ماذا يفعل بلينكن في أوكرانيا.. الأبعاد والدلالات
ماذا يفعل بلينكن في أوكرانيا.. الأبعاد والدلالات
كتب- باسم ثروت
وسط تصعيد عسكري كبير من قبل روسيا على حدودها مع أوكرانيا يلوح في الأفق احتمال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا في الوقت القريب المنظور، فقد عززت موسكو من أعداد قواتها بطول الحدود الأوكرانية على مدار الأشهر القليلة الماضية.
حيث أشارت بعض التقارير إلى وصول القوات الروسية على حدود أوكرانيا، نحو 175 جندياً، ما يثير مخاوف أوروبا والولايات المتحدة بشكل كبير حيث يعني أي هجوم على أوكرانيا تهديداً خطيراً للأمن الأوروبي كون أوكرانيا أحد المداخل الشرقية لأوروبا وواحدة من امتدادات أمنها القومي.
وفي الفترة القريبة الماضية جرت محادثتان بشكل افتراضي بين الرئيس الروسي بوتين ونظيره الأمريكي بايدن، حذر فيهما بايدن روسيا من أنها قد تواجه عواقب وخيمة في حال غزت أوكرانيا، الأمر الذي نفاه بوتين وقال إنهم لا ينون غزو أوكرانيا وما يحدث على الحدود مجرد تدريبات عسكرية كما أن روسيا حرة في التحرك داخل حدودها.
كما جرت محادثات أخرى غير حاسمة الأسبوع الماضي في جنيف وبروكسل وفيينا، حيث قدمت روسيا ما تصفه الحكومات الغربية بأنه مطالب غير مقبولة حيث تطالب موسكو بمنع أوكرانيا من الحصول على عضوية في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتطالب موسكو بفرض قيود على قوات التحالف في الدول الأعضاء الحالية، مثل بولندا ودول البلطيق التي كانت ذات يوم ضمن الكتلة السوفيتية.
ومن جانب روسيا علّق لافروف وزير الخارجية الروسي على فشل الجهود الدبلوماسية في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الألمانية الزائرة أنالينا بيربوك، بأنه لن يكون هناك مزيد من المفاوضات حتى يستجيب الغرب لمطالب روسيا سابقة الذكر.
نتيجة لفشل الجهود واستعداداً لأي طارئ، تدرس الدول الغربية مجموعة من الإجراءات لاتخاذها ضد روسيا حال إقدام موسكو على غزو أوكرانيا، وتتضمن فرض عقوبات على أشخاص في دائرة بوتين الداخلية، ووقف العمل في خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم2 الذي يمتد من روسيا إلى ألمانيا، وفرض قيود على روسيا في ما يتعلق بعلاقاتها بالنظام المصرفي العالمي.
لم تأب روسيا كل هذه التهديدات ولم تظهر اعتناءها بالمحادثات والمحاولات الدبلوماسية للتوصل إلى حل بشأن وقف غزوها المحتمل على أوكرانيا، بل إنها واصلت الاستفزاز والتصعيد أمام الغرب، حيث شرعت روسيا وبيلاروسيا المجاورة لأوكرانيا، في إجراء مناورات عسكرية، مما زاد التوترات في المنطقة.
أمام هذا التعنت الروسي وعدم قبولها للحلول الدبلوماسية، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ خطوات على الأرض تدعم بها حلفاءها الأوروبيين وأوكرانيا، فقد وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أوكرانيا في 19 يناير الجاري، ومنها سينطلق يوم الخميس 20 يناير إلى برلين لإجراء محادثات رباعية مع بريطانيا وفرنسا، وبعدها سينطلق للقاء مرتقب مع نظيره الروسي سيرجي لافروف يوم الجمعة 21 يناير.
تأتي هذه الزيارة في توقيت حرج، حاملة رسالتين في طياتها؛ الأولى لأوكرانيا وأوروبا والثانية لروسيا، أما عن الأولى فهي لدعم أوكرانيا أمام العدوان الروسي وهو الأمر الذي أكده بلينكن في مؤتمر صحفي حال وصوله أوكرانيا، حيث قال إن على أوكرانيا عدم إعطاء روسيا ذريعة للتدخل فيها، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب أوكرانيا ومستقبلها.
وأشار إلى أن روسيا تحاول بث الانقسامات داخل أوكرانيا لتقويض ديمقراطيتها، كما أشار بلينكن إلى شيء مهم للغاية، هو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن بنفسه طلب منه زيارة كييف للتأكيد على دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، وهذا يعتبر تحدياً واضحاً من بايدن لنظيره بوتين يعبر فيه عن مدى جديته في ما قاله سابقاً أن روسيا ستواجه عواقب وخيمة في حال فكرت في غزو أوكرانيا ويؤكد دعم أمريكا الكامل لأوكرانيا.
بيد أن توجه بلينكن إلى برلين لإجراء محادثات رباعية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ما هي إلا رسالة لأوروبا التي اضطربت علاقاتها مع الولايات المتحدة في عهد ترامب، ولاحقاً علاقاتها مع فرنسا بشأن غواصات أستراليا.
رسالة تفيد بأن الولايات المتحدة تقف مع حلفائها التقليدين أمام المد الروسي فلا يمكن لأمريكا أن تقبل أن تهدد روسيا أوروبا أو تفرض هيمنتها عليها بأي شكل من الأشكال، كما تعتبر هذه المحادثات بمثابة تخطيط إستراتيجي يهدف إلى ضمان وحدة الصف والموقف الغربي في مواجهة روسيا ولتنسيق الإجراءات ووضع خطط المواجهة في حال غزت روسيا أوكرانيا بالفعل.
أما عن الرسالة الثانية، فهي لروسيا ذاتها مفادها أن الولايات المتحدة حاضرة وبقوة ولن تسمح بأن يتكرر ما حدث في حرب جورجيا أو ما حدث في عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم رغماً عن أنف المجتمع الدولي، إذ تشير هذه الزيارة إلى أن أمريكا هذه المرة قد لا تكتفي بفرض العقوبات الاقتصادية القاسية فقط، إنما قد يصل بها الأمر هي وحلفاؤها الأوروبيون إلى مواجهات عسكرية حتى ولو كانت بشكل غير مباشر من خلال دعم أوكرانيا بالمال والعتاد والخبرات العسكرية اللازمة.
وقد ظهر هذا الدعم جلياً في بعض التقارير التي تشير إلى انتظار السلطات الأوكرانية من واشنطن الضوء الأخضر لتسليمها أسلحة حديثة وقوية، كما أكدت الولايات المتحدة تقديم 200 مليون دولار إضافية كمساعدات دفاعية لأوكرانيا هذا العام، الأمر الذي يدل على عزم واشنطن الوقوف وبقوة أمام روسيا في حال تم الغزو.
إجمالاً.. يبدو الوضع هذه المرة أكثر تعقيداً مما كان عليه في العام 2014، يرجع هذا لرغبة الاثنين الكبار في الهيمنة؛ فالولايات المتحدة ترغب في إعادة فرض هيمنتها على العالم وخصوصاً بعد الانسحاب المهين من أفغانستان وفشلها في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، نفس الأمر بالنسبة لروسيا العائدة من رماد الاتحاد السوفيتي كطائر الفينق الأسطوري، فهي ترغب أن تكون قوة عظمى تتحكم في مقدرات ومساقات النظام العالمي، يجعل صراع الهيمنة على مقاليد النظام الدولي الوضع أكثر تعقيداً وصعوبة فقد تَجُر روسيا العالم إلى حتفه في حال غزت أوكرانيا فقد يكون هذا الغزو شعلة البداية لحرب عالمية ثالثة.