خبراء يؤكدون حتمية التأهيل النفسي للأطفال الذين تعرضوا لحوادث

خبراء يؤكدون حتمية التأهيل النفسي للأطفال الذين تعرضوا لحوادث

كما أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، كذلك ترسب الذكريات وثبوتها في الصغر أقوى، بل تشكل كينونة الطفل وتحدد ما سيكون عليه مستقبلًا، وهنا تكمن الخطورة، فماذا لو تعرض الأطفال مثل البالغين إلى مواقف أو تجارب حياتية مخيفة وخطرة مثل الحوادث والجرائم. 

وفقًا لـ"منظمة إنقاذ الطفل" التابعة لهيئة الأمم المتحدة، فإن 62% من الأطفال الذين تعرضوا لحادث ترك أثرا ظاهريا عليهم يعانون اضطرابات نفسية شديدة قد تصل إلى الانتحار.

ووفقًا لعلماء النفس، كل هذا يؤدي إلى اضطرابات نفسية مختلفة نتيجة للصدمة، مثل اضطرابات التفكير والسلوك والعواطف، فمع الصدمة يجد الطفل صعوبة في النوم، ويرى أحلاما مخيفة وكوابيس، وأحيـانًا الأعـراض لا تظهر مباشـرة بعد الصدمة فقد تظهر بعد أيام أو أسابيع، وتظهر على الأطفال علامات التبول الليلى ومص الأصابع، وضعف التركيز، ويصبح الطفل متوترا ولا يطيع التوجيهات من ذويه، ويعانى من أعراض جسمية مثل الصداع وآلام المعدة

ويرى خبراء علم النفس، أن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى تأهيل نفسي، وتهدف برامج إعادة التأهيل بعد الحوادث إلى المساعدة للاندماج في المجتمع والعودة لحياتهم السابقة بشكل أكثر فاعلية.

وتوفر برامج إعادة التأهيل بعد الحوادث، مساعدة من يصاب بحالات تتعلق بالدماغ مثل الارتجاج وما قد ينتج عنها من صعوبة في النطق أو الحركة أو التعامل بشكل طبيعي كما كان في السابق. 

وبحسب تقرير للأمم المتحدة، فإن نصف أطفال العالم، أو ما يقرب من مليار طفل، يتأثرون سنويا بالعنف الجسدي والجنسي والنفسي، ويعاني هذا الجيل الصاعد من الإصابات والإعاقات والوفاة.

فتاة في الخامسة من عمرها تجلس في منزل أسرتها في كزاخستان، حيث تقوم اليونيسف بزيارات منزلي للقضاء على العنف المنزلي.

الصحة النفسية للأطفال

تترك الصدمات أثرًا بالغًا على الأطفال قد يعرض مستقبلهم للخطر، وأظهر بحث جديد مدى أهمية التجارب الإيجابية في مرحلة الطفولة لصحتنا على المدى الطويل، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يمرون بمحن أو ملمات شديدة وهم أطفال. 

ووجدت الدراسات على مدى العشرين عاما الماضية أن ثمة علاقة بين عدد الشدائد التي يشهدونها في مرحلة الطفولة "مثل الموت أو الطلاق" وتردي الحالة الصحية في مرحلة لاحقة من الحياة. 

وذكر موقع "ساينس ديلي" المعني بشؤون العلم أن الدراسة الجديدة التي أجراها البروفيسور علي كراندل والمشاركون الآخرون بجامعة بريجهام يونج توصلت إلى أن التجارب الإيجابية في الطفولة -مثل وجود جيران طيبين أو التمتع بوجبات منتظمة أو مقدم رعاية تشعر معه بالأمان- يمكنها أن تزيل الآثار الصحية الضارة الناجمة عن تجارب الشدائد في الطفولة. 

العنف الأسري ضد الأطفال: أرقام مرعبة وعواقب مخيفة – إضاءات

وقال كاندال، أستاذ مساعد الصحة العامة بجامعة بريجهام يونج بولاية يوتاه الأمريكية، خلال تقارير صحفية: "إذا كان طفلك قد مر بصدمة نفسية وأنت قلق من التأثير الذي يمكن تتركه عليه في المدى الطويل، فإن هذه النتائج تظهر أن التجارب الإيجابية في مرحلة الطفولة تؤدي إلى التمتع بصحة جسدية وعقلية أفضل في مرحلة البلوغ، بصرف النظر عما قد واجهوه". 

وفي حين أن الكثير من تجارب الشدائد في الطفولة في هذه الدراسة تتأثر بوضع أسرة الطفل، قال كاندال: “البالغون الآخرون في حياة الطفل، غير الأب، مثل الأقارب والمدرسين والجيران والأصدقاء والقادة من الشباب، كلهم يساعدون في زيادة عدد التجارب المجابهة لتجارب الشدائد ويعززون من الصحة طيلة الحياة”.

المتابعة النفسية

بدوره، قال استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، إن ما يجب فعله لتفادي الآثار النفسية السلبية نتيجة تعرض الأطفال لحوادث، سواء حدثت لهم بشكل مباشر أو لغيرهم أمام أعينهم، هو تهيئة الأطفال ومتابعتهم من خلال متخصصين والأقرب من ذويهم، هذا هو الحل الأمثل، ويمكننا تقسيم الأطفال حسب مراحلهم العمرية، فمن هم دون الرابعة، الزمن كفيل بمحو تلك الحوادث من عقولهم، خاصة إذا قامت بتربيتهم أسرة بديلة بصورة جيدة، تعوض الأطفال بعاطفة جياشة وتربية قويمة. 

وأكد فرويز، في تصريح خاص لـ"جسور بوست"، أن الجريمة ستترسخ في عقول المراحل الأكبر، وهنا لا بد من متابعة طبيب نفسي لهم يراقب سلوكياتهم للتخفيف من حدة الحادث، مع دعم أفكار متفائلة مع غلق تام للحديث عن الحوادث، ويتوقع لهؤلاء وجود اضطرابات في الشخصية.

وطالب فرويز بخضوع الأطفال الذين يتعرضون لحوادث لعلاج نفسي ومراقبة نفسية لمدة 6 أشهر، حتى يمكن ملاحظة حدوث أي من الاضطرابات النفسية أو المرض النفسي، حيث من المتوقع أن تكون هناك جينات تسهل ظهور مرض نفسي، أو حدوث اضطراب ما بعد الصدمة. 

استشارى الطب النفسى: الأصغر سناً الأكثر تأثراً بالنزاعات.. ويحتاجون 6 أشهر  متابعة - أخبار العالم - الوطن

تخطي الضرر النفسي

وعن خطوات تخطي الطفل الضرر النفسي، تقول أخصائية الطب النفسي للأطفال، آية حسن، إن الأثر النفسي الذي تتركه الحوادث الأليمة على الأطفال قد يتغلب على ما يعانونه من ألم بدني خاصة إذا ترك ذلك الحادث علامة أو ندبة ظاهره في الوجه تحديدًا، أو أي إعاقة بدنية.

وأشارت آية في تصريحات لـ“جسور بوست” إلى أنه لا يتأثر جميع الأطفال الذين يتعرضون لذلك بنفس الدرجة، ولكن يختلف ذلك وفقًا لبنيان الطفل النفسي، وللدعم الأسري والبيئة المحيطة به، وحتى يجتاز الطفل ذلك الأمر يتعين على الأم القيام ببعض الخطوات والتي تتمثل في أمور عدة، منها مصارحة الطفل، حيث يحتاج الطفل لتقيم لحالته الصحية بشكل يتلاءم مع عمره دون التعامل معه بسذاجة أو عدم نضج، أي على الأم توضيح للطفل حقيقة الأمر وطبيعة الحالة التي يمر بها ومرحلة العلاج والاستجابة له، دون الإفراط في التشاؤم أو الأمل حتى لا يفقد الطفل مصداقيته فيها، مع الاهتمام بطمأنة الطفل أنه ليس وحده وأن الجميع يشاركه ويسانده. 

وتابعت، بعد مرحلة المصارحة بطبيعة الحالة يحتاج الطفل إلى الكثير من الدعم، دون شعوره بالعطف، فعلى الأم تحمل نوبات الغضب الذي قد يتعرض لها الطفل بحكمة وتقبلها، بل تشجيعه على البوح بمشاعره وغضبه، ثم دعمه باللمس عن طريق الأحضان، والتقرب إلى الطفل، عن طريق الحكي ومشاركته الحديث، وترتيب له أشياء يحبها كطعام يفضله ومكان يهوى زيارته ولعبة يفضل اقتناءها، فكل أم تعرف ما يحتاجه طفلها. 

واستطردت، يحتاج الطفل إلى أن يشعر أنه ليس وحيدا، وأن هناك غيره مر بتلك المحنة، وأن الجميع يمكن أن تحدث لهم تلك الأشياء، يمكن للأم أن تقوم بتأليف بعض القصص من خيالها، ويمكنها أيضًا تجربة مشاهدة فيلم مع طفلها عن بطل تعرض لحادث أليم أصابه بتشوه أو عجز وكيف واجه الحياة، بشرط أن يكون منتصرا في النهاية، ويمكنها أيضًا زيارة شخص خضع لتجربة مشابهة وترك الطفل ليحكي معه، ويمكن الاستعانة بمجموعات المساندة النفسية التي تعتمد على المشاركة بنفس التجارب. 

ثم تأتي مرحلة الدفاع بعد أن تقوم الأم بإعداد طفلها النفسي، سيخرج للعالم وقد يصبح مادة خصبة للتنمر والسخرية، في تلك الحالة، على الأم أن تدافع عن طفلها بكل ما أوتيت من قوة وأن تشعره أنها جيشه الوحيد، وتقف أمام أي شخص يؤذي طفلها ولو بكلمة صغيرة ولكن بالحكمة والعقل، يساعد ذلك الطفل ويزيد من ثقته بنفسه وبأمه ويشعره بالأمان ويكتسب صفة الدفاع عن النفس. 

 

وأتمت، يجب على الأم تعليمه أن يدافع هو الآخر عن نفسه، وأن شكله وما حدث له لم يكن بخياره وأن ذلك لم ينقصه شيئا، بل يميزه عن غيره، وألا يخاف من تعليقات من حوله ويرد عليهم.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية