خبيرة اجتماعية لـ«جسور بوست»: النساء الأكثر فقراً وتضرراً من تغيرات المناخ (1-2)
خبيرة اجتماعية لـ«جسور بوست»: النساء الأكثر فقراً وتضرراً من تغيرات المناخ (1-2)
كعنف مُضاعف لا يجد الاهتمام الدولي، تشير التقديرات الأممية إلى أن 80 بالمئة من المشرّدين بسبب تأثيرات التغير المناخي هم من النساء، ما يعرضهن إلى مخاطر متعددة.
وتقول أستاذة العلاقات الدولية وقضايا النوع الاجتماعي، الدكتورة صدفة محمد محمود، إن الواقع المأسوي للنساء كمهاجرات أو لاجئات، من شأنه أن يؤدي إلى تنامي معدلات الاتجار بالبشر وزواج الأطفال والزواج المبكر والقسري.
وتفسر صدفة في حوار مع "جسور بوست" أسباب تفاقم تضرر النساء في العالم من التغير المناخي، وسبل التصدي لتعرضهن لـ"العنف المناخي"، لا سيما وأنها أعدت دراسات ميدانية متخصصة في هذا الشأن.
وعابت على اهتمام الحكومات بالتدابير العلمية والتكنولوجية المتعلقة بتغير المناخ، على حساب السياسات "اللينة" التي تُعالج السلوكيات والتفاوتات الاجتماعية بين النساء والرجال.
برأيكِ، لماذا تعد النساء الأكثر تضرراً من ظاهرة التغير المناخي بالعالم؟
وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن تأثيرات تغير المناخ ليست محايدة بين الجنسين، لذا لا يمكن أن تكون استراتيجيات معالجتها محايدة جنسانيًا، لأنه لدى الرجال والنساء قدرات واستراتيجيات مختلفة للتكيف مع التغير المناخي، وإمكانيات وصول مختلفة إلى الموارد والتحكم فيها، وهناك عدة عوامل تجعل النساء الأكثر تضررًا من التغير المناخي، وأبرزها:
تقييد فرص المرأة: تواجه النساء في العديد من بلدان العالم مشكلة عدم تكافؤ فرص الوصول إلى الموارد، خاصة حيازة الأرض الزراعية والحصول على الائتمان والقروض والتدريب والتكنولوجيا، ما يحد من قدرتها على التكيف مع تغير المناخ.
وتشكل النساء في المتوسط 43 بالمئة من القوة العاملة الزراعية في البلدان النامية، ورغم ذلك يشغلن أقل من 15 بالمئة من أراضي العالم، وبدون سند رسمي للأرض، لا يمكن للنساء الحصول على التمويل اللازم لتحمل الصدمات المناخية والاستفادة من ابتكارات الزراعة الذكية مناخيًا، إضافة إلى تمتعهن في العديد من المناطق بفرص محدودة للحصول على خدمات الإرشاد الزراعي والمعلومات المناخية.
وتعد فرص المشاركة في عملية صنع القرار في العديد من المناطق الريفية في إفريقيا ضعيفة، إذ يهيمن الذكور على صنع القرار الإدارة والحوكمة والعمل المناخي وكيفية استخدام الموارد الطبيعية وغيرها، وبالتالي لا تتوافر للنساء فرص عادلة للتأثير ووضع سياسات تراعي الفوارق بين الجنسين والاحتياجات الخاصة بهن.
وهذه الأوضاع غير المنصفة أظهرها مسح أجري عام 2015 في 65 دولة، بأن 35 بالمئة فقط من وزارات البيئة لديها شخص مسؤول عن دمج اعتبارات النوع الاجتماعي في سياسات الوزارة.
وأظهر أيضا تقرير صدر عام 2019 عن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أن النساء شكلن في المتوسط 40 بالمئة من وفود اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، فيما قادت النساء 22 بالمئة فقط من الوفود المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي لعام 2018.
أستاذة العلاقات الدولية وقضايا النوع الاجتماعي، الدكتورة صدفة محمد محمود
هناك علاقة طردية بين الفقر وتأثيرات التغير المناخي.. كيف ستتأثر النساء بذلك؟
تشكل النساء حوالي 70 بالمئة من السكان الفقراء في العالم، ما يجعلهن أكثر تأثرًا بتغير المناخ، كما أنه من المُرجح أن يؤدي تفاقم الكوارث الطبيعية بسبب التغيرات المناخية إلى هجرة الرجال إلى المدن بحثًا عن وظائف في مناطق الأراضي الجافة، وهذا سيجعل المرأة تتولى مسؤولية الأسرة في غياب الأزواج، وقد لا تتلقى زوجات المهاجرين الموسميين التحويلات المالية أو مصادر الدخل، ما يضطرهن إلى تحمل مسؤوليات أكبر لإعالة أسرهن، وهذه الأسباب تجعل النساء وأطفالهن هم الأكثر تضررًا من تغير المناخ.
ويرتبط الفقر أيضًا بتدني مستوى التعليم، ما يعيق من قدرة المرأة على الوصول إلى المعلومات والمساعدة ذات الصلة بتغير المناخ والكوارث مقارنة بالرجال، فيما يجعلهن أيضا أقل عرضة للوصول إلى إعلانات وإرشادات الإنذار المبكر المكتوبة.
وكذلك فإن النساء يمثلن نسبة عالية من المجتمعات الفقيرة التي تعتمد على سبل العيش الحساسة للمناخ (مثل الزراعة)، باعتبارها المصدر الرئيسي للغذاء والدخل وسد احتياجاتهن من الطاقة والغذاء، ما يجعلهن عرضة بشكل غير متناسب لتغير المناخ، كما تولي المبادرات الدولية اهتماما محدودا للغاية للآثار الاجتماعية لتغير المناخ على الفقراء من الرجال والنساء، وذلك نتيجة تركيز المفاوضين حول قضايا عالمية أكثر إلحاحًا، سواء فيما يتعلق بسياسات التخفيف أو التكيف.
وغالبًا ما تُفضل الدول التدخلات المتعلقة بتغير المناخ، والتدابير العلمية والتكنولوجية على حساب السياسات "اللينة" التي تُعالج السلوكيات والتفاوتات الاجتماعية، لا سيما فيما يتعلق بالدخل والفرص العامة.
كيف تصبح الاستراتيجيات العالمية المعالجة لظاهرة التغير المناخي منصفة للنساء؟
من الضروري اتخاذ عدة خطوات، أبرزها تعميم منظور النوع الاجتماعي في التشريعات والسياسات والبرامج والأنشطة المختلفة المتصلة بالإجراءات المناخية، مع وضع أهداف كمية ونوعية ومؤشرات محددة ودقيقة، لتتبع التقدم المحرز في هذه السياسات نحو تحقيق المساواة بين الجنسين.
ويجب توفير فرص متكافئة للنساء والفتيات للاضطلاع بدور قيادي والمشاركة والانخراط في عملية صنع القرارات، خاصة تخطيط وتنفيذ سياسات التخفيف والتكيف مع تغير المناخ، لا سيما على المستويات المحلية.
يلزم أيضا تعزيز المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق المرأة، وتزويدها بالمعلومات والموارد والمهارات والسلطة الكافية لبناء القيادات النسائية وتقديم المشورة والرصد وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات، بهدف اتقاء الكوارث والتصدي لها.
ويكون من الضروري إجراء تحليل معمق وقائم على الأدلة للأثر الاجتماعي والاقتصادي للتغير المناخي على النساء والرجال، ودراسة احتياجات وقدرات وأدوار كل منهم في مواجهة التغير المناخي، والاستثمار في أنظمة أفضل لجمع البيانات لضمان فهم دقيق لاحتياجات الجنسين.
كذلك يجب تحسين التنسيق بين القطاعات المعنية بإدارة مخاطر الكوارث وتغير المناخ، والمساواة بين الجنسين، والرعاية الصحية، والتعليم، والحماية الاجتماعية، والزراعة، والتخطيط الحضري، من أجل صياغة منظور متكامل لدمج النوع الاجتماعي في مناهج التكيف والتخفيف من آثار المناخ.
فيما ينبغي تحديد المجالات ذات الأولوية لدعم المرأة وزيادة استفادتها من خطط الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان وبرامج تنويع سبل العيش والتأمين وتلبية الاحتياجات العملية للنساء الريفيات، والخدمات الأخرى ذات الصلة بالإنذار المبكر بالكوارث وكذلك مصادر الطاقة النظيفة والآمنة.
أخيرا.. لا بد أن تولي الحكومات اهتماما بزيادة فرص حصول النساء على التعليم والمهارات الجديدة وخدمات التمويل والتكنولوجيا والتدريب على الأنشطة الاقتصادية الهادفة إلى الانتقال العادل للاقتصاد منخفض الكربون، بما في ذلك الإنتاج الزراعي المستدام؛ والاقتصاد الأخضر، وتكنولوجيا الطاقة المتجددة، لتمكينهن من المشاركة بفاعلية في دفع الابتكار في التقنيات الخضراء.