باحثون يحللون أسباب تضمين "نتفليكس" محتوى "المثلية الجنسية"
باحثون يحللون أسباب تضمين "نتفليكس" محتوى "المثلية الجنسية"
تزايدت الاتهامات في منطقة الشرق الأوسط، مؤخرًا، لشركة الإنتاج التلفزيونية الكبرى "Netflix"، بأنها تقوم بنشر ثقافة المثلية الجنسية بطريقة فجة، وذلك بسبب وجود بعض الشخصيات المثلية في الأعمال الأصلية التي تقوم الشركة بإنتاجها وتشاهدها الجماهير على نطاق واسع، وهو أمر يعده البعض سياسة غير مقبولة، دفعتهم لتأسيس حملة مقاطعة للشركة العملاقة بدعوى أنها لا تراعي الذوق العام.
والمناقشة ليست لفكرة مع أو ضد المثلية الجنسية أو حتى تناولها ووجودها في الأعمال التلفزيونية بشكل عام، ولكن محرك النقاش، كما وضحتها دعوات المقاطعة، مبنية على أنه لا توجد فائدة درامية من إقحام المشاهد الجريئة بين الشخصيات مثلية الميول الجنسية بشكل "مفرط" يشبه الحصار.
في هذا التقرير، يحاول اثنان من الباحثين الإجابة عن سؤال: لماذا تُضمّن "Netflix" في محتواها شخصيات ومشاهد مثلية؟
دور الميديا
وعن دور الميديا والهيمنة الثقافية، تحدث الأستاذ بكلية الآداب جامعة عين شمس، محمد حسني: "في رأيي أن الخلاف الدائر حول نتفليكس يعكس تناقضات موجودة بالفعل في مجتمعنا، بداية من تعريفنا لدور السينما، هل هو دور تربوي، وهل هو تصوير الواقع أم تصوير واقع "مثالي"، ناهيك عن الخلاف المؤكد حول ما "المثالي"، وحتى تعريفنا للحرية الشخصية.
وأضاف في لقاء مع "جسور بوست"، مقتنع بفكرة "الهيمنة الثقافية" التي بلورها أنطونيو جرامشي في كتاباته، وتبناها أيضا بيير بوردو، وأدرك أن المحتوى المصور يتضمن حشدا من الأفكار، بعضها مقصود وبعضها تخيلناه، وبعضها أيضا لم نلتفت إليه.
بشأن نتفليكس، وهو ما يتشابه بدرجة كبيرة مع صناعة السينما الأمريكية عموما، فإنني أجد ترويجا لعدد من الأفكار والقيم، بعضها سلبي في رأيي، مثل: الاستهلاكية، والتسطيح، العنف عامة، والعنف المبرر على وجه التحديد، والجماعة المنقذة التي تفرض وصايتها على الشعوب.
ويتساءل حسني، لماذا لم يثر حفيظة مجتمعنا سوى "المثلية"، أو ما أسماه البعض "تطبيع المثلية"، ربما يكون السبب أن "المثلية" تُعرّف بالـ"شذوذ"، وقد اقتصر تناول السينما للمثلية على النبذ والإهانة، وبأقصى تقدير على الإشفاق باعتبارها "مرضا"، بينما تجاوزت مجتمعات أخرى المسألة باعتبارها "اختلافا" مثل اللون والاعتقاد، جدير بالذكر أن قبول العرب والمسلمين في أوروبا يستند أساسا لقيم "قبول التنوع" في النقاش حول الجنس عموما، يتضح تشوه الفاصل بين ما هو شخصي وما هو اجتماعي، عن المثلية تحديدا يظهر تناقض أعقد في تناولها، كاختلاف موقف البعض من الطرف الفاعل والمفعول في العلاقة المثلية، كما يتم تصورها، وتجاهل المثلية الأنثوية.
هل ما أثار المجتمع هو اختراق "محرمات"؟ لكنه يقبل أفلاما تتضمن: خمرا، مخدرات، دعارة، جريمة، إرهابا، علاقات جنسية بدون زواج، والأخيرة بالمناسبة تصور في السينما العربية كـ"مغامرة مرحة" للرجل وكـ"خطيئة" للمرأة.
يبلغ عدد المدخنين 1.3 مليار مدخن، ما يقرب من ربع سكان الأرض، وبينما بلغ ضحاياه في القرن العشرين 100 مليون متوفى، متوقع أن يصل إلى مليار في القرن الحادي والعشرين، ومع ذلك يعد التدخين سلوكا اعتياديا في السينما كما في الشارع والبيت.
ويتابع، وفق أحدث التقديرات، بلغ رأس مال نتفليكس 170 مليار دولار، وتجني أرباحا بين 5-6 مليار دولار سنويا، يقدر عدد المشتركين في نتفليكس بـ220 مليونا، و221 مليونا في ديزني التي أدخلت شخصية مثلية في الكارتون، هذا بخلاف أضعافهم ممن يشاهدون المحتوى نفسه عبر وسائط مجانية، نتفليكس وغيرها، كأي مؤسسة رأسمالية تسعى للمزيد من الأرباح، ومن المنطقي أن أي محتوى مطبوع أو مسموع أو مرئي، يُنتج بالأساس وفقا لسياسة مموليه.
ويستطرد، يعج الإنترنت بعدد لا يحصى من المواد منها الأكاديمي، والأخلاقي، ومنها أيضا الإباحي والعنيف، وبالتأكيد لن نجد شخصا راضيا عن كل ذلك، ومسألة وجودها غير خاضعة لرأيه الشخصي، وإن أصبحت المشاهدة شخصية-فردية، بعد أن كانت اجتماعية وأسرية، فإنها أيضا تتيح إمكانيات الاختيار والمنع، وعليه فمن حق كل فرد، ومن مسؤوليته هو أن يختار ما يشاهد، ويمتنع عن ما عاداه.
فلسفة الـ"ريموت كونترول"
فيما علق الكاتب الصحفي، محمد الشماع بقوله، هناك توجه في العالم بإطلاق يد الحريات في الأعمال الإبداعية، لا سيما ما يتعلق بالحرية الجنسية، وتحديداً «المثلية».
قد يكون هذا التوجه حديثاً في السينما والدراما العالمية، لأنه بمراجعة ما تيسر لنا من الإنتاج السينمائي والدرامي العالمي خلال فترة ما قبل الألفية الجديدة، فإن مناقشة مسألة «المثلية» أو مرورها بشكل عابر في الأعمال لم تكن منتشرة مثلما يحدث حالياً، وذلك رغم وجود مئات الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي كانت تحتوي على مقاطع جنسية كاملة أو ألفاظ خادشة للحياء، أو حتى مناقشة موضوعات متعلقة بالأمر.
وأضاف، ولأن المنصات العالمية، كـ«نيتفليكس» وغيرها في الفترة الحالية صارت مثل جهاز «التلفزيون»، أي دخلت في كل بيت تقريباً، فإن ما تقدمه قد يتسلل إلى كل أفراد الأسرة، وبالتالي تصادف التوجه العالمي هذا مع دخول المنصات إلى البيوت، لذا أرى أن الأمر صدفة بحتة، وبعيد كل البعد عن شبهة التعمد، فصانعو المنصات والمسؤولون عن محتواها يدركون جيداً فلسفة «الريموت كونترول»، أي «ما يعجبك شاهده، وما لا يعجبك اتركه».
وتابع، أرى أن التوجه لم يصل بعد إلى مرحلة الحصار، أو الإلحاح، ولا أدري إن كانت مراكز البحوث والمعلومات قد أجرت مسحاً كمياً عن الأعمال التي تدور حول المثلية الجنسية، أو حتى وجودها فيها بشكل عابر، أم لا، ولكن المتابعة الانطباعية والأولية لما يُقدم في أغلب المنصات المتاحة للجمهور العربي حالياً، تشير إلى أن كمّ الأعمال المقصودة ليس بالدرجة المخيفة التي أصابت البعض بالهستيريا، إلى حد المطالبة بإغلاقها! فضلا عن ذلك، فإنني أشد المؤيدين لفلسفة «الريموت كونترول»، وأدعو المشاهد في الوطن العربي إلى أن يُشاهد ما يُعجبه فقط من أعمال، وما يُناسب ثقافته وتقاليده هو فقط، دون النظر إلى غيره من المشاهدين، سواء كانوا في أبعد ولاية أمريكية، أو حتى في المنزل المجاور له.