دور الإمارات في مكافحة التغير المناخي

دور الإمارات في مكافحة التغير المناخي

باسم ثروت

 

في ضوء عالم متغير ومتسارع وتحت مظلة عولمة برجماتية مصالحية، باتت أزمة التغير المناخي حاضرة بقوة في أجندات الدول، فقد أضحت التحديات أكبر من أي وقت مضى، أصبح الخطر يهدد مصائر البشرية جمعاء، إن تغير المناخ يؤثر على المجتمعات في كل بلد وقارة، مستويات البحر آخذة في الارتفاع، حوادث الطقس المتطرفة، الاقتصادات تعطلت انعدام الأمن من حيث الغذاء وندرة الموارد والصراعات، لذا نحن بحاجة إلى إجراءات فورية وسياسات جديدة وأفكار جريئة لمجابهة هذا الخطر.

 

لم تكن الإمارات العربية بعيدة عن المشهد بل هرعت لوضع حلول للأزمة بل ذهبت لأبعد من ذلك حيث أنشأت أول وزارة للتغير المناخي في الوطن العربي منذ أكثر من خمسة أعوام مؤكدة رؤيتها الإستراتيجية وحسن تخطيطها وحرصها الشديد على سلامة البشر والكوكب الأزرق.

 

تأثيرات التغيرات المناخية على الإمارات:

تهدد التغيرات المناخية الإمارات العربية تهديداً مباشراً، فطبقاً لموقع البوابة الرسمية لحكومة الإمارات تُصنف دولة الإمارات من بين الدول الأكثر عرضة للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ في العالم، وسيترتب على هذا ارتفاع أكثر في درجات الحرارة، وسقوط الأمطار بشكل أقل، وانتشار الجفاف، وارتفاع مستوى مياه البحار، والمزيد من العواصف.

 

في تقرير للمركز الأمريكي التابع لمعهد استوكهولم للبيئة (مؤسسة أبحاث تابعة لجامعة تافتس في ماساتشوستس) عن أبوظبي، تناول مدى تأثير تغير المناخ على النظم البيئية، والبنية التحتية، والاقتصاد والتأثير المحتمل على صحة السكان.

 

كشف التقرير عن احتمالية فقدان دولة الإمارات لحوالي 6 في المائة من شريطها الساحلي المطور والمؤهل بالسكان بنهاية القرن بسبب ارتفاع مستويات مياه البحار.

 

بالإضافة إلى فقدان 6 في المائة من الشريط الساحلي تؤثر التغيرات المناخية على الزراعة ومعدلات الرطوبة وجودة الهواء، ومن المحتمل أن يتضاعف تلوثه بسبب التغير الكبير في مناخ المنطقة، علاوة على ذلك سيؤثر التغير المناخي على صحة المواطن الإماراتي بعدة طرق مختلفة، فبالإضافة إلى التأثير المباشر للحرارة، يعمل الاحتباس الحراري على زيادة عدد بعض الحشرات الحاملة للأمراض، وسيؤدي عدم انتظام هطول الأمطار إلى زيادة خطورة الأمراض المنقولة عن طريق المياه.

 

خطوات الإمارات على طريق المواجهة

 

على المستوى المحلي:

أطلقت الإمارات الإستراتيجية الوطنية للتغير المناخي عام 2017، تحت مسمى الخطة الوطنية للتغير المناخي لدولة الإمارات العربية المتحدة 2017-2050 التي تمثل خارطة طريق لدعم الأنشطة والمبادرات الوطنية الرامية إلى مواجهة التحديات المناخية، تهدف هذه الإستراتيجية إلى تحقيق  ثلاثة أهداف إدارة انبعاثات الغازات الدفينة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي المستدام في الدولة، وتقليل المخاطر وتحسين القدرة على التكيف مع التغير المناخي، وأخيراً تعزيز التنوع الاقتصادي من خلال تطبيق حلول مبتكرة بالتعاون مع القطاع الخاص.

 

بالإضافة إلى وضع الاستراتيجيات طويلة المدى فقد بدأت الإمارات بالفعل خطواتها نحو مناخ أفضل، فعلي صعيد مشاريع الطاقة اتجهت الإمارات لإنتاج الطاقة من خلال الطرق الصديقة للبيئة والتي تشمل مختلف مصادر وتقنيات الطاقة النظيفة والمتجددة المتاحة، بما في ذلك الألواح الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة، وإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية، وتقنية الطاقة المائية المخزنة باستخدام الطاقة النظيفة، إضافة إلى دراسة تقنيات توليد الكهرباء عبر الاستفادة من طاقة الرياح.

 

فمثلاً تبلغ القدرة الإنتاجية الإجمالية لهيئة كهرباء ومياه دبي من الطاقة النظيفة حالياً نحو 10% من مزيج الطاقة في دبي، وستصل إلى 13.3% على مراحل حتى الربع الأول من عام 2022، كما خصصت إمارة أبوظبي أكبر إمارة في دولة الإمارات 15 مليار دولار أمريكي لبرامج الطاقة المتجددة من خلال مبادرة مصدر.

 

لم يقتصر اهتمام الإمارات على مصادر الطاقة فحسب، بل انتقلت إلى الحد من الانبعاثات الضارة كالانبعاثات الناتجة عن احتراق الغاز الطبيعي فاهتمت الدولة بتقليل الانبعاثات الناتجة من إشعال الغاز الطبيعي مثل فصل نفايات الغاز أو البترول أثناء عملية الاختبار أو الإنتاج البترولي، وقد وضعت شركة بترول أبوظبي (أدنوك) المنتج الأكبر للنفط في البلاد إستراتيجية للوصول إلى أقل درجات الإشعال في الفترة ما بين 1995 و2010 ونجحت بالفعل حيث وصلت إلى نسبة تخفيض تقدر بنحو 78%..

 

كما عملت الإمارات على التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون كإحدى خطوات التصدي للتغير المناخي من خلال احتجاز ثاني أكسيد الكربون من مصادر كبيرة مثل محطات الطاقة، وتخزينه بأمان تحت الأرض، بدلاً من انبعاثه في الغلاف الجوي.

 

لم تهمل دولة الإمارات باقي المجالات التي قد ينتج عنها تأثير في المناخ، فاستحدثت وسائل المواصلات والنقل الصديقة للبيئة، بالإضافة لتنفيذ أكثر من 14 مشروعاً للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، كما استحدثت دولة الإمارات طريقة للزراعة تسمى الزراعة المائية، التي تساعد في التحكم في المناخ المحلي الداخلي مثل عوامل (الحرارة، والرطوبة، والتهوية) وبيئة الجذور مثل (اختيار الوسائل المناسبة وتزويدها بالأعلاف)، تؤدي هذه التكنولوجيا إلى زيادة كفاية استهلاك المياه، واستخدام الأسمدة، وحلول مشكلات التربة ونوعها.

 

على المستوى الدولي:

تلعب دولة الإمارات دوراً مهماً في اقتصاد المنطقة العربية والعالم، باعتبارها أحد أكبر موردي الوقود الأحفوري، الأمر الذي يجعلها أحد اللاعبين المهمين في نطاق تقليل الانبعاثات، لذلك ساهمت دولة الإمارات في العديد من المعاهدات والمبادرات الدولية (مثل اتفاقية فيينا لحماية الأوزون واتفاقية باريس للمناخ)، وأصبحت عضواً في العديد من المنظمات والهيئات المعنية بالتغير المناخي مثل، الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إيرينا والمجلس العالمي للطاقة، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي التي تلتزم الدولة فيها بتقليل انبعاثات الكربون الصادرة منها.

 

لم تقف الإمارات عند الانضمام إلى المعاهدات والمبادرات والمنظمات الدولية، بل استثمرت في أكثر من 70 دولة في مجال التغير المناخي بقيمة إجمالية بلغت نحو 17 مليار دولار، بالإضافة إلى المساعدات والمنح التي وصلت إلى ما يزيد على 400 مليون دولار لدعم مشروعات الطاقة النظيفة.

 

ويحرص قادة الإمارات على حضور كل المنتديات والمؤتمرات الدولية الخاصة بالتغير المناخي والمساهمة فيها بفاعلية، ما يعكس الحرص الشديد لقادة دولة الإمارات على أهمية قضية التغير المناخي بالنسبة لدولة الإمارات والمنطقة، آخر هذه المشاركات كانت قمة الأمم المتحدة للمناخ في غلاسكو توجت دولة الإمارات مشاركتها في القمة بعرضها استضافة النسخة الـ28 في عام 2023.

 

بفضل كل هذه الجهود والاستراتيجيات استطاعت الإمارات أن تصبح ضمن العشرين دولة الأوائل عالمياً في المؤشرات الثمانية الخاصة في بالتغير المناخي والبيئة في عام 2020.

 

إجمالا، تعد الإمارات نموذجاً ملهماً لدول المنطقة من خلال ما أنجزته في مجال التغير المناخي، لابد أن تستلهم منها باقية دول المنطقة لمجابهة خطر التغير المناخي الذي بات تهديداً واضحا للعالم، وتعد تصريحات رئيس الوزراء البريطاني الأخيرة حول التغير المناخي خير دليل على خطورة الوضع حيث أشار إلى أن ارتفاع قدره 3 أو 4 درجات أخرى في درجات الحرارة قد يؤدي إلى ارتفاع منسوب البحار وغرق مدن مثل ميامي والإسكندرية، لذلك لابد على المجتمع الدولي والمجتمع الشرق أوسطي وضع خطط إستراتيجية مشتركة وحلول جذرية لمواجهة الأزمة قبل أن تضحي كارثة، كما لابد وأن تضحي الدول العظمي المتسببة الرئيس في الاحتباس الحراري ببعض من مصالحها ذات الأثر الكبير على البيئة (كاستخدام الفحم والوقود الأحفوري كوسائل لإنتاج الطاقة) وإلا سيكون هلاك الأرض أمر وقت ليس أكثر.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية