الرقائق الإلكترونية .. حلقة جديدة في سلسلة أزمات الاقتصاد العالمي

 الرقائق الإلكترونية .. حلقة جديدة في سلسلة أزمات الاقتصاد العالمي

 

في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود الدولية للتخلص من خطر جائحة كورونا، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، شهد الاقتصاد العالمي معطيات دولية أخرى تبدو أشد فتكاً من “كورونا” ليدخل في سلسلة الأزمات المختلفة على رأسها أزمات الطاقة والتغيرات المناخية وموجات الكساد والركود والتضخم، أضف إلى ذلك أزمة تزايد الطلب على “الرقائق الإلكترونية”، التي تدخل في كل الصناعات الدقيقة.

وتدخل الرقائق الإلكترونية والمعروفة أيضاً باسم “أشباه الموصلات” في عديد من الصناعات المهمة، على رأسها الصناعات العسكرية وصناعة السيارات والأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة وأجهزة الحاسب الآلي والطائرات وغيرها من الصناعات الدقيقة.

وتكمن الأزمة في أنه تزايد الطلب بينما ظل العرض ثابتاً نتيجة الاعتماد العالمي على ثلاث شركات فقط في تصنيع الرقائق الإلكترونية، هي شركة TSMC التايوانية، وشركة إنتل الأمريكية، وشركة سامسونغ الكورية الجنوبية.

ما هي الرقائق الإلكترونية؟

“الرقائق الإلكترونية” هي أشباه موصلات صغيرة تعمل على نقل العمليات عبر دوائر إلكترونية وتستخدم في كل وحدات التحكم بالصناعات الدقيقة.

وعادة ما يستغرق تصنيع الرقاق الواحدة أكثر من ثلاثة أشهر، وتحتاج إلى مصانع عملاقة وغرف خالية من الغبار وآلات بملايين الدولارات وقصدير مصهور وليزر، لتحويل رقاقات السيليكون وهو عنصر مستخرج من الرمال العادية إلى شبكة من مليارات المفاتيح الصغيرة، تسمى “الترانزستورات” التي تشكل أساس الدائرة التي ستمنح الهاتف أو الكمبيوتر أو السيارة أو الغسالة أو الأقمار الاصطناعية القدرات الفائقة.

أسباب نقص الرقائق الإلكترونية

عقب انتشار “كورونا” ارتبك سوق الرقائق أكثر من أي وقت مضى، بعد أن قامت بعض شركات التكنولوجيا بتخزينها وطلبها مسبقاً، حيث ظهرت حاجة الأشخاص الذين يعملون من المنزل إلى أجهزة كمبيوتر محمولة، وأجهزة لوحية وكاميرات ويب لمساعدتهم على أداء وظائفهم عن بُعد، أضف إلى ذلك إغلاق مصانع الرقائق أثناء الإجراءات الاحترازية نتيجة الجائحة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة.

بحسب شركة ” جارتنر للأبحاث والاستشارات”، فإن من بين الضغوط التي واجهت صناعة الرقائق قبل الوباء، الحرب التجارية بين أمريكا والصين وخاصة بعد قرار الولايات المتحدة بمنع بيع أشباه الموصلات وغيرها من التقنيات إلى شركة “هواوي” الصينية.

وأدت عاصفة شتوية مروعة في ولاية تكساس إلى إغلاق مصانع أشباه الموصلات، كما تسبب حريق في مصنع في اليابان في تأخيرات مماثلة.

وشهدت تكلفة الشحن حول العالم زيادة مهولة قدرها الرئيس التنفيذي لشركة عملاق التوريد الكبرى حول العالم OCI، أوليفر تشابمان، بنحو 10 أضعاف التكلفة في العام الذي سبق الجائحة، بعد زيادة تكلفة الشحن الجوي، ونقص في سائقي الشاحنات في أوروبا.

أبرز المتضررين

تواجه الشركات المصنعة للسيارات وشركات التكنولوجيا العملاقة منذ أشهر أزمة سببها الصعوبات في التزود بأشباه الموصلات المعروفة بالـ Semiconductors والتي تشمل الرقائق التي تسمح للأجهزة الإلكترونية بالتقاط البيانات وتخزينها، والتي أجبرت العديد من الشركات المصنعة للسيارات في العالم بما فيها “فورد” وجنرال موتورز إغلاق بعض مصانعها وتخفيض إنتاجها نتيجة أزمة إمدادات الرقائق الإلكترونية.

قطاع صناعة السيارات، المتضرر الأكبر جراء أزمة نقص الرقائق الإلكترونية، حيث يستهلك القطاع 40 مليار دولار سنوياً من الرقائق الإلكترونية، إضافة إلى أن أغلب الصناعات قامت بتخزين قدر من الرقائق، فيما لم ينتبه صناع السيارات لهذه الأزمة ولم يتم تخزين مخزون كافٍ من الرقائق؛ حيث إن عملية التخزين تعد غير ذات جدوى اقتصادية في الظروف المستقرة.

يذكر أن الرقائق الإلكترونية تستخدم في كل وحدات التحكم بالسيارة، بدءاً من الفرامل والتسارع والتوجيه وضبط الهواء والإطارات وأجهزة الاستشعار، كما زادت أهمية تلك الرقائق بالنسبة للسيارات الكهربائية التي تعتمد دوائرها بالكامل وأنظمة الأمان عليها، وتحتاج السيارة الواحدة من 50 إلى 150 شريحة إلكترونية، وتتوقف على تلك الرقائق 40% تقريباً من مكونات السيارة٠

ويقول خبراء في مجال صناعة السيارات، إنه في بداية العام الحالي 2021، كانت توقعات الخسائر المباشرة الناجمة عن نقص الموصلات وأشباه الموصلات بقطاع السيارات، تتراوح بين 60 و80 مليار دولار، بينما الآن بعض التوقعات تقول إن الخسائر قد تصل إلى 110 مليارات دولار.

متى تنتهي الأزمة؟

قال الرئيسان التنفيذيان لشركتي “إنتل” و”آي بي إم”، المتخصصتين في إنتاج هذه المكونات: “إن نقص الرقائق قد يستمر لمدة عامين”، بينما أعربت سيدا ميميك، أستاذة الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر في جامعة نورث وسترن، عن توقعات أكثر تشاؤماً إذ قالت: “سوف يستغرق الأمر عدة سنوات لتحقيق توازن أفضل”.

يشدد الخبراء على صورة نقل تصنيع الرقائق إلى مجموعة متنوعة من البلدان، من أجل تخفيف الضغط على سلاسل التوريد العالمية، وكذلك التقليل من الاحتكارات الاقتصادية.

وتحدثت بعض وسائل الإعلام الدولية عن محاولات بعض شركات السيارات عقد شراكات تهدف إنشاء مصانع للرقائق، لكن التحدي يظهر في ضخامة التكلفة وطول الوقت؛ إذ يتكلف بناء مصانع جديدة من 6 إلى 10 مليارات دولار، وقد تصل مدة الإنشاء إلى عام ونصف العام.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية