أطفال لاجئي الروهينغا محاصرون في دائرة الفقر والمرض
أطفال لاجئي الروهينغا محاصرون في دائرة الفقر والمرض
يعاني لاجئو الروهينغا أزمات متعددة بجانب أزمتهم الرئيسية في نزوحهم قسرا من وطنهم وعدم الاعتراف بهم كمواطنين، تتمثل في انتشار الفقر والأمراض، ما يزيد من آلامهم ومعاناتهم الإنسانية.
أحد هؤلاء اللاجئين طفل يدعى أنور صادق عندما ولد في مخيم للاجئين في بنغلاديش عام 2017 لم تجد أمه محسنة ما تدثره به سوى قطعة قماش قطنية رفيعة، كانت تحتضن رضيعها النحيف داخل خيمة مهلهلة منصوبة على قطعة أرض فارغة، وفق شبكة "بي بي سي".
بعد خمس سنوات، لا تزال الحياة صعبة بالنسبة لذلك الصبي الصغير الذي جاء إلى العالم في ظروف خطرة تفتقر إلى الاستقرار.
إنه واحد من نصف مليون طفل يكبرون هنا وسط الجوع والمرض والمعاناة، ولا توجد أي بوادر على تحسن الأوضاع، الأطفال في هذا المخيم لا يتلقون أي تعليم رسمي، ولا يوجد أمامهم فرص تذكر في الحصول على وظيفة.
ولد أنور في حياة محفوفة بالفوضى والمخاطر، كان والداه الشابان من بين أعداد غفيرة من الروهينغا الذين دفعهم الخوف إلى النزوح من قراهم خاويي الوفاض.
قالت محسنة: "كنت أظن أنني سألده في عالم جميل مسالم، لكن هاأنذا في مخيم للاجئين، وإنه ليس بالمكان الجميل على الإطلاق".
يعيش نحو مليون شخص هنا في الوقت الحالي، محاطين بالأسلاك الشائكة، معزولين عن العالم الخارجي.
لقد فروا من قوات جيش ميانمار المتهمة بتنفيذ عمليات قتل واغتصاب وتعذيب منظمة ضد الأقلية الروهينغا، وقد وصفت الولايات المتحدة العام الماضي ما اقترفته تلك القوات بأنه إبادة جماعية.
وبما أن هذا الجيش ذاته هو الذي يدير البلاد حاليا، منذ انقلاب عام 2021، فإن فرصة اللاجئين الروهينغا في العودة ضئيلة للغاية.
في عام 2017، كانت الأسرة تعيش في مكان مفتوح، بدون عنوان ثابت، الوضع لم يتغير كثيرا، ولا تمتلك الأسرة حتى هاتفا محمولا.
أصبح أنور اليوم صبيا خجولا واسع العينين، يتشبث بأمه معظم الوقت، حيث يسند رأسه على حجرها ويمسك بغطاء رأسها.
أصبح لديه الآن شقيقتان، صادقة التي تبلغ من العمر عامين، وألمار روفا التي اقتربت من عامها الأول.
ورغم أن الأسرة لم تعد مضطرة إلى العيش في خيمة من القماش، فإن ما لديهم الآن ليس أفضل كثيرا.. فهم يقيمون في كوخ صغير مكون من غرفة واحدة ولا توجد به نوافذ يدخل منها الضوء، ليس لديهم مراوح للتلطيف من حرارة الجو ورطوبته، كما لا يوجد الكثير من وسائل التهوية.
لا يوجد سرير ينام عليه أنور وشقيقتاه، فقط حصيرة تبرعت بها الأمم المتحدة لا تكاد تخفف من صلابة الأرضية الإسمنتية، لا يمتلكون سوى بضعة أشياء أعطتها لهم وكالات الإغاثة - بعض الأواني المعدنية والملابس المعلقة على حبل غسيل.
تقول محسنة: "في ميانمار، كان لدينا منزل كبير متين مصنوع من ألواح خشبية، وكنا نمتلك قطعة أرض ونزرعها لكسب قوتنا".
كان عمرها 15 عاما فقط وكانت حاملا في شهورها الأخيرة عندما فرت من جيش ميانمار في عام 2017 مع زوجها نور الحق.
قتل عمها رميا بالرصاص وهو يصطاد السمك، وكانت محسنة تخشى أنه إذا لم تغادر أسرتها البلاد بسرعة فإنها ستلقى المصير نفسه.
سارت محسنة لأيام وهي حافية القدمين وكاحلاها متورمان، وبينما كانت على وشك عبور النهر للوصول إلى دولة بنغلاديش المجاورة، جاءها المخاض.
انقلب القارب الخشبي البالي الذي كانت على متنه، وظنت محسنة أن جنينها سوف يغرق، لكن زوجها أنقذ حياتهما.
واصل الزوجان المنهكان السير إلى أن وصلا مستشفى قريبا من الحدود، وضعت فيه محسنة طفلها أنور.
من المذهل أنهم جميعا نجوا، لكن بعد بضعة أسابيع، عادت محسنة إلى المستشفى نفسه القائم على مقربة من المخيمات، وكانت تخشى أنها ربما ستفقد أنور.
فقد أصيب بالحمى وكان قلبه يخفق بسرعة كبيرة ولم يكن يكف عن السعال، قال الأطباء إنه يعاني من التهاب رئوي.
لا يكاد يمر أسبوع واحد بدون أن يمرض أنور وشقيقتاه.
ظروف الأطفال المعيشية في المخيم مزرية وغير صحية، فهم يلعبون إلى جانب أكوام القمامة، ويستنشقون الأبخرة ذات الرائحة النفاذة المتصاعدة من مياه الصرف الصحي السوداء الكثيفة.
وفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، يولد 30 ألف طفل في المخيم كل عام، لكن هذا المكان غير مناسب للأطفال، أكثر من نصف هؤلاء الذين تقل أعمارهم عن خمسة أعوام يعانون من فقر الدم (الأنيميا)، بينما يعاني أربعون في المئة منهم من توقف النمو.
يقول الدكتور تنوير أحمد من منظمة أطباء بلا حدود الخيرية: "يعيش الأطفال في أماكن غير صحية وغير نظيفة ومكتظة، وهو ما يؤدي إلى إصابتهم بمختلف الأمراض المعدية".
ورغم جهود المنظمات الخيرية، يقول الدكتور أحمد إن أطفال الروهينغا محاصرون في دائرة المرض، حيث يمرضون، ويعالجون ثم يعودون إلى نفس الأوضاع غير الصحية في المخيم، فيمرضون ثانية.
كما أن نقص الأطعمة المغذية عامل رئيسي، تقول محسنة: "أحيانا يكون هناك ما نأكله، وأحيانا لا يكون هناك أي طعام".
يعتمد لاجئو الروهينغا بشكل شبه كامل على وكالات الإغاثة في الحصول على الغذاء، حيث يتلقون قسيمة طعام ثابتة كل شهر يستبدلونها في مركز توزيع الغذاء التابع للأمم المتحدة لشراء سلع أساسية مثل الأرز والدجاج والخضروات والعدس.
وخلال الشهر الماضي، خُفضت مساعدات الغذاء التي يعتمد عليها اللاجئون من 12 دولارا إلى 10 دولارات شهريا، وفي يونيو، سوف تتقلص مرة أخرى إلى 8 دولارات فقط، يقول برنامج الغذاء العالمي إنه اضطر إلى ذلك بسبب انخفاض التمويل الدولي، حيث شكلت الحرب في أوكرانيا عبئا كبيرا على ميزانيات الإغاثة والمعونات التي يقدمها كبار المتبرعين مثل الولايات المتحدة.
لقد نفد طعام محسنة هذا الشهر بالفعل، فالعلب البلاستيكية التي كان ينبغي أن تكون ممتلئة بالأرز والعدس والسكر والتوابل جميعها فارغة، ولم يتبق سوى نصف علبة من الملح وثمرة ثوم واحدة.
وإلى أن تحصل الأسرة على مؤنة الغذاء التالية، ليس لديها ما تأكله سوى كمية ضئيلة من كاري الدجاج والسمك المخزن منذ أيام في قدر معدني، وقد تضطر إلى اقتراض بعض الطعام من أسر أخرى.
تقول محسنة: "نشعر باستمرار بالقلق لأننا لا نعرف كيف سوف نواصل الحياة، كيف يمكننا أن نكسب قوتنا ونعيل أسرتنا؟".
أحيانا يتمكن زوجها نور الحق البالغ من العمر 22 عاما من الحصول على عمل لبضعة أيام فقط كل شهر، حيث يقوم بأعمال شاقة أو ينظف بالوعات تنبعث منها روائح كريهة، لكنه يضطر إلى الجلوس في كوخه في معظم الأيام.
عندما ضرب إعصار موكا المخيم، سقطت شجرة صغيرة فوق كوخهم، ما أدى إلى انحناء جزء من هيكل البامبو الضعيف.
وفيما يعد دلالة على سرعة تكيف اللاجئين الروهينغا مع الأوضاع الصعبة، تمكن نور الحق من إصلاح الكوخ بعد ساعات من هدوء العاصفة.
لكن اللاجئين غير مسموح لهم بمغادرة المخيم للعمل، والأعمال المتاحة داخله قليلة للغاية، فنحو 95 في المئة من شباب المخيم عاطلون عن العمل، وفق تقرير صدر عام 2022 عن المركز النرويجي للاجئين.
تحظر بنغلاديش أي نوع من الاختلاط بين اللاجئين والمجتمع المحلي، بل ولا تسمح بتعليم اللاجئين الروهينغا اللغة أو المناهج المحلية.
وبعد استضافة اللاجئين على مدى خمس سنوات، تريد حكومة بنغلاديش الآن إعادتهم إلى ميانمار بأسرع وقت ممكن، لكن اللاجئين الروهينغا يقولون إنهم لن يعودوا إلى ميانمار إلا إذا حصلوا على ضمانات بشأن سلامتهم، وفي ظل استمرار الحرب الأهلية هناك، لا يرجح أن يتم الوفاء بذلك المطلب.
يقول نور الحق: "لا أريد أن يعاني ابني مثلما عانيت.. أريد أن يتعلم ويعمل".