المرأة الجزائرية.. واقع يعكس الكثير من الإنجازات والتحديات المجتمعية

المرأة الجزائرية.. واقع يعكس الكثير من الإنجازات والتحديات المجتمعية

بثقافة مجتمعية فرانكفونية، حصدت المرأة الجزائرية ثمار مسيرة نضال استمرت عقودا طويلة ضد القيود والاحتلال الأجنبي، لتخطو نحو المساواة وتكافؤ الفرص والتمكين السياسي.

ويكرس الدستور الجزائري مبدأ المساواة بين الجنسين في ميدان العمل وتولي مناصب المسؤولية، فضلا عن نبذ جميع أشكال العنف والتمييز ضد النساء، وتعزيز مكانتها السياسية عن طريق ترقية حقوقها السياسية وتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس النيابية.

ويرى المتخصصون في شؤون المرأة بالجزائر، أن جهود الدولة الهادفة إلى دعم حقوق النساء تحتاج إلى مساهمة نوعية من مختلف الشركاء، لتجاوز الصورة النمطية السائدة في المجتمع.

ووضعت دولة الجزائر حماية المرأة أولوية في السياسات العامة لمناهضة العنف والتمييز والتهميش والهيمنة الذكورية على المناصب الوظيفية أو القيادية بالمجتمع.

ورغم تفشي ظاهرة العنف ضد المرأة الجزائرية، غير أن النجاحات المحققة على جميع المستويات الحقوقية والمهنية للنساء لا تزال أعلى من المعوقات والإخفاقات.

في عام 2014 اتخذت السلطات الجزائرية خطوات للتصدي للعنف ضد المرأة، حيث أصدرت مرسوماً يفرض تعويضاً مادياً للنساء اللواتي تعرضن للعنف الجنسي الذي قامت بارتكابه الجماعات المسلحة في تسعينيات القرن الماضي أثناء الحرب الأهلية.

وأقرت الدولة تعديلات على قانون العقوبات لتنص على أن ممارسة العنف ضد الزوجة جريمة محددة يعاقب عليها بالحبس، كما تتعامل بالمثل مع أفعال التعدي غير اللائق على النساء والفتيات في الأماكن العامة.

وتوسعت السلطات الجزائرية في تغليظ العقوبات على جرائم التحرش الجنسي، وحظرت ترهيب أو إكراه الزوجة من أجل الاستيلاء على مواردها المالية أو ممتلكاتها.

معوقات قانونية

رغم ما كانت تهدف إليه هذه التعديلات من الحفاظ على حقوق المرأة وحمايتها من كافة أشكال العنف في البلاد، إلا أنها تضمنت مواد ذات إشكالية من شأنها زيادة تعرض الضحية للسرقة والعنف الأسري.

ويقول قانونيون وحقوقيون، إن هناك بعض المواد القانونية تتيح لمرتكب الجريمة ممارسة الضغط على الضحية، ما يدفعها للاضطرار إلى سحب شكواها.

على الجانب الآخر حققت الجزائر تقدماً بارزا فيما يخص الإطار القانوني لحقوق المرأة الاجتماعية والسياسية، إضافة إلى المساواة بين الجنسين أمام القضاء.

ودفع التقدم في ملف حقوق المرأة بالجزائر، الاتحاد الأوروبي إلى الإشادة بجهود السلطات، لا سيما عقب إصدار قانون جديد يجرم العنف ضد المرأة في عام 2015.

طفرة تعليمية

وجاء في تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عام 2021، أن الجزائر تضم النسبة الأكبر من النساء خرّيجات اختصاص الهندسة في العالم، إذ تبلغ نسبتهن 48.5 بالمئة من مجموع خرّيجي الهندسة في البلاد. 

وعلى سبيل المقارنة، تبلغ النسبة 26.1 بالمئة في فرنسا، و19.7 بالمئة في كندا، و14 بالمئة في اليابان.

لكن في حين أن النساء الجزائريات أنهَين احتكار الرجال لدراسة الهندسة، لا يزال الرجال يسيطرون على المهنة بحد ذاتها في الوظائف بالمجتمع الجزائري.

ولذلك تعاني النساء من رائدات الأعمال من نقص التمثيل، إذ تعيقهن مجموعتان من القيود بعضها يعود إلى أعراف اجتماعية وثقافية متجذّرة، مثل المفاهيم التقليدية وغياب الدعم العائلي، فيما يعود الآخر إلى نقص رأس المال وغياب الدعم المؤسسي.

وتُعد الجزائر رائدة في تعليم المرأة في العالم العربي وخارجه على السواء، فقد ارتفعت نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة لدى النساء من 62.2 بالمئة في عام 1987 إلى 97.3 بالمئة في عام 2018.

وبلغ مجموع المسجلين في التعليم العالي 52.5 بالمئة في عام 2020، حيث حصّة النساء أعلى مع 66.4 بالمئة.

تهميش سياسي

في السياق، قالت الصحفية الجزائرية، نعيمة بنوارت: "لم تعد الحقوق السياسية التي حققتها المرأة الجزائرية في ظل تراجع حظوظها داخل الأحزاب والنقابات، بمنأى عن استبعادها سياسياً، رغم المكانة التي أولتها التشريعات والدساتير والقوانين الجزائرية للنساء".

وأوضحت “بنوارت” في تصريح لـ"جسور بوست"، أن مجالات تولي المرأة مناصب سياسة أو مسؤولية اجتماعية، لا يزال يواجهها العديد من التحديات، إذ تواجه النساء نوعا من "المعاناة الصامتة".

وأضافت: "هذه المعاناة يتمثل أبرزها في التهميش من بعض المجالات، وانتشار ظاهرة التحرش في مكان العمل الذي يصعب من الناحية العملية إثباته، مقابل ضعف الثقافة القانونية لدى المرأة العاملة المعنية".

وتابعت بنوارت: "بعد سلسلة من المكاسب السياسية التي حققتها المرأة الجزائرية على مستوى وجودها في مؤسسات الدولة الرسمية، شهدت هذه المكاسب انتكاسة غير مسبوقة في تاريخ المشهد السياسي الجزائري مؤخرا".

وقالت: "تراجعت حصة النساء في سابع برلمان تعددي في تاريخ البلاد عام 2021 إلى 34 مقعداً، وهو ما يمثل 8 بالمئة من إجمالي المقاعد البالغ عددها 407 مقاعد".

وأكدت أن موضوع تعزيز مكانة المرأة في المشهد السياسي الجزائري لا يمر عبر إقرار قوانين لفرضها فرضاً على الجزائريين، بل الأمر يحتاج إلى مسار سياسي طويل وعمل مجتمعي دائم، ينهي الصورة النمطية السلبية للمرأة.

واختتمت الصحفية الجزائرية حديثها، قائلة: "يبقى تعزيز تواجد المرأة في المنظمات النقابية ومنظمات المجتمع المدني، والتي من خلالها يتم إعطاء الفرصة للنساء للتقرب من المجتمع، وإبراز قدرات المتميزات منهن، أمراً ضرورياً".
 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية