هل من أمل في تراجع بنغلاديش عن انتهاكات حقوق الإنسان بعد اصطدامها بالعقوبات الأمريكية؟!

هل من أمل في تراجع بنغلاديش عن انتهاكات حقوق الإنسان بعد اصطدامها بالعقوبات الأمريكية؟!

 

كتب - باسم ثروت

 

اختتم الرئيس الأمريكي جو بايدن في ديسمبر الماضي، نسخته الأولى من قمة افتراضية نظمها حول الديمقراطية وسط جدل حول طبيعة المشاركين وجدال أكبر حول نتائجه، تعهد فيها الرئيس الأمريكي للمشاركين، بأن الديمقراطية لا تعرف حدوداً، حيث وصف الديمقراطية بكونها تتحدث كل اللغات، وتحيا بين الناشطين المناهضين للفساد وبين المدافعين عن حقوق الإنسان، وبين الصحفيين.

 

ولفت إلى أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب من يسمحون لشعوبهم بالتنفس بحرية ولا يخنقون شعبهم بقبضة من حديد، وجدد تأكيده أن العالم وصل إلى نقطة تحول في المواجهة بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات المهددة، وتعهد الرئيس الديمقراطي الانتماء بمبلغ 424 مليون دولار لدعم حرية الصحافة والانتخابات الحرة وحملات مكافحة الفساد.

 

بيد أن محاولة إعادة بلاده للعب دور شرطي الديمقراطي بعد حقبة دونالد ترامب، قوبلت بانتقادات كثيرة خاصة فيما يتعلق بلائحة الضيوف التي تضم حوالي 110 حكومة ومنظمة غير حكومية وشركة وجمعية خيرية اتهمت إدارة بايدن بأنها لائحة ضيوف لا تعتمد على الديمقراطية كأساس إنما على مصالحية أمريكا، فمثلاً تمت دعوة دول مثل باكستان وأوكرانيا لديهما سجل تشوبه الشبهات في مجال الديمقراطية، لكنهما شركاء إستراتيجيون للولايات المتحدة، ورغم تراجع الديمقراطية كثيرا في الهند والبرازيل، إلا أنهما دعيا للقمة، نظراً لأهميتهما السياسية للإدارة الأمريكية. 

 

وجاءت مخرجات هذه القمة على نحو غريب فقد فرضت عقوبات على بعض الأنظمة مثل بنغلاديش التي هي محضر حديثنا اليوم، فلم يكن معظم قادتها مستاءين بشأن عدم تلقي بلادهم دعوة لحضور قمة الديمقراطية التي عقدها الرئيس الأمريكي.

 

لكنهم وجدوا أنفسهم أمام وابل من العقوبات فرضتها الولايات المتحدة، بعد تلك القمة مباشرة، على سبعة من قادة كتيبة التدخل السريع (RAB)، وهي نسخة بنغلادش من قوة الشرطة النخبوية شبه العسكرية المسؤولة عن العديد من حالات الاختفاء أو الوفيات للمنشقين والمعارضين للحكومة على مدى العقد الماضي أو أكثر.

 

 كانت عمليات كتيبة التدخل السريع موضعا للعديد من التقارير الصادرة عن وكالات حقوق الإنسان الدولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، فضلاً عن تسجيلها سنوياً في التقرير السنوي لحقوق الإنسان الذي يصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية بشأن بنغلاديش.

 

الجدير بالذكر هنا، أن هناك بعض الغموض حول الدعم الذي تلقته كتيبة الدعم السريع من الولايات المتحدة التي تعد واحدة من أهم المساهمين في إنشائها، وبعض الحكومات الغربية الأخرى، وكذلك الهند، عندما تم إنشاؤه في عام 2004 كقوة لمكافحة الإرهاب.

 

ويجادل البعض بأن الكتيبة كانت ضرورة في ذلك الوقت، فقد كان الإرهاب في جنوب آسيا على رأس قائمة القضايا التي كان الغرب قلقاً بشأنها، وفي أجزاء أخرى من المنطقة، لا سيما في باكستان وأفغانستان، أدى الإرهاب إلى حركات تمرد تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي، لذا كان إنشاؤها جذاباً للحلفاء الغربيين لخدمة مصالحهم ومواجهة مخاوفهم في هذا الوقت. 

 

لكن دعونا ننظر كيف تحولت الكتيبة من كتيبة لمكافحة الإرهاب إلى كتيبة تنتهك حقوق الإنسان، بدأ الأمر في العام 2008، عندما تم انتخاب رابطة عوامي بأغلبية كبيرة، بعد الفترة العسكرية بين عامي 2007 و2008 وبدت هذه الانتخابات كمسار عودة إلى الديمقراطية كما اعتقد الكثيرون، قادة الرابطة المسار بحذر ولكن لا بعيد من الديمقراطية.

 

ففي الولاية الأولى، كان الهدف الرئيسي لرئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد هو التخلص من التعديلات المؤقتة على الدستور التي طالبت بها قبل عقد من الزمن، الأمر الذي كان سيضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة بشكل معقول.

 

لكن المعارضة قاطعت الانتخابات التالية بسبب إلغاء ذلك التعديل، حيث اتجه تحالف عوامى مع عدم وجود قيود على الغش إلى نصر كبير، فقد كانت الانتخابات الأخيرة بمثابة مهزلة جعلت من بنغلاديش دولة بحكم الأمر الواقع ذات حزب واحد، وبدأت في قمعها للمعارضين ووسائل الإعلام، وأي بادرة معارضة.

 

نتيجة لذلك أصبحت كتيبة التدخل السريع مفيدة للحكومة من عام 2008 فصاعدا، على الرغم من الازدراء الذي جلبته على بنغلاديش من وكالات حقوق الإنسان والمدافعين، نظراً لأن الكتيبة قد تم إنشاؤها كمنظمة لمكافحة الإرهاب، ومرخص لها بشكل غير رسمي باستخدام التكتيكات العنيفة للإرهاب ضد الإرهابيين المفترضين، فقد أصبحت بدلاً من ذلك وحدة إرهابية عنيفة ضد مواطني بنغلاديش الذين تم تصنيفهم على أنهم معارضون للحكومة، ووصفوا بالتالي بأنهم إرهابيون، وأصبحت الكتيبة العضلة الرئيسية لسلطوية الدولة من جميع النواحي.

 

يبقي التساؤل المطروح مقدماً: هل العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ستحدث أي فرق فيما إذا كانت بنغلاديش ستواصل اتجاهها السياسي نحو استبداد الحزب الواحد؟ وهل ستتحول العلاقات بين الولايات المتحدة وبنغلاديش إلى علاقة عدائية؟ 

 

الاعتقاد السائد هنا هو أن الشيخة حسينة قريبة جداً من هدف حياتها الذي تتمناه منذ عدة سنوات وهو الحكم الدائم لبنغلاديش من قبل عائلة "أبو الأمة الشيخ مجيب"، فكل قرار اتخذته على طول الطريق من عام 2008 حتى الآن يشير إلى هذا، من تأليه وتمجيد مجيب، إلى التدمير النهائي لحزب المعارضة الرئيسي، إلى إنشاء دولة الحزب الواحد.

 

هذا لا يعني أن بنغلاديش ستبقى إلى الأبد دولة استبدادية تحت حكمها هي وعائلتها، لكن الوضع على أرض الواقع يشير إلى أنها أغلقت البلاد بنجاح كبير لدرجة أن الخوف يسود بين المنافسين المحتملين على السلطة، وأن أدوات القمع فعالة للغاية بحيث لا يمكن لأي معارضة أن تتشكل بينما هي لا تزال في السلطة.

 

أما عن العلاقة بين الولايات المتحدة وبنغلاديش إذا كانت ستتدهور إلى عداء جدي أم لا؟ في هذه الحالة، العداء لا يعني العنف، لأن الولايات المتحدة ليست مهتمة بما يكفي ببنغلادش للجوء إلى العنف.

 

لدى الولايات المتحدة مصلحة جادة في إبعاد بنغلاديش عن براثن الصين، وهو الأمر الذي يخفف من حماسها نحو تعزيز الديمقراطية هناك، لكن ستبقي الديمقراطية البند رقم اثنين في أجندة الولايات المتحدة إذ لم يكن رقم واحد. 

 

 

 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية