معضلة السلام والحوار في إفريقيا
معضلة السلام والحوار في إفريقيا
بقلم: باسم ثروت
لا تزال القارة الإفريقية تمثل معضلة كبيرة أمام بناة السلام ومنظري الحوار وكل من يهتم بالشأن الإفريقي، حيث إنها من أكثر بقاع الأرض صراعاً وتناحراً بين الأعراق فيما بينها وحتى داخل الجماعة الواحدة أو العرقية الواحدة، بين المواطنين والحكومة، بين الدولة والدول الأخرى.
كما شهدت القارة الإفريقية منذ استقلال دولها في خمسينيات القرن الماضي إلى الآن، أكثر من 200 انقلاب عسكرياً على الأنظمة، ما دفع علماء وفقهاء العلوم السياسية إلى وصفها بالقارة التي ما زالت تلد دولاً.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان آخر المنضمين إلى صفوف الدول الإفريقية دولة جنوب السودان بعد أن انفصلت عن الشمال عام 2011، إلا أنها حتى الآن وبعد عقد كامل من الانفصال ما زالت تعاني من توحيد الصفوف وتجميع الفرقاء والمضي قدماً في مسار بناء دولة ديمقراطية.
الأسئلة التي تؤرق أذهان منظري الشؤون الإفريقية والتي تدور داخل عقولهم: هل سيحل يوماً ما السلام في إفريقيا؟ هل سيستطيع الفرقاء من الأجناس والأعراق تنحية الخلاف جانباً والجلوس على طاولة الحوار يوماً ما؟
لعل إجابة هذه الأسئلة تكمن في الأسباب التي تؤدي إلى الصراع والتناحر بين أبناء القارة السمراء فكما يقال إذا عرف السبب بطل العجب، لذلك سنلقي نظرة سريعة على أهم الأسباب التي تمنع الفرقاء الأفارقة من الحوار والعيش بسلام.
تتنوع الأسباب بين أسباب ذات طابع داخلي بالأساس وأخرى ذات طابع خارجي تؤثر على الداخل الإفريقي مثل:
النعرة والنزعة العرقية:
تتميز النزعة العرقية في كونها وراثية وليست مكتسبة، فهي تعبّر عن مصير محتوم للفرد بحكم الميلاد، كما أنها تتميز بمشاركة الأفراد جملة من القيم والمعتقدات، وعادة ما يكون لها شكل مؤسّسي، فالجماعات العرقية لها تسلسل في المناصب بمعنى وجود زعيم للقبيلة أو العرقية بشكل عام ومجلس للقبيلة وهكذا حتى الوصول إلى أسفل التسلسل ما يجعلها تشبه دولاً صغيرة داخل الدول، الأمر الذي قد يشكل صداماً ولو بشكل غير مباشر بين المؤسسات ذات الطابع العرقي وسلطة الدولة الوطنية، وكما أشرنا من قبل لوجود تمايزات داخل الجماعات العرقية ذاتها، وهو ما يؤدي بدروه إلى صراعات داخلية تزيد من التعقيد، كما أن ولاء الأشخاص للعرقية أقوى من ولائهم للدولة الوطنية.
استشراء الفساد في الدول الإفريقية:
قدرت بعض الدراسات حجم الفساد في إفريقيا بنحو 150 مليار دولار كل عام، إن الفساد منتشر في كل مكان في إفريقيا، في طيات وثنايا الحياة الإفريقية، ينهش في عمق الدول، فيعطل الاستثمارات ويعرقل التنمية ويعظم الفقر، ويؤجج الصراعات والانقلاب على الأنظمة والشروع في الفوضى.
الوهن الاقتصادي وتدني مستوي المعيشة:
رغم أن القارة الإفريقية تعج بالموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الخصبة والمعادن النفيسة وتوافر الأيدي العاملة إلا أنها من أقل القارات في النمو الاقتصادي، ومعظم الاقتصادات الإفريقية تعتمد على تصدير المواد الأولية وليس تصنيعها ما يجعلها منكشفة اقتصادياً، بالإضافة إلى عدم العدالة في توزيع العوائد الاقتصادية فنجد نخباُ معينة أو عرقية معينة ينالون نصيب الأسد في حين لا ينال المواطن العادي سوى قليل، وهو ما خلق البيئة المناسبة لتزايد الجريمة، وانتشار الفساد والسوق السوداء، وتهريب الأسلحة والمخدرات وظهور الأشكال والأنماط الجديدة من الحروب الأهلية والعنف السياسي الذي تشهده النظم السياسية الإفريقية.
ضعف السلطة وفشل الدولة:
رحل الاستعمار وترك الدول الإفريقية عديمة الخبرة في إدارة ذواتها، تفتقر إلى الخبرة السياسية والاقتصادية، وهذا ما أدى إلى تآكل الدولة وظهور الصراعات وعدم الاستقرار في المجتمعات الإفريقية، والاتجاه لتأسيس نوع من أنواع من الحكم الشخصي الذي يعطي أهمية كبيرة لدور شخص الحاكم في النظام السياسي، وتهميش المعارضة وعدم الاعتراف بها وضعف المؤسسات التشريعية والقضائية.
الحقبة الاستعماري:
لعل مؤتمر برلين 1884- 1885م الذي قسم القارة الإفريقية بين القوى الاستعمارية يعد نقطة فارقة في تاريخ القارة، حيث إن الحدود الاستعمارية التي وضعت راعت في الأساس المصالح الاستعمارية، ولم تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإفريقية فقد أدت هذه الحدود إلى تقسيم عرقيات واحدة ما بين دولتين أو أكثر، كما أنها أدت إلى وجود جماعات عرقية أخرى معروف عنها عداؤها لبعضها داخل حدود دولة واحدة، الأمر الذي زود حدة الصراعات العرقية في إفريقيا.
العوامل الخارجية:
الحداثة التي شهدها العالم في القرون الماضية وظهور العولمة أدت إلى تزايد الحروب والصراعات الإفريقية، حيث تمارس الدول العظمى ضغوطاً على التنظيمات السياسية والاقتصادية الإفريقية، ما أدى إلى تراجع سلطة الدولة المركزية في إفريقيا، ما أدى إلى ظهور حركات وتنظيمات عرقية ودينية تتحدى سلطة الدولة الإفريقية، سواء على المستوى القومي أو المحلي كنوع من أنواع الاستجابة السياسية.
إجمالاً: إن الحالة الإفريقية تمتلك من التعقيد والتشابك ما لا يمكن وصفه، وإن معضلة السلام والحوار تحتاج لأكثر من هذا التقرير حتى نستطيع الفهم بشكل جيد، فالصراعات في إفريقيا متعددة الأطراف والعرقيات والأسباب.
لكن في المقابل تملك هذه القارة المقومات والموارد اللازمة حتى تصبح قارة المستقبل فيعتبرها بعض منظري السياسة والاقتصاد قارة بكر، تحتاج إلى إعادة تخطيط وتنظيم بما يتوافق مع الإنسان والطبيعة الإفريقية.
كما تحتاج إلى أجيال واعية تفهم الحكمة التي قالها الحكيم الصيني “كونفوشيوس” إن كسب معركة واحدة بالسلم، أفضل من كسب ألف معركة بالحرب، لذا يجب السعي نحو الحوار الذي يؤدي بشاكلة أو بأخرى إلى السلام والاستقرار.