سيناريوهان للتعافي الاقتصادي عالمياً وخليجياً

سيناريوهان للتعافي الاقتصادي عالمياً وخليجياً

مع انتشار السلالة المتحورة (دلتا) من فيروس كورونا في أكثر من 124 دولة ــ بحسب منظمة الصحة العالمية ــ ، وتأكيد مركز السيطرة على الأمراض والوقاية الأمريكي، أن الإصابة بالسلالة المتحورة تشكل 83% من إجمالي الإصابات الجديدة بكورونا في الولايات المتحدة، تزداد المخاوف حول مدى تأثير دلتا على مسار تعافي الاقتصاد العالمي.

وفي ظل ذلك، سيظل تحقيق التعافي الاقتصادي المضطرد أمراً غير مؤكد، لاسيما إذا استمر تعرض المزيد من السكان حول العالم لمخاطر الفيروس وسلالاته المتحورة. وقد شهد التعافي بالفعل انتكاسة حادة، لاسيما في الدول التي تجددت فيها موجات العدوى، وأبرزها الهند، والصين، التي فرضت قيوداً على حركة السكان في مقاطعة غوانغدونغ في شهر مايو الماضي، وبعد تفشي المرض ثانيةً. وكذلك أستراليا التي أعادت فرض إجراءات الإغلاق العام بصورة موجهة في شهر يونيو الماضي.

سيناريو متفائل

أدى التكيف مع الحياة في ظل جائحة كورونا إلى تحسن أداء الاقتصاد العالمي رغم تقييد حرية الحركة بوجه عام، وتسببه في ارتفاع تكاليف التجارة العالمية، مما ترتب عليه، وفقاً للبنك الدولي، حدوث انتعاش فاق التوقعات في مختلف دول العالم، حيث تحسنت الآفاق الاقتصادية بفضل الدعم الإضافي من المالية العامة في بعض الاقتصادات، كالولايات المتحدة، على الرغم من الحذر الشديد في التعامل مع أسعار الفائدة، ضمن برامج التحفيز.

وزادت هذه المعطيات من تفاؤل مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن نمو اقتصاد بلاده بمعدل 7% خلال عام 2021، مع انخفاض معدل البطالة إلى 4.5%، بعد أن اقترب من 15% في ذروة الوباء. وتشير بيانات الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من العام إلى ارتفاعه بنسبة 12.2% على أساس سنوي، متجاوزاً النمو في الصين البالغ 7.9%. وفي اليابان، كشفت البيانات الأولية أن الناتج المحلي الإجمالي نما بمعدل 1.3% في الربع الثاني من العام الجاري، بعد تراجع بلغ 3.7% في الربع الأول، متجاوزاً بذلك متوسط التوقعات التي كانت ترجح نموه بنسبة 0.7% فقط. 

ويعزى النمو المرتفع المحقق إلى ارتفاع وتيرة توفير اللقاحات المختلفة، حيث بادرت العديد من الدول إلى توفير لقاحات كورونا، في وقت مبكر، وهو ما كان له أثر إيجابي على تحسن الأداء الاقتصادي، وفي ظل تحقق هذه المعدلات في ظل ظهور وانتشار المتحور دلتا، يمكن القول إن أثر ذلك المتحور يختلف من اقتصاد إلى آخر. 

ويرى خبراء أنه على الرغم من تهديد المتحور وإبطائه الانتعاش الاقتصادي الأمريكي، على سبيل المثال، فإنه لن يتسبب في تحول الاقتصاد إلى الانكماش. ويصدق ذلك على العديد من الاقتصادات، ومنها الاقتصاد الصيني، واقتصاد منطقة اليورو، وكذلك اقتصادات منطقة الخليج العربية.

سيناريو متشائم

برغم الظروف الإيجابية نسبياً، لكن يظل هناك سيناريو متشائم لا يمكن تجاهله، وهو يبرز في حالة الاقتصاد الصيني على وجه الخصوص، كونه الأكثر تأثراً بالمتحور دلتا، حيث تشير البيانات إلى تباطؤ نموه في الربع الثاني من العام، حيث عانت البلاد ارتفاع أسعار السلع الأساسية واضطرابات سلسلة التوريد، حيث نما الناتج الصيني بنسبة 7.9%، بسبب تأثير دلتا على تكاليف الشحن والتجارة الدولية. 

ويأتي ذلك بينما بلغ النمو الصيني في الربع الأول 18.3%، كما أن النمو الذي تحقق في الربع الثاني كان أضعف مما كان متوقعاً، حيث كانت الترجيحات تشير إلى نمو الاقتصاد بمعدل يبلغ نحو 8.1% في الربع الثاني.

وعلى مستوى الاقتصاد العالمي، فإن أثر المتحور دلتا قد يكبد العالم خسائر بمقدار 2.3 تريليون دولار، تتركز في الدول التي تعتمد على السياحة وتصدير السلع الأولية. وتبرز كذلك في الاقتصادات الناشئة في آسيا وأفريقيا، حيث ترتفع معدلات الوفيات إلى أعلى مستوياتها منذ بداية الوباء، نتيجة لمحدودية الوصول للقاحات. فبينما بلغت نسب التطعيم بجرعات اللقاح الكاملة نحو 40% من سكان الاقتصادات المتقدمة، فإن النسبة في الدول الناشئة والنامية أقل من نصف ذلك المستوى في الاقتصادات المتقدمة.

ويرجح صندوق النقد الدولي حدوث موجة جديدة من الإصابات في الأسواق الصاعدة والنامية في النصف الثاني من العام، وألا تزداد إمدادات اللقاحات إلا بشكل طفيف، مما يؤدي لتباطؤ النشاط الاقتصادي، والذي سيستمر حتى بدايات عام 2022، بسبب ما يقتضيه الوضع من قيود على الحركة، الأمر الذي سيضغط بشدة على الأوضاع المالية في الاقتصادات الصاعدة والاقتصادات النامية، كما أنه سيزيد من ضغوط التضخم في الاقتصادات المتقدمة ويجعلها أكثر استمرارية مما كان متوقعاً.

التأثير الاقتصادي لدلتا خليجياً

توقع تقرير للبنك الدولي عودة اقتصادات مجلس التعاون الخليجي تحقيق نمو كلي نسبته 2.2% في عام 2021 بعد عام من التعثر الاقتصادي، بدعم من التعافي الاقتصاد العالمي وانتعاش الطلب العالمي على النفط، وارتفاع أسعاره. 

ويأتي ذلك بعد أن تسببت جائحة كورونا في هبوط الطلب العالمي على النفط وأسعاره في عام 2020، ما أصاب اقتصادات دول مجلس التعاون بصدمة مزدوجة، وأدى إلى انكماش إجمالي ناتجها الإجمالي بنسبة 4.8% في ذلك العام.

وتأتي هذه التوقعات على الرغم من وجود وانتشار المتحور دلتا حول العالم، وعلى الرغم من تسببه في زعزعة استقرار سلاسل التوريد العالمية، وكذلك تسببه في زيادة مستويات الضبابية بشأن آفاق الطلب العالمي على النفط، الذي هو المنتج وسلعة التصدير الأساسية لدول مجلس التعاون، ويعني ذلك أنه على الرغم من التحديات الناشئة عن ذلك المتحور، وأنه أدى إلى انحسار آمال التعافي العالمي، وتسبب في إطالة الفترة اللازمة لاستكمال ذلك التعافي، فإنه يبدو أن اقتصادات منطقة الخليج تعيش حالة جيدة نسبياً، تؤهلها لتحمل تلك الضغوط.

كما أن الاختلاف الكبير بين ما عاشه العالم من ظروف اقتصادية صعبة خلال عام 2020، تسببت بشكل جذري في تراجع أسعار النفط والسلع الأولية بشكل استثنائي، وضغطت بشدة على موازنات دول المجلس، فإن الظروف الحالية، وكذلك الظروف المتوقعة في الأجل المنظور، تختلف كثيراً عن ظروف العام الماضي، وهي أفضل عنها بفارق كبير، ويبدو ذلك بشكل خاص في مستويات أسعار النفط، ومن ثم إيرادات تصديره، وبالتالي الأوضاع المالية لدول المجلس.

وعلى الرغم من أن المؤسسات الدولية، ومن بينها صندوق النقد الدولي، تتوقع مواجهة اقتصادات بعض دول المجلس، كالكويت والبحرين وعُمان، بعض الصعوبات خلال العام الجاري، لكن بالنسبة لباقي الاقتصادات، لاسيما الاقتصادين الإماراتي والسعودي، يتمتعان بحالة من الاستقرار والتماسك، خاصة الأنشطة غير النفطية بكل منهما، والسياسات الاستثمارية لصناديقهما السيادية، وهو ما يرجح إمكانية خروجهما بقوة من تلك الظروف بحد أدنى من الخسائر، وبمتانة اقتصادية أفضل مما كانت قبل جائحة كورنا.

وختاماً، يمكن القول إن الظروف الناشئة عن سلالة المتحور دلتا، من شأنها أن توجه دول العالم إلى مزيد من الاستثمارات، وتأجيل وقف سياسات التحفيز الاقتصادي، عبر الإبقاء على أسعار الفائدة المنخفضة، والتوسع في الإنفاق على المشروعات الكبرى، بما فيها البنية التحتية، خاصة الخضراء، للمساعدة في التخفيف من آثار التغير المناخي، وتقوية برامج المساعدات الاجتماعية والتأمين الاجتماعي، وتحسين البنية التحتية لوسائل الاتصال، لاسيما في الدول النامية، هذا بجانب الإنفاق على برامج نشر اللقاحات على نطاق واسع، وتجنب فرض المزيد من الضرائب، إلى غير ذلك من المبادرات التي من شأنها ضخ المزيد من الاستثمارات العالمية، وتعزيز الإنفاق الكلي، بما يبقي على فرص النمو الاقتصادي العالمية قائمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية