موسم الهجوم على الرموز.. العرّاب وإمام الدعاة في مرمى السوشيال ميديا
موسم الهجوم على الرموز.. العرّاب وإمام الدعاة في مرمى السوشيال ميديا
كان الهدف من مقولة "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية"، رغبة قائلها الكاتب والمُفكر أحمد لطفي السيد بالتأكيد أن لكل شخص وجهة نظر ورأيًا خاصًا به، والذي قد يكون مُختلفًا من شخص لآخر ولا ينتقص هذا من الود، لكن في عصر السوشيال ميديا، صار الاختلاف في الرأي يؤدي إلى العداء وبات الخلاف في الرأي يفسد للود قضية.
الأمر ليس بسرّ، فخلال أسبوع انفجرت صفحات التواصل الاجتماعي بجدال رواده، حول شخصين بارزين في الثقافة المصرية، يعرفهما الشارع المصري قبل الثقافي، هما الإمام محمد متولي الشعراوي، والروائي أحمد خالد توفيق.
وازدادت حالة الغضب بين المصريين بعد الهجوم الحاد الذي شنته شخصيات عامة ورسمية على الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، بعد انتقاد التخطيط لعرض عمل مسرحي عنه.
قاد الهجوم الإعلامي المصري إبراهيم عيسى، زاعما: “الشعراوي شيخ متطرف داعشي سلفي، ضد الأقباط ويهين المرأة، وليس وسطيا كما يرى البعض”.
وعاد اسم الكاتب الروائي الدكتور أحمد خالد توفيق، للجدل من جديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد عرض مسلسل الغرفة 207 عبر منصة شاهد، والمأخوذ عن روايته التي تحمل الاسم نفسه، خاصة أن الرواية تتشابه مع قصة الكاتب الأمريكي ستيفن كنج التي تحمل عنوان رقم 1408، واتهمه البعض بسطحية الأعمال، فيما ذهب البعض الآخر إلى اعتماده على الاقتباس من الأعمال الأجنبية.
لا يزال أحمد خالد توفيق يثير جدلًا بسبب كتاباته، وكذلك الشيخ الشعراوي الذي يصفه محبوه بإمام الدعاة، وفارس اللغة العربية وعاشقها الكبير، وفارس الوسطية والاعتدال في الإسلام، بخطابه السلس الموجه للعامة والبسطاء، والذي مكنه من شغل موقعه الكبير في قلوبهم، وأحد أبرز أعلام مجددي الخطاب الديني في العصر الحديث، فإن منتقديه يدّعون أن له دورًا كبيرًا في نشر الأصولية التي أدت إلى التطرف فيما بعد.
وبعيدًا عن دراويش الشيخ الراحل، وكارهيه، فالغريب أن هذا الهجوم، وليس النقد، ظهر بعد رحيل الرجل بواحد وعشرين عامًا، فما هو الجديد الذي قاله الشعراوي أو أحمد خالد توفيق ليبدأ أوركسترا السوشيال ميديا بمهاجمتهما أو دعمهما؟

أسباب الهجوم على إمام الدعاة
جدل دائم ما إن يهدأ حتى تشتعل ناره من جديد، حول شخص وأعمال الراحل محمد متولي الشعراوي.
السبب وضحه مدير المسرح القومي، إيهاب فهمي، من أن الأنباء التي تم تداولها بخصوص عمل مسرحي عن الشيخ الشعراوي غير صحيحة، لافتا إلى أن الأمر لم يتخطَ طرح فكرة عرض أمسية عن الشعراوي لليلة واحدة ضمن إمساكية شهر رمضان، ضمن خطة البيت الفني للمسرح.
وقال فهمي في بيان، إنه في إطار دور المسرح القومي الثقافي والفني، سيتم إطلاق أمسيات ثقافية وفنية تحت شعار السيرة، تستعرض تاريخ القامات المصرية في كافة المجالات بهدف التعريف بتاريخ هذه الرموز وتأثيرها في مسيرة التنوير في مصر عبر التاريخ.
منذ الإعلان عن أمسية الشيخ الشعراوي هاجمت بعض الشخصيات العامة الشيخ الشعراوي، حيث تقدمت النائبة فريدة الشوباشي، بطلب إحاطة لرئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفي مدبولي، ووزيرة الثقافة، الدكتورة نيفين الكيلاني، جاء فيه: «كيف يقوم المسرح القومي التابع لوزارة الثقافة بإنتاج مسرحية عن الشيخ الشعراوي الذي سجد على هزيمة 67 وقال بثقة إنه فرح لهزيمة مصر».

وتساءلت الشوباشي: “كيف يمكن توطيد شعور الانتماء الوطني لمشاهدي هذه المسرحية”، منوهة أنه "حرم الفن وأموال الفن، وحرض على عدم وضع النقود في البنوك لأن فوائد البنوك حرام".
وقالت وزيرة الثقافة إن شخصية الشيخ الشعراوي عليها تحفظات كثيرة: "لا بد أن يكون هناك اختيار للشخصيات التنويرية المؤثرة في المجتمع لتقديم سيرتها على المسرح القومي".
وشارك الناقد الفني طارق الشناوي في الهجوم على الشعراوي، قائلا: "شهر رمضان شهر روحانيات، ولكن روحانيات الشيخ الشعراوي متخلفة، ورجعية مش عصرية، ومتزمتة، وخاصة، وكان الأفضل تقديم سيرة الدكتور مجدي يعقوب أو الدكتور أحمد زويل، يعني نبدأ بحاجة تشرح القلب ويا ريت يبقى مجدي يعقوب عشان الرسالة التي هتوصل للناس تكون جميلة".
الأزهر وخالد الجندي أول المدافعين
تبنى علماء دين بينهم وكيل الأزهر السابق، الدكتور عباس شومان، وعدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة للدفاع عن الشعراوي في المقابل، انتقدوا فيه الاتهامات الموجهة له.
رد الأزهر الشريف، على الهجوم الذي شنه البعض مؤخرا على إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي، خلال الأيام الماضية، وقال الأزهر الشريف على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، الخميس: "فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وهب حياته لتفسير كتاب الله، وأوقف عمره لتلك المهمة".
وأضاف الأزهر: "الشيخ محمد متولي الشعراوي، أوصل معاني القرآن لسامعيه بكل سلاسة وعذوبة، وجذب إليه الناس من مختلف المستويات، وأيقظ فيهم ملكات التلقي".
وقال الشيخ خالد الجندي، الداعية الإسلامي، إن مهاجمة الشيخ العارف بالله محمد متولي الشعراوي، يعتبر انتحارا ذاتيا، لأنه يمثل أحد روافد القوى الناعمة لمصر في العالم الإسلامي بالكامل.
ونشر علاء مبارك، نجل الرئيس الراحل حسني مبارك، صورة لتصريحات الإعلامي إبراهيم عيسى، بشأن الشيخ محمد متولي الشعراوي.

وعلق "مبارك" في تغريدة على موقع "تويتر": "ما صدقنا خلصنا من قصة الصيدلي والإسراء والمعراج، وخالد بن الوليد، والوقوف احتراماً لأصحاب ولا أعز! قرر هذه المرة العودة بالتهجم والتطاول والإساءة لعالم دين أجمع عليه العالم الإسلامي فضيلة الشيخ متولي الشعراوي بعد ربع قرن من وفاته، تطاول غير مقبول ما الهدف من هذا التشويه ولماذا الآن!".
الغرفة 207
الجدل الذي طال إمام الدعاة، طال “توفيق” ولكن لسبب مختلف، ولعل أحمد خالد توفيق نفسه هو الذي أوحى لمنتقديه التهمة الأخيرة، إذ يقول في مقدمة الرواية المنشورة عام 2008 "الغرفة 207": "لك أن تصدق هذا أو لا تصدقه، لكني لم أقرأ قصة ستيفن كنج 1408 إلا بعدما توقفت عن كتابة حلقات الغرفة 207 ونشرها".
وتحدث الكثيرون عن الراحل، وقال الكاتب والروائي حمدي أبوجليل في هجومه على "العراب" عبر "فيسبوك": "ميزة أحمد خالد توفيق أنه أدخل المتدينين للأدب، والمتدينون السلفيون البسطاء الذين يكفرون نجيب محفوظ دخلهم الأدب، طبعا فيه قلة فهمت وتمردت، لكن الأغلبية ظلت أدباء سلفيين زي أحمد خالد توفيق".
أما الروائي أشرف الخمايسي فكتب عن أحمد خالد توفيق: "أكبر من كاتب، هو معلم ومؤسس، لم يكتب ليبني مجدا أدبيا، بل كتب ليجعل الشباب يقرؤون، وهذه ليست فلسفة تخصني تجاه كتاباته، إنما هو من قال ذلك بلسانه، وسمعتها منه بأذني".
في الميزان
وبموضوعية، علق الإعلامي والأستاذ بجامعة عين شمس، محمد فتحي بقوله، إن مشكلة الحديث عن الشيخ الشعراوي أنه دائمًا حديث غير موضوعي بالمرة من الجميع، من المحب الذي يصل به لدرجة التقديس فلا يطيق عليه كلمة واحدة، ولا يعترف له بأخطاء، ولا يريد أن يتناقش بهدوء، وهو فريق يعشق النوستالجيا وقعدة الجمعة بعد الصلاة، وغير مستعد للتفكير والبحث الحقيقي فيما قاله الشيخ، بل ويختصره في تفسير القرآن الكريم فقط، ومن الكاره الذي يراه محرضًا على التطرف وعدوًا للمرأة وصاحب نسق قيمي يستحق الهجوم، لا سيما فيما يخص فرحه في هزيمة يونيو، ولا معنى لأن يكون مفسرًا للقرآن إذا كان يدس وسط تفسيره آراء شخصية ترفض الآخر وتحقره أحيانًا.
وتابع في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، هي أشياء يجب أن يعلمها فريق المحبين، ويقرأ عنها، ويعرف لماذا قالها الشعراوي، وميزانها في الدين الوسطي المستنير الذي يؤمنون أنه يمثله، وبين الفريقين تغيب رؤية موضوعية تعلمنا جميعًا كيف ننظر لما للشخص وما عليه، وسرد تاريخي لموقف مثقفي عصر الشعراوي وعلماء الدين في نفس وقته من نقده بموضوعية، ومواجهته بما قال، والاستقصاء عن ردوده ومواقفه، وكيف نقرأ ما قدمه بهدوء، وكيف نتعامل مع مشروعه بشكل منصف.
واستطرد، أضف لذلك فريقًا عالمًا يدرك أخطاء الشعراوي في الاستشهادات بأحاديث ضعيفة ونحو ذلك في التفسير، وهو فريق يخشى هجمة شعبوية آن لها أن تهدأ، وحدة علمانية آن لها أن تراجع نفسها فيما يتعلق بعلاقتها بعموم الناس ولماذا يرفضونهم ولماذا لا يحترمون طرحهم القائم على الحط من الشخصيات أكثر من الحوار العقلاني المتزن.

وأتم، بشكل عام أغلب النقد في بلدنا أعور، لا يرى سوى بعين واحدة، وغير مستعد لفتح عينيه على الحقيقة، وحين تتحدث عن الأمر يعتبرونك ماسخا وتريد الإمساك بالعصا من المنتصف، وهذا خطأ.. فقط نذكّر هنا بأن من نتحدث عنه بشر، لا هو نصف إله أو صنم كما يعتقد كثير من محبيه، ولا هو بشيطان مريد كما يريد كارهوه تصويره، هذه دعوة لحوار موضوعي وتقييم علمي منصف، أتمنى أن يتصدى له فريق صاحب فكر، وليس صاحب ثأر مع الرجل أو هوى شعبوي يشجعه.