من القاهرة تأبين رؤوفة حسن.. صوت الثورة اليمنية السياسية والاجتماعية والإعلامية
من القاهرة تأبين رؤوفة حسن.. صوت الثورة اليمنية السياسية والاجتماعية والإعلامية
لليمن السعيد نظرة خاصة للمرأة نظرًا لبيئته القبلية، ترى فيها الأنثى كنزا يُفضّل مواراته عن العيون، ولكن ثمة نظرية أخرى تقول ما المانع أن ينفع الكنز الناس ويحافظ على قيمته في آن واحد.
تلك النظرية آمنت بها ورسختها اليمنية الأشهر رؤوفة حسن، امرأة خاضت الأحلام الكبيرة والجهاد في الحياة بكل صعوباتها وتحدياتها بل ومخاطرها من أجل القضايا العامة، في وقت عصيب كانت تقذف فيه النساء اللواتي يخرجن للحياة العامة بماء النار.
ولكن كما كل شيء جميل يذهب سريعًا، انتقلت رؤوفة إلى جوار ربها في إبريل 2011، وفي ذكراها الثانية عشرة أحيا منتدى رؤوفة حسن الثقافي من القاهرة ذكراها بمشاركة جمع كبير من زملائها وطلابها والعديد من الأدباء والكتَّاب العرب، واستعرضت الفعالية عددا من الأفلام الوثائقية والشهادات المسجلة لزملاء الفقيدة التي أكدت أن سيرتها ستظل راسخة في أذهان الأجيال القادمة.
ولرؤوفة المرأة اليمنية ذات التعليم الباريسي، إسهامات هامة في إعادة تشكيل الحياة الاجتماعية والسياسية اليمنية ونقلها من بلد يناهض تطور المرأة إلى بلد يتطور بأيدي النساء، فأسست كلية الإعلام اليمنية ودربت العديد من الشابات والشباب من الجيل الجديد من الصحفيين والمتخصصين في الإعلام الذين حملوا شعلة الكفاح من أجل الحرية في اليمن.
ومع تفانٍ لا ينضب، أسهمت رؤوفة في إرساء مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق النساء في كافة المجتمعات العربية، فدافعت عن حقوق النساء اليمنيات والعربيات، معلنة حربًا ضد النظام الأبوي الذكوري الضارب بجذوره في المجتمعات العربية، مقدمة مثالًا حيًا على الإصرار والدأب كناشطة نسوية، وضعت المساواة الحقيقية بين النساء والرجال نصب أعينها، لقد امتدت جهودها المستميتة غير الرادعة إلى ما هو أبعد من حدودها الوطنية.
وكانت رؤوفة عضوة في أول مجلس أمناء للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية انتخبته الجمعية العمومية في القاهرة في عام 2009، كما كان لها دور بارز في إنشاء مركز الدراسات النسوية والأبحاث التطبيقية في جامعة صنعاء في عام 1969 ومركز دراسات النوع الاجتماعي بنفس الجامعة في عام 1993، وأدارت بكفاءة مؤسسة تخطيط التنمية الثقافية الذي استخدمته كقاعدة لتنظيم ورش العمل عن النوع الاجتماعي، وتدريب البرلمانيات وتسجيل النساء للتصويت، كما كانت قد نظمت قبل وفاتها سلسلة من النقاشات لإنشاء متحف وطني لليمن المعاصر.
وسبقت المنية الدكتورة رؤوفة قبل أن تنهي حلمها في إنجاز هذا المتحف الذي يحمل رؤية اجتماعية وسياسية متقدمة، تقدم صورة غير متحيزة عن تاريخ اليمن واليمنيين.
وتأتي فعالية تأبين الدكتورة رؤوفة حسن في ظل ما يشهده اليمن من حروب داخلية وواقع مؤلم، لتقدم بارقة أمل خاصة للنساء، ووفقًا لتيسير الشرقي رئيس منتدى رؤوفة حسن الثقافي تبرز فعاليات التأبين المشاريع المختلفة التي اشتغلت عليها المرحومة رؤوفة حسن، مثل متحف رداء الدولة والجندر ومشروع رائدات يمنية وغيرها من المشاريع.
من القاهرة حضرت "جسور بوست"، تأبينها وحاورت بعض زملائها وتعرفت على المنتدى الذي يحمل اسمها تكريمًا لها.
صوت الثورة
دائمًا ما وجدت الدكتورة رؤوفة حسن في طليعة ذوات الأحلام الكبيرة والاستماتة من أجلها.
ووفقًا لسيرتها الذاتية، صارت تنشغل بأكبر من حلم الحرية الشخصية وأن تنطلق مع الزخم العظيم الذي أحدثته الثورة اليمنية والتغييرات الجذرية من لحظة اقتلاع الحكم الإمامي الكهنوتي الاستبدادي المباد، وإقامة النظام الجمهوري القائم على أساس من حكم الشعب نفسه بنفسه وصياغة مجتمع الحرية والإخاء والمساواة، ومن أجل ذلك اختارت الراحلة طريق الكلمة سلاحًا قويًا فاعلًا لإيصال رسالتها ولأداء دورها، وبنفس تلك الثقة والإيمان بالذات.
وبخطورة هذه المسؤولية في خدمة أهداف الثورة اليمنية، التي احتلت الصدارة في وعيها وأولويات عملها خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان وقيم الإخاء والمساواة وحب الوطن والإنسانية، ولذلك أرادت أن تكون ومنذ الأيام الأولى لاقتحامها العمل الإعلامي عنصرا فاعلا في إعلام الثورة، وإعلام الجهاد الأكبر من أجل إعادة بناء الأسرة اليمنية الجديدة واجتثاث ميراث التخلف الرهيب الذي ظل جاثما على صدر الشعب لقرون عديدة، وبسطوة ثالوث الظلم والجهل والفقر والمرض وسياسة فرق تسد.
منتدى رؤوفة
تكريمًا لمسيرتها وعطائها أنشئ منتدى ثقافي يحمل إسهامها، ظل مقره في اليمن، وانتقل منذ بضع سنوات إلى مصر، يقدم تحت راية الفقيدة العديد من الأنشطة والخدمات الثقافية منطلقًا من حي المهندسين بجمهورية مصر العربية.
وفي ذلك تقول رئيسة المنتدى، تيسير الشرقي عن استمرار مسيرة أختها الفقيدة المرحومة رؤوفة حسن، يسهم المنتدى في نشر الثقافة الإبداع، وهو يعمل كمؤسسة ثقافية إبداعية عربية وليس يمنية فقط.
وعن رؤوفة قالت في تصريحات لـ"جسور بوست": “فقدت الجماعة العربية للعلماء الاجتماعيين وعلى رأسها المجلس العربي للعلوم الاجتماعية أحد أبرز رموزها الأستاذة الدكتورة رؤوفة حسن الشرقي عضوة مجلس أمناء المجلس، لقد أمضت رؤوفة سنوات عمرها الـ53 في رحلة طويلة كرست خلالها نفسها وجهودها من أجل دعم الحياة الأكاديمية وبصفة خاصة الإعلام وهو مجال تحصصها، ودفع النشاط النسائي والنهوض بمنظمات المجتمع المدني في اليمن والمنطقة العربية”.
وتابعت: “لقد كانت نجمة بكل معنى الكلمة خبيرة في الشؤون اليمنية وإحدى أبرز النساء اللاتي أثرين الحياة العامة في اليمن، فخاضت معارك عديدة من أجل دعم الدولة المدنية والديمقراطية قبل الوحدة بين شطري اليمن الجنوبي والشمالي، واستمرت في كفاحها بعد إعلان الوحدة من أجل إرساء مبادئ مجتمع مدني أكثر نشاطاً وحيوية، وعلى الرغم من أن مواقفها الجريئة وإصرارها على الحريات العامة، ولا سيما حرية الصحافة، قد وضعتها في مرمى النقد والهجوم، إلا أنها قد حازت احترام أعدائها وزملائها على حد سواء”.
وعن صفاتها تحدثت تيسير قائلة: "امتازت الراحلة بالشجاعة الأدبية في طرح رأيها والدفاع عنه، وعرفت بكونها شخصية مثيرة للجدل في أغلب آرائها وانتقاداتها لبعض الشخصيات والرموز والممارسات والآراء والقوانين والمصطلحات، وعرفت رؤوفة حسن باستقلالها التنظيمي وعدم انضمامها إلى أي حزب سياسي ولها آراء جريئة ومتميزة حول أهمية الاستقلالية، ما أكسبها شخصية فريدة وحضورا قويا في عدد من المحافل الإعلامية والاجتماعية الوطنية والعربية والعالمية.
لقد كانت رؤوفة قامة كبيرة وعالمة متمكنة في مجال الإعلام في علاقته بالتنمية، ومن بين الرعيل الأول من النساء اليمنيات اللاتي التحقن بهذا المجال وسخرت معارفها وخبرتها لوضع هذا التخصص على الخارطة الأكاديمية اليمنية كمجال معترف به من الدراسة والبحث، وقد أنشأت رؤوفة قسماً للإعلام في جامعة صنعاء الذي أصبح فيما بعد نواة لكلية الإعلام في الجامعة".
مفصلة: “من خلف جسدها النحيل ظهرت آراؤها القوية ومعرفتها الواسعة بالبلدان العربية وحالة العلوم الاجتماعية بها، وخلال الشهور القليلة التي سبقت وفاتها افتقد المجلس وجودها ومساهماتها البناءة، لقد افتقد المجلس بالذات مشاعرها القوية وقدرتها على إدارة الحوار بشكل موضوعي ورغبتها القوية في دفع المجلس العربي للعلوم الاجتماعية قدماً”.
وأتمت: "حينما ساءت حالتها وأصبح من المتعذر عليها حضور اجتماعات المجلس، كانت ترسل آراءها عن المسائل الحيوية التي تهم المجلس عبر الهاتف من سريرها بالمستشفى.. لقد تركتنا رؤوفة في وقت نجح فيه الشباب العربي -رجاله ونساؤه- في السيطرة على مقدرات حياتهم في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي طالما كافحت رؤوفة من أجلها.
لقد كانت رؤوفة تؤمن بالشباب العربي، تؤمن بطاقاته وقدراته، ومن نواحٍ كثيرة فإن هؤلاء الشباب وثوراتهم هم الميراث الذي تركته لنا رؤوفة".
سميرة موسى اليمن
وقال الأمين العام لاتحاد المؤرخين العرب، الدكتور طارق منصور: “لقد كانت فرصة طيبة لألقي كلمة عن الإعلامية الكبيرة، والكاتبة المتميزة د. رؤوفة حسن، التي ربما لا يعرف الكثير من المصريين من هي، ولا ماذا قدمت للمرأة اليمنية والمجتمع اليمني على مدار خمسين عامًا، حتى وافتها المنية عام 2011، يكفي أنها حملت رسالة الوطن بين ضلوعها، وهي تدرس الماجستير في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا وهي تدرس الدكتوراه في جامعة باريس”.
وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست": “رحلة كفاح خاضتها رؤوفة حسن من أجل رفعة الوطن، معلنة فيها عن المرأة اليمنية القادرة على بناء الوطن، إلى جانب الرجل، وتحرر المرأة اليمنية من قيودها القبلية، ذكرتني بسميرة موسى، وسهير القلماوي وغيرهما في مصر، رحم الله الفقيدة، صاحبة الأيادي البيضاء على الإعلام اليمني، والمجتمع النسوي في اليمن السعيد”.
رؤوفة في الإعلام
المرأة لا بد أن يكون لها دورها وأن تكون رقما في معادلة الحياة وإنتاجيتها واستقامتها، هذا ما آمنت به الدكتورة رؤوفة حسن ونشرته في عناوين ومحتوى برامجها في الإذاعة، بداية من برنامج الأسرة الذي كانت تعده وتقدمه، والتمثيليات العديدة التي كتبتها ومثلت فيها وغيرها، من البرامج ذات العناوين الواضحة والمحتوى الدقيق المباشر كبرنامج «الثورة الرائدة» و«سبتمبر والتحول الاجتماعي في اليمن» وغيرهما، ومثل ذلك يقال عن اتجاهات برامجها التلفزيونية في قناة اليمن التي انطلقت حديثا في 1975م في العاصمة صنعاء وهي ما تزال تدرس الثانوية.
وكما قيل عنها في وسائل الإعلام المختلفة، فرؤوفة نشرت رسالتها النسوية والثورية في كتابتها الصحفية أيضًا، مكرسة جانبا من جهودها في النشاط الثقافي والاجتماعي وفي حقول الشراكة الوطنية وفي محاولة فرض علاقات التكافؤ والندية مع أخيها الرجل انطلاقا من إذاعة صنعاء، وفي وزارة الإعلام والثقافة والشؤون الاجتماعية والعمل وفي المساهمة في الفعاليات الخارجية، فكانت من أوائل من تصدى للقيام بالمشاركة في النشاط الخارجي القومي والدولي عن المرأة اليمنية وتمثيلها ومساهمتها في ذلك قبل الوحدة، وبعدها وقبل نشاطها في قطاع المرأة الذي لم تحبذ الانخراط فيه في السنوات الأولى من حياتها العملية، حيث كانت لا ترى مبررا للفصل بين نشاط الجنسين، فلا فرق لديها بين الرجل والمرأة بالنسبة للعمل ولتحمل المسؤولية العامة في كافة الميادين، فالقاسم المشترك هو احترام العمل والتفاني في أداء الواجبات كبيرة كانت أو صغيرة من كل العاملين والمسؤولين، رجالا كانوا أو نساء، وبمعيار واحد هو المساواة في الحقوق والواجبات.
ووفقًا لسيرتها، جاء دورها في دعم الدراما الإذاعية في تأسيس المسرح الوطني من هذا المنطلق، ومن أجل سد فراغ كبير في هذا الجانب البكر من الحياة الثقافية اليمنية، في شمال الوطن ولتلبية احتياج خطير لا بد منه لإقامة هذا الفن الإبداعي الجبار على قدميه، باعتباره مدرسة شعبية ومرآة مجسدة لصورة المجتمع المتكامل غير المشقوق، فمن إذن يقوم بدور المرأة في الأعمال المسرحية التي تحمل هذه الرسالة الخالدة.
فكانت رؤوفة واحدة من تلكم الرائدات في هذا المجال الذي لم تتشجع المرأة لاقتحامه في ذلك الوقت العصيب في جموده الاجتماعي، فكان لها ما أرادت ومثلها في ذلك أخوات أخريات في عدن وتعز والمكلا والحديدة، رحمها الله.