"شيء غير طبيعي".. أول قصة للأطفال تواجه دعوات تطبيع المثلية في العالم العربي

ينقسم العالم تجاه المثلية الجنسية إلى طرفين، أحدهما يعتبرها شذوذًا وفعل غير طبيعي نهت عنه الشرائع، فيما يعتبرها الطرف الآخر حالة طبيعية ولا حاجة لتفسيرها والبحث عن أسباب لها.

لكن ماذا عن الأطفال الذين لم يتشكل وعيهم بعد لاستيعاب أفكار كالمثلية الجنسية، ينطوي عرضها تحت بند "الحريات" في عالم يعج بحروب فكرية ورؤى ومذهبية؟

في هذا الصدد ألّف الإعلامي وأستاذ بكلية الآداب جامعة حلوان، محمد فتحي قصة بعنوان "شيء غير طبيعي"، أول قصة للأطفال تواجه دعوات تطبيع المثلية في العالم العربي.

ويراها متخصصون من الكتب المهم توافرها في كل بيت لديه أطفال بداية من عمر ست سنوات، وتناقش بخفة قضية المثلية الجنسية دون ذكر اسمها، برسوم بسيطة وفكاهة غير مفتعلة وبحكمة ومنطق.

والقصة مؤلفة من 40 صفحة بمرجعية تربوية وأخرى نفسية من خلال استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين أحمد أبوالوفا، وهي عن طفل يلعب لعبة مع والده، عبارة عن تقسيم كل الأشياء إلى ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي، يشارك الطفل اللعبة مع من حوله، حتى يذهب إلى حفل زفاف فيطبق اللعبة ويصف زواج الرجل والمرأة بالطبيعي، وما عداها يكون غير طبيعي.

ما يميز الكتاب أنه يحتوي على جزء تفاعلي يمكن للأطفال التفاعل واللعب معه وإعمال عقولهم.

طبيعي وغير طبيعي

وعن القصة والهدف منها، علّق المؤلف الدكتور محمد فتحي بقوله، إن الأمر شائك وحساس لأكثر من سبب، أولًا قد يتعرض الطفل بشكل خفي وغير مباشر لأفكار كـ"المثلية" وبوصفها "شيئا طبيعيا"، كما حدث في بعض حلقات الكارتون والأفلام العالمية، مثل “الجميلة والوحش” ومثل فروزين الذي ستكون بطلته في الجزء الثاني مثلية دون ذكر للموضوع، وغيرها من محاولات التطبيع.

محمد فتحي

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، كذلك فإن الطفل في هذه الشريحة العمرية قد لا يعرف شيئًا عن الموضوع أصلا، ومجرد ذكره أمامه بشكل مباشر خطأ تربوي يدفعه لمزيد من الفضول والبحث بينما عمره لا يسمح له بالتمييز الحقيقي.

وتابع: في النهاية نتحدث عن قضية يناصرها العالم الغربي ويتحدث عنها من ناحية الحقوق والحريات، وهي منطقة شائكة يناصرها كثيرون لدرجة وجود لوبيات عالمية من أجل ترويج هذه الأجندة من هذا المدخل.

وأردف الكاتب: "هذه التحديات فرضت علينا في الكتابة ميزانًا حساسًا ومراجعات تربوية ونفسية للأطفال في هذا العمر، وهو ما جعلني أعالج العمل من مدخل الطبيعي وغير الطبيعي، لأن الفطرة والشيء الطبيعي هو العلاقات السوية، وبخلاف ذلك غير طبيعي، وهكذا كتبت النص من هذه الزاوية، زاوية التمييز بين ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي فقط، دون ذكر للمصطلح ودون وعي مباشر بل من خلال لعبة يلعبها الطفل مع والده، وهذه نقطة أخرى ركز عليها النص، ألا وهي وجود الأب الذي غاب عن أغلب قصص الأطفال العربية، وكأن دوره مهمش ليعود  هنا محفزا ابنه على التفكير والخيال والتعلم الترفيهي.

رفض عربي

خلال 2022 عام، منعت مصر -ضمن 14 دولة في إقليم الشرق الأوسط- فيلم الرسوم المتحركة “لايت يير” (Lightyear) الموجه للأطفال، كونه يروج لأفكار وصفتها بأنها ضد الفطرة الإنسانية. 

إلى ذلك تداول نشطاء في العالم العربي، عبر منصات التواصل مقطع فيديو، تؤكد فيه رئيسة المحتوى الترفيهي في شركة "ديزني" الأمريكية، كيري بيرك، النية لتقديم 50% من شخصياتها الكرتونية من المثليين وغيرهم من المختلفين عرقيا وجنسيا، بحيث لا يكون ظهورهم فقط في مشاهد عابرة ولكن يصبحون أبطالا للقصص.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن المجتمعات العربية الإسلامية تميل إلى رفض المثلية الجنسية أكثر مما تميل إلى قبولها. 

هكذا سجلت دراسة مركز بيو للبحث (Pew Research Center) سنة 2013م أن المثلية الجنسية لا ينبغي أن تكون مقبولة من طرف المجتمع بالنسب العليا التالية: 78% من الأتراك، 80% من اللبنانيين، 86% من الماليزيين، 87% من الباكستانيين، 93% من الفلسطينيين ومن الإندونيسيين، 94% من التونسيين، 95% من المصريين و97% من الأردنيين. 

وفى الولايات المتحدة كانت المثلية الجنسية حتى أوائل السبعينيات من القرن العشرين تعرف بأنها انحراف جنسي sexual deviance، ويتم التعامل معها ضمن علم الأمراض pathology، إلى أن تم حذفها من قوائم الأمراض، وانتصرت في الدوائر العلمية النظرة إلى المثلية باعتبارها سلوكا طبيعيا وليس مرضيا، وانسحبت هذه النظرة إلى المنظمات الدولية المتخصصة في المجالات الصحية، وانتقل الخلاف حول المثلية في الغرب من دوائر الأبحاث العلمية إلى المنافسات الانتخابية والمساجلات الدينية، وذهبت المجتمعات الغربية بوجه عام إلى قبول هذا الاختلاف مع التمايز في التفاصيل، مثل الخلاف حول موضوعات من قبيل زواج الشواذ والتبني والخدمة في الجيش، إلى أن بدأ يظهر نوع من التقارب والقبول حول هذه القضايا.