بيت العائلة الإبراهيمية.. منارة للتعايش والأخوة الإنسانية
بيت العائلة الإبراهيمية.. منارة للتعايش والأخوة الإنسانية
عرف الإسلام الاعتدال والتعايش السلمي مع الآخر منذ انطلاقته الأولى في مكة المكرمة عندما كان المسلمون أقلية، وعرف في المدينة المنورة عندما أصبحوا أكثرية، ولهم كيان مستقل، ولذا فتجربة الإسلام في التعايش السلمي طويلة ومتنوعة وتمتد منذ أن جاء الإسلام إلى يومنا هذا.
من هذا المنطلق لجأت دولة الإمارات إلى ما يبرز ويقوي هذا التعايش خاصة بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة "الإسلام، المسيحية، اليهودية"، من خلال البيت الإبراهيمي.
ويعد "بيت العائلة الإبراهيمية"، ترجمة على أرض الواقع لوثيقة "الأخوة الإنسانية" التي انطلقت من الإمارات قبل نحو عامين، ويخلد العالم ذكرى توقيعها هذه الأيام في احتفالية دولية سنوية، يبدأ الاحتفال بها لأول مرة 4 فبراير 2021، بعد إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم يوما عالميا للأخوة الإنسانية.
الأخوة الإنسانية هدف
في ترجمة عملية للوثيقة وأهدافها، أعلن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات العربية المتحدة وقت أن كان وليا للعهد في أبوظبي، ونائبا للقائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات، بناء "بيت العائلة الإبراهيمية" في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، ليجسد حالة التعايش السلمي وواقع التآخي الإنساني الذي تعيشه مختلف الأعراق والجنسيات من العقائد والأديان المتعددة في دولة الإمارات.
ويضم تصميم المشروع الذي نفذه المُصمم العالمي ديفيد أدجاي مسجدًا وكنيسةً وكنيسًا يهوديًا، بما يبرز القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية، ويحفظ في ذات الوقت لكل دين خصوصيته، مقدمًا بذلك صرحًا عالميًا يجسد تواصل الحضارات الإنسانية والرسالات السماوية، ويعكس قيم الاحترام المتبادل والتفاهم بين أتباع الديانات السماوية الثلاث.
دور عبادة للديانات السماوية
في هذا السياق، رسميًا حمل المسجد اسم "الإمام الطيب" فيما أطلق اسم "القديس فرنسيس" على الكنيسة، أما الكنيس اليهودي فيحمل اسم "موسى بن ميمون"، وفي محيط الموقع توفرت مساحة رابعة تحتضن مركزًا ثقافيًا يهدف إلى دعوة الناس لإعلاء مشاعر الأخوة والتآزر ضمن مجتمع متفاهم يقدر قيم الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.
وكان الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات العربية المتحدة، قد كشف عن تصميم المشروع في تجمع دولي استضافته مدينة نيويورك في عام 2019، خلال الاجتماع الثاني للجنة العليا للأخوة الإنسانية، وتم عرض التصميم على الإمام الأكبر وقداسة البابا في الاجتماع الذي جمع بينهما شهر نوفمبر عام 2019.
أهمية التعايش بين الأديان
وقال رئيس دائرة الثقافة- أبوظبي وعضو اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، محمد خليفة المبارك: "يجسد بيت العائلة الإبراهيمية أهمية التعايش بين الأديان مع الحفاظ على خصوصية كل دين، ويبرز رؤية أبوظبي للأخوة الإنسانية ونجاح جهودها في ترسيخ ثقافة ومبادئ التعايش السلمي ضمن النسيج الثقافي المتنوع الذي يتميز به مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، وتعد مهمتنا في الإشراف على تنفيذ هذا المشروع التاريخي فرصة ملهمة وشرفا عظيما لنا، حيث يعكس جهود دولة الإمارات في تطبيق وثيقة الأخوة الإنسانية وتعزيز مبادئها السامية".
وأضاف في تصريحات إعلامية، أن "إطلاق أسماء فضيلة الإمام الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس، وموسى بن ميمون على دور العبادة الثلاث إنما هو عرفان وامتنان لمواقفهم ورسائلهم الواضحة لإعلاء قيم الأخوة الإنسانية، والتعريف بجهودهم ومبادئهم التي تعد رسائل محبة وسلام تستفيد منها الأجيال الحالية والقادمة في جميع أنحاء العالم".
ويمثل مشروع "بيت العائلة الإبراهيمية" في أبوظبي معلمًا حضاريًا ومركزاً للحوار والتفاهم بين الأديان، وفضاءً ملهمًا للتثقيف وممارسة العبادات، كما يرمز لقيم التفاهم والتعايش السلمي، ويجسد المبادئ والمشتركات الثقافية للديانات الإبراهيمية الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية.
تصميم "بيت العائلة الإبراهيمية"
ويتميز تصميم "بيت العائلة الإبراهيمية" بعمارته الهندسية البديعة التي تتكون من 3 مكعبات تستحضر ملامح العمارة التقليدية الخاصة بالديانات الثلاث، وتبرز في ذات الوقت عناصرها الجمالية والهندسية المتفردة.
وقد تم خلال مراحل التصميم إشراك أعضاء المجتمعات الدينية من جميع أنحاء العالم لتقديم رؤيتهم ومشورتهم بشأن كل من المباني الثلاثة، وذلك لضمان اتساقها والتزامها بمتطلبات كل دين وتعاليمه.
وتوفر المباني الثلاثة مساحات تضفي مشاعر من السكينة والألفة على زوارها، سواء من خلال ملامحها المعمارية، وكذلك تفاصيلها الإنشائية المتفردة التي ستبرزها الواجهات، والمشاهد الخارجية والداخلية من أعمدة ونوافذ وأقبية تعكس الملامح المتفردة لكل دين من الأديان.
وكان فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وقداسة بابا الفاتيكان قد وقعا في الرابع من فبراير من عام 2019 "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك"، خلال لقائهما التاريخي الذي جمعهما في أبوظبي.
ومن هذا المنطلق، سترحب أماكن العبادة الثلاثة التي يتكون منها "بيت العائلة الإبراهيمية" بجميع الزوار الراغبين في العبادة والتعلم والتحاور، كما سينظم "بيت العائلة الإبراهيمية" مجموعة متنوعة من البرامج والفعاليات اليومية، واستضافة المؤتمرات والقمم الدولية، التي تبرز التعايش الإنساني.
الإسلام دين السلام
بدوره، علق العالم الأزهري وعميد كلية التجارة بالأزهر الشريف، الدكتور محمد يونس بقوله، إن تحية الإسلام هي السلام، ورده كذلك السلام، والعرب والمسلمون هم دعاة سلام وليسوا مصدرًا للإرهاب كما يدعي البعض، فالدين الإسلامي الصحيح الذي لا شطط فيه ولا غلو هو دين المحبة والسلام والتعايش، وليس الإرهاب، وما يرتكبه بعض المغالين لا يعبر عن رأي الدين الإسلامي وأتباعه.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، أن مثل هذه المؤسسات التي أقامتها دبي وتستهدف تحقيق الأخوة الإنسانية والتعايش مهمة، وتواكب الزمن والأحداث، ومفخرة للعرب الذين ينشرون مبادئ الإنسانية والمحبة، خاصة انطواءها على مبادئ تفيد المرأة والطفل وجميع الفئات، مثل هذه المبادرات تقربنا أكثر للإنسانية وتؤدي بنا للتقدم والحضارة، فمعيار التقدم هو التعايش مع الاختلاف وقبوله واحترامه.
تعايش وليس دمجاً
قالت أستاذة العقيدة والفلسفة والبرلمانية السابقة، آمنة نصير، إن ثمة فرقا بين التعايش بين الأديان وبين دمجها، وما تقوم به الإمارات يأتي من باب التعايش لا الدمج.
وأوضحت في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، التعايش يقتضي قبول الآخر مع حفاظي على هويتي ومبادئ ديني، أما الدمج فيقتضي التماهي مع الآخر وليس هذا ما تقدمه دولة الإمارات، وإنما تحرص على الأخوة بين الديانات الإبراهيمية الثلاث مع احتفاظ كل دين بمعتقداته، وهذا مكسب للإنسانية وتفكير راقٍ يدعم قضية العرب نحو السلام.