لاجئون سوريون يخشون الترحيل من تركيا.. لم يعد لدينا شيء لنعود من أجله
لاجئون سوريون يخشون الترحيل من تركيا.. لم يعد لدينا شيء لنعود من أجله
تترقب قمر عقاد، اللاجئة السورية، نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقررة في 14 مايو بالكثير من القلق، فهي -كأغلب السوريين في تركيا- تخاف من تهديدات المعارضة بترحيل كل اللاجئين إذا نجحت في الوصول إلى الحكم.
"لم يعد لدي شيء لأعود إليه في سوريا"، تقول قمر التي فرت مع زوجها إلى إسطنبول في عام 2013.
في منزلها حيث تقيم مع زوجها وطفلتيها التوأم اللتين لم تكملا عامهما الثاني بعد تقول: "أمضيت هنا عشر سنوات كاملة وأنجبت بناتي هنا،" وفق شبكة "بي بي سي".
تعيش قمر، ابنة مدينة حلب السورية، في تركيا بمقتضى حماية مؤقتة تمنحها الحكومة التركية للاجئين السوريين، ورغم طول الفترة التي قضتها في البلاد، لا يزال وضعها القانوني هشا، وتمثل حالتها أغلب السوريين في تركيا.
فمع احتدام المعركة الانتخابية بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ومرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، تصاعد الخطاب المعادي لوجود اللاجئين، وخاصة السوريين في تركيا، وتحول ملف اللاجئين لقضية أساسية في الحملات الانتخابية لكل المرشحين.
ومنذ اندلاع الحرب في سوريا استضافت تركيا نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري.
ترحيل مفاجئ
تعهد مرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية، كمال كليجدار أوغلو، بترحيل اللاجئين خلال عامين إذا أصبح رئيسا، أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فاتخذ مؤخرا عدة خطوات لاستئناف العلاقات مع دمشق، وربما يؤدي هذا التقارب للتوصل إلى اتفاق يعيد السوريين إلى سوريا.
وتوضح قمر: "أخشى أن يتم ترحيلنا بشكل مفاجئ، ماذا سأفعل حينها؟ ماذا سيحل بي وببناتي؟ إذا عدت إلى سوريا، سأبدأ من الصفر".
لا تتوقف ابنتا قمر عن الضحك واللعب، فهما مفعمتان بالطاقة والحيوية، وتخبرني أنها تطمئن لبقائها في إسطنبول بسبب جودة الخدمات الطبية بشكل خاص، إذ تتوفر للطفلتين رعاية صحية مناسبة.
لكنها تتمنى أيضا أن تحصل على الجنسية التركية "كي لا أظل أفكر في احتمالية التعرض للترحيل"، تقول قمر.
وتضيف: "آمل أن يفوز الرئيس أردوغان، فربما يمنحنا الجنسية، لكن المعارضة تريد أن تخرجنا من هذا البلد".
ويعاني الكثير من اللاجئين السوريين من تدني مستوى المعيشة وصعوبة الحصول على وظائف ذات دخل مرتفع، فضلا عن تعرضهم لما يصفونه بالممارسات العنصرية من بعض المواطنين الأتراك التي تصل أحيانا للتجاوز اللفظي أو الاعتداء الجسدي.
عودة طوعية
ترتبط تركيا بعدة اتفاقيات دولية تلزمها بحماية اللاجئين، وهو ما يجعل من الصعب تنفيذ تعهدات المعارضة بالترحيل الجماعي لكل اللاجئين.
ورحلت السلطات التركية في الآونة الأخيرة أعدادا من اللاجئين السوريين في إطار ما سمته "بالعودة الطوعية" إلى "المناطق الآمنة" في شمال سوريا، بعيدا عن سيطرة السلطات السورية.
وبحسب تصريحات لوزارة الداخلية التركية في أكتوبر الماضي، عاد أكثر من نصف مليون سوري إلى بلادهم بشكل طوعي، بينما رحلت السلطات التركية ما يقرب من 20 ألفا بسبب "قضايا أمنية".
لكن منظمات حقوقية مثل هيومان رايتس ووتش اعتبرت هذه الإجراءات انتهاكا للقانون الدولي، إذ تحدثت سابقا عن "ترحيل قسري" لمئات السوريين في عام 2022.
كارت انتخابي
يرى بعض ممن التقيناهم من السوريين أن قضيتهم تحولت إلى "كارت انتخابي" لكسب الأصوات، خاصة في ظل وضع اقتصادي متأزم تعيشه تركيا حاليا، إذ تبلغ نسب التضخم الرسمية نحو خمسين في المئة.
يقول محمد عياش، الذي يقيم في تركيا منذ ثلاث سنوات: "هناك حملة انتخابية بأكملها قائمة على اللاجئين السوريين وكأنهم مشكلة تركيا الوحيدة".
يستبعد عياش، الذي يعمل بالتجارة، أن يتم ترحيله لأنه يحمل إقامة قانونية في تركيا، يدرك أن السلطة الحالية رحلت بالفعل بعضا من اللاجئين في الآونة الأخيرة لكنه يرى أن وصول المعارضة للحكم "بما تتبناه من خطاب تحريضي، سيرفع نسبة الاحتقان في الشارع".
ويؤكد أن فكرة الترحيل الجماعي لملايين السوريين غير واقعية على الإطلاق.
ويتساءل "هل يمكن، مثلا، إحضار حافلات لإعادة كل السوريين إلى سوريا؟ هذا أمر غير وارد، فالكثير من السوريين هنا لديهم تصاريح عمل وروابط عائلية في هذا البلد".
ويخبرني أنه تعرض لبعض العبارات المسيئة في الشارع لكنه يحمل مسؤولية ذلك لبعض الساسة الأتراك الذين يرجعون كل أزمات تركيا لوجود اللاجئين، "أسمع عبارات مثل: ماذا تفعل هنا؟ لماذا لا تعود إلى بلدك؟!".
الجنسية التركية
لم تنجح إلا شريحة صغيرة من اللاجئين السوريين في الحصول على الجنسية التركية، منها مؤنس عقاد الذي يعمل في التطوير العقاري، وصل لتركيا قبل عشر سنوات وحصل على الجنسية منذ أربع سنوات، وسيدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كمواطن تركي لأول مرة.
ويقول إنه "شعور لا يوصف عندما تدرك أن صوتك كإنسان له قيمة ويمكن أن يحدث تغييرا، ولم نكن ننعم بهذا الشعور في سوريا، بدأنا، الآن، نشعر بقيمتنا كبشر".
يرى عقاد أن ترحيل اللاجئين سيضر بالاقتصاد التركي المتأزم بالفعل، ويوضح "عندما تم ترحيل بعض اللاجئين في الشهور الأخيرة، بدأ أصحاب المصانع الأتراك يحتجون لأن هناك فئات كاملة من العمال رحلت ولم يعد هناك من يعمل في تلك المصانع".
ويتحدث أيضا عن رد فعل محتمل للمجتمع الدولي، الذي لن يقبل هذا الترحيل، إذا تم، ويرى أنه في حال أجبر السوريون على أن يتركوا تركيا، فإنهم لن يعودوا، بأي حال من الأحوال، إلى سوريا، وفق ما يراه، لكنهم "سيتجهون إلى أوروبا، فأي ترحيل إجباري باتجاه سوريا ستنتج عنه موجة لجوء جديدة إلى أوروبا".
وبحسب تقرير لوزارة الداخلية التركية، صادر في ديسمبر الماضي، حصل أكثر من مئتي ألف سوري على الجنسية التركية خلال الأعوام الماضية، بينهم نحو 130 ألفا سيصوتون في انتخابات هذا العام.
ويأمل كثير من السوريين هنا أن تهدأ النبرة المعادية لهم بمجرد انتهاء الانتخابات.