العلاج بالفن.. عندما يكون الرسم والرقص سبباً في التعافي النفسي
العلاج بالفن.. عندما يكون الرسم والرقص سبباً في التعافي النفسي
يرى إرنست ليفي أن الإنسانية ستبدأ بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال، ويقيناً وبالتجربة القوة التي ستحررك داخلياً ليست العلوم والتكنولوجيا المسخرة وإنما هي الفنون بأشكالها.
الألوان والرسومات والنحت والزخرفة والرقص، هي هوايات تدخل البهجة إلى قلوبنا جميعاً، ولذلك فإن الأطباء أدخلوها ضمن برامج علاجية تحت اسم العلاج بالفن لدورها في شفاء الكثير من الاضطرابات النفسية والعضوية.
والعلاج بالفن هو استخدام أنواع الفنون المختلفة من رسم ونحت وتلوين وغيرها لمساعدة الناس على التعبير عن أنفسهم فنيا، بحسب موقع «Psychology today».
فالفن يصبح هو اللغة التي يخرج الأفراد بها أفكارهم ومشاعرهم، التي لا يستطيعون التحدث فيها، بمساعدة الطبيب أو المعالج النفسي المختص الذي يفهم أكثر عن مشاعر الفرد وسلوكه من خلال رسوماته أو أعماله الفنية، ما يساعده على معالجة مشكلاتهم النفسية.
انطلاقاً من أهمية الفكرة، حاورت “جسور بوست” إحدى المجموعات المهتمة بالعلاج بالفن، كما تناقش كيفيته وطرقه.
جماعة اللقطة الواحدة
وعن تجربة جماعة شُكلت للعلاج بالفن تحت مسمى "جماعة اللقطة الواحدة، تقول الدكتورة المتخصصة في العلاج بالفن والعلاج بالحركة والرقص المعتمدة من المدرسة الإيطالية، وأحد أعضاء الجماعة، أميرة سليمان، هي جماعة قامت على فكرة خروج مجموعة من الفنانين إلى مكان للرسم، فيرسم كل فكرته المختلفة عن الآخر، فكانت بمثابة إبداع مشترك، بدأت لأكثر من عشرين سنة، استطاعت استقطاب لجمهور عادي لا يحترف الفن ولكنه محب له، فتفاعلوا مع الجماعة وانتشرت الجماعة كوسيلة للتواصل بين الناس من خلال الفن وخرجت خارج أسوار كلية الفنون الجميلة، وتمتاز هذه الجماعة بتنوعها بأجيال الشباب وجيل الوسط والكبار، فيسهل المشاركة فيها والتواصل معهم.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": في الغالب نركز على العمل الجماعي والإبداع المشترك بين الناس، في إطار أخلاقي ومهني يحكم العمل، والعلاج بالفن يأخذ ثلاثة أشكال، بعضها يندرج تحت العيادات التي يشرف عليها الطبيب النفسي والأخصائي الاجتماعي والمعالج بالفن، يستخدم فيه الفن بأنواعه، ولا بد هنا في المعالج بالفن أن تكون لديه أرضية جيدة للعلاج النفسي، وكيفية مخاطبة المرضى، على أن يكون ذلك بالتوازي مع الفريق الطبي ولا يعمل منفرداً، وهناك شكل التأثير المجتمعي واستخدام العلاج بالفنون لإدماج فئات أكثر مثل اللاجئين، والعلاج فيها يكون جماعياً مثل الحكي والسيكو دراما.
وعن العلاج بالفن بالنسبة للأطفال تحدثت قائلة: إن ما يشغل الأطفال ليس استخدام الكلمات والحكي، وإنما أمور أخرى كالطين والحركة البدنية واللعب والعرائس، فالطفل لا يعرف مسميات ما يغضبه ولا يستطيع التعبير عنه، هو لا يعرف مصطلح الرفض وربما الغضب أو الحزن ولكنه يشعر بها، وهنا نخرجه من القيد الفظي إلى براح التواصل بالفن سواء بالرسم أو غيره، وكلما كان المعالج قويا ولديه حضور يستطيع يؤثر أكثر، وفي مصر بدأ الأمر يأخذ إطاراً رسمياً أكثر، وبالفعل هناك انتشار.
وعن الناجيات من العنف استطردت: تقام أيضاً مجموعات تشاركية تخفف الضغوط بأن يجد آخرين يحترمون تجربته ولديهم التحديات نفسها، فدائرة العلاج الجماعي هي السر ولها أهمية كبيرة في العلاج وكلما كانت فاعليتها جيدة في الجلسات استمرت لما بعد الجلسات، فكأنك تأخذ الجلسات معك للمنزل.
وفي إطار حديثها عن مستقبل العلاج النفسي، أكدت الدكتورة أميرة أنه كلما كان هناك تشابك وتعاون أكبر بين المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالموضوعات نفسها مع المتخصصين في العلاج الجماعي والعلاج بالفن سيرسخ ذلك المهنية وتقارب التجربة، وربما دخلت المدارس، وفي ألمانيا هناك مدارس تقوم آخر الأسبوع بتكوين مجموعات للطلبة؛ كل تلميذ يتحدث عن كيف كان أسبوعه وكيف أنهاه، هل كان هناك قلق أو إيذاء، كل هذا يشكل فكرة لدى التلميذ مفادها “نحن جماعة”.
كيفية العلاج بالفن
في أول جلسة مع الطبيب أو المعالج النفسي سيسألك عن الأسباب التي دفعتك للعلاج وستتحدثان فيها معاً حتى يشخص الطبيب المشكلة التي تعاني منها تحديداً، بحسب موقع «Psychology today».
ووفقاً للموقع ذاته، سيطلب منك الطبيب أن تقوم بأي عمل مثل رسم لوحة فنية، وسيظل يشاهد ويلاحظ وأنت تقوم بالعمل دون تدخل أو حكم عليك.
وقد يسألك الطبيب بعد انتهاء عملية الرسم أو خلالها بعض الأسئلة التي تتعلق بماذا تشعر وأنت ترسم وما الأجزاء الصعبة أو السهلة عليك، وما الأفكار أو الذكريات التي كانت في عقلك بينما تقوم بالعمل الفني.
الأمراض التي يعالجها
العلاج بالفن يساعد كلاً من الأطفال والمراهقين والبالغين للتعافي من بعض الاضطرابات النفسية أو الأمراض العضوية، ومنها بحسب موقع «Good Therapy»:
(اضطرابات القلق- الاكتئاب- الإدمان- الضغط العصبي- اضطراب ما بعد الصدمة- اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه- السرطان- أمراض القلب- مشكلات الشيخوخة- فقدان الشهية- الشره المرضي للطعام- ضعف الإدراك- بجانب مشكلات العلاقات والمشكلات العائلية).
وتتضمن الأنشطة: (الرسم بالفرشاة- الرسم بالقلم الرصاص أو الجاف- الرسم باستخدام الأصابع- الرسم العابث بطريقة لا مبالية- الرسم بالشخبطة- النحت- التشكيل بالطين- الحفر والنقش- صنع الفخار- صنع البطاقات).
الموهبة غير مشروطة
في العلاج بالفن، لا يشترط إطلاقا أن تكون موهوباً في الرسم أو غيره من الفنون، حتى ينجح العلاج، لأن الهدف في الأساس ليس القطعة الفنية في حد ذاتها، ولكن ما يعبر من خلالها المريض عن أفكاره ومشاعره الداخلية، والذكريات والقصص والرسائل التي تخرج في القطعة الفنية، والتي تساعد كلاً من المريض في الشعور بالتحسن والطبيب النفسي كذلك في تحليل سلوك المريض.
ضرورة إشراف الطبيب
هل يمكن للفرد معالجة ذاته بذاته؟ وفقاً لمواقع متخصصة، العلاج بالرسم لا يمكن أن يقوم به الفرد وحده، فهو جزء من برنامج علاج نفسي أو عضوي، ولذلك فإن هذا البرنامج يقدم في المستشفيات أو العيادات النفسية ومراكز إعادة التأهيل، وفقا لموقع الجمعية الأمريكية للعلاج بالفن.