الشوارع في منطقته.

فرنسا الرسمية في واقع الأمر لم تقف مكتوفة الأيادي أمام الترويج لشعارات ومشاعر الكراهية الزامورية إن جاز التعبير، ولهذا قررت الهيئة العليا للإعلام السمعي والبصري التي تشرف على إعلانات الحملات الانتخابية، تقليص مشاركات زامور، بينما قالت وزير الثقافة الفرنسية: “إن الهيئة رأت أن الأفكار التي يروج لها زامور يجب أن تتقلص مدة بثها في الإعلام مع الحفاظ على حقه في التعبير عن توجهه”.

هنا تبدو إشكالية الموازنة بين حرية الرأي وبين نشر مشاعر الكراهية قائمة وقادمة، أما من يحسم المشهد فهو الرأي العام الفرنسي والذي يبقى في غالبيته ضد آراء زامور، لا سيما أن الكراهية إن لم تجد في الغد من تأكله، فسوف تأكل نفسها، كما أن الثورات عادة تأكل أبناءها وقد عرفت فرنسا تحديداً تلك المشاعر الصعبة في ثوراتها السابقة.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية