معارضون للمثلية فيما تقدمه "نتفليكس": منافٍ للقيم الأخلاقية.. ومؤيدون: تناقش قضية اجتماعية "1"
معارضون للمثلية فيما تقدمه "نتفليكس": منافٍ للقيم الأخلاقية.. ومؤيدون: تناقش قضية اجتماعية "1"
في رؤيته الفلسفية لتاريخ العالم، حدده "هيجل" بمقدار الوعي النامي والمتطور والمتقدم بالحرية وقيمتها، وتحت بند الحرية ليس هناك معيار مُجتمع عليه لما يجوز فعله ولما لا يجوز، فلا سقف للحريات، شريطة أن يعقبها وعي ويلحقها مسؤولية.
وإذا كان الوعي لا يسقط من السماء ولا يتنزل على الناس رؤى وأحلامًا، وإنما هو محصلة ممارسات يومية، جزء كبير منها تشكله منصات ميديا عالمية كـ"نتفليكس"، فلا مناص إذن من الاعتماد على وعي الجمهور وقدرته على النقد، ومستوى المناعة الفكرية لديه.
لكن، ماذا لو كان جمهور منصات الميديا العالمية أطفالًا لم يتشكل وعيهم بعد، وماذا لو كانوا كبارًا جسدًا فقط ينقصهم الوعي، وماذا لو كانوا واعين ولكن ليس بالدرجة الكافية في استيعاب أفكار كالمثلية الجنسية، ينطوي عرضها تحت بند "الحريات" في عالم يعج بحروب فكرية ورؤى ومذهبية؟
فهل يمكن أخذ هذا المحتوى بنية حسنة، خاصة لدى المجتمعات المحافظة، مسلمين ومسيحيين ويهود؟
بمقدار ما يحمله الأمر من خطورة على الهويات والأعراف والعقائد، بمقدار ما أثار جدلًا كبيرًا حظيت به منصة العرض الأمريكية "نتفليكس"، خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي، تحت دعوى ترويجها للمثلية الجنسية، بين مدافع ومعارض.
واستند المعارضون إلى ما قدّمته من شخصيات ومشاهد منافية للقيم الأخلاقية على حسب تعبيرهم، لا يمكن تبريرها بحرية الإبداع، أو التعبير عن الرأي، من وجهة النظر الدينية، أو الأخلاقية الإنسانية.
على عكس المدافعين، الذين رأوا أن المنصة خاصة، ويمكن للفرد أن يتحكم في ما يشاهده من عدمه أو لا يكون أحد المشتركين عليها من الأساس.
ووفقًا لتقارير منظمة GLAAD الأمريكية لرصد وسائل الترفيه والإعلام، فإن شبكة نتفليكس قامت بتضمين عدد كبير من الشخصيات المثلية في أعمالها أكثر من كل الشبكات الأمريكية الأخرى مجتمعة.
وكما وضح الجانب المعارض، الأمر بدأ في التزايد تحديدًا منذ عام 2018 حيث تم عرض مسلسلات شهيرة مثل Elite، وThe Haunting of Hill House وأيضًا Chilling Adventures of Sabrina والتي حققت جميعها نجاحًا مبهرًا، واحتوت في أحداثها على شخصيات مثلية الميول الجنسية، وغيرها من الأعمال الأخرى والتي ركزت بشكل شخصي على الميول الجنسية للشخصيات، وهو ما يجعل شبكة نتفليكس تحت الأضواء كشركة داعمة للميول المثلية، على حسب وصفهم.
واستمرت الشركة في سياستها هذه رغم الانتقادات التي تعرضت لها، واعترفت "نتفليكس" بأنها تناقش عبر شاشتها القضايا التي يتجاهلها الآخرون، مثل المثلية الجنسية والتعددية العرقية وغيرها من القضايا التي تركز على حقوق الأقليات.
وفي عام 2019 أنتجت مسلسلا تلفزيونيا بعنوان Special والذي يركز بشكل أساسي على مذكرات الكاتب والممثل الأمريكي ريان أوكونيل، الداعم لقضايا متحدي الإعاقة والمثليين جنسيًا وهو واحد منهم.
هل تفعل "نتفليكس" ما تنهى عنه؟
وترى وجهة النظر المعارضة أن الشبكة العملاقة تقع فيما تنهى عنه، ففي رأيهم ينظر البعض إليها على أنها داعمة لحقوق الأقليات، وهي الصورة التي تُصدرها في المجتمعات الغربية، خاصة وأنها قد منعت عرض بعض هذه الأعمال في دول الشرق الأوسط، بسبب الإفراط في المشاهد المخصصة للبالغين (للكبار فقط).
ولكن الأمر يتجاوز كونه دعمًا للقضايا المجتمعية، فمثلًا في الولايات المتحدة نفسها تعرّض الفيلم الدرامي الكوميدي Cuties المنتج عام 2020 لحملة عنيفة من الانتقادات، بسبب قصته التي تتناول حياة فتاة سنغالية نشأت في فرنسا في ظل بيئة إسلامية وتحاول التمرد عليها والتحول للثقافة العصرية الشائعة عبر شبكة الإنترنت، وكان سبب الانتقادات أن الملصق الدعائي للفيلم يوحي بالاستغلال الجنسي للأطفال وهو أمر غير مقبول في الغرب أو الشرق.
وقد تم تقديم اعتذار رسمي من الشركة نشرته وسائل الإعلام حينها حول ذلك الأمر وحذفت الملصق الدعائي، وقدمت العديد من البلدان طلبات بحذف الفيلم من على منصة عرض الشركة على الإنترنت معظمها جاء من دول إسلامية مثل تركيا، باعتباره خطرًا على الثقافة الشعبية والتقاليد المحلية للدولة.
ووفقًا للبيانات، حصل الفيلم على تقييم 2.8 من 10 في تصويت النقاد على الموقع العالمي IMDB وهو ما يثبت أن استغلال هذه القضايا ليس من باب تأثيرها الدرامي.
تاريخ كبير
انطلقت "نتفليكس" في عام 1997، بخدمة عرض الأفلام على أسطوانات الفيديو الرقمية DVD وإيصالها إلى العملاء بالبريد.
ووفقًا لسيرتها الذاتية، كانت انطلاقتها الثانية في عام 2007 ببدء خدمة بث الأفلام على شبكة الإنترنت، ثم توسع نطاق خدماتها، ليشمل 13 مليون مشترك جديد، في كندا ودول أمريكا اللاتينية و5 دول أوروبية، وبذلك وصل عدد المشتركين إلى 33 مليونا، وكانت أرباح الشبكة قرابة 3 مليارات دولار.
دخلت "نتفليكس" مرحلة إنتاج المسلسلات ونشر كل حلقاتها دفعة واحدة، وكان مسلسل "بيت من ورق"، خطوة مشجعة للشبكة للتركيز على المثلية الجنسية.
وفي عام 2016 اندفعت خدمات "نتفليكس" لتغطي أكثر من 100 دولة.
وقالت "فايننشال تايمز" في مقال عام 2016: إن قوة المثليين الشرائية بلغت 3.7 تريليون دولار، وإن هناك صفقات تسويقية تجارية تحصل عليها الشركات الداعمة للحركات المثلية حول العالم.
وفي نهاية 2019 أعلنت الشبكة، في تقريرها المالي للربع الثالث، أن عدد المشتركين في خدماتها وصل إلى 158 مليونا، وارتفعت إيراداتها إلى 5.2 مليار دولار، ووصلت الإيرادات إلى 6.15 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام الحالي.
وكما أكد موقع "ديجيتال سباي"، فإن "نتفليكس" تمتلك الدعم المالي الكافي لإنتاج قصص المثلية الجنسية، من دون أن تخشى أي نوع من المقاطعة أو الصدمات، وأنه من السهل جدا عليها سد الثغرات المحتملة في السوق وجذب الجمهور بتلك القصص.