العجز الليبي.. وما هو أبعد من الانتخابات
العجز الليبي.. وما هو أبعد من الانتخابات
باسم ثروت
تٌعد الأزمة الليبية أحد أكثر الأزمات التي تعكر صفو الدول العربية، وبخاصة مصر حيث تعد ليبيا امتداداً لأمنها القومي والحد الغربي لها، فلم تدخر أي جهد لوضع ليبيا على الطريق الصحيح ودائماً تقدم الدعم وتستضيف الاجتماعات والمجالس حتى ترسو ليبيا على رصيف الاستقرار، وقت سابق استطاع الليبيون الوصول إلى اتفاق مبدئي حول إجراء انتخابات، بمجهودات مصر والأطراف الدولية والإقليمية الأخرى خاصة مبعوثة الأمم المتحدة ستيفاني وليم.
التي تم تعيينها، المستشارة الخاصة للأمم المتحدة بشأن ليبيا، لحل الأزمة الليبية في مارس 2020،حيث أشرفت على وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020 الذي يستمر حتى الآن، كما أنها جعلت جميع الأطراف يوافقون على إجراء الانتخابات، لكن في يناير 2021، استبدلت وحل مكانها جان كوبيس.
الذي في عهده، لم يتم حل أي من العقبات الموضوعية لضمان إجراء الانتخابات، ثم أُعيدت ويليامز إلى منصبها قبل أسبوعين من الميعاد المقرر للانتخابات، في 12 ديسمبر، وأخذت تتنقل بين اللاعبين السياسيين المختلفين في محاولة للتوصل إلى حل وسط وإجراء الانتخابات لكن للأسف فشلت مساعيها.
ففي 21 ديسمبر 2021، وقبل يومين من الموعد المفترض لانتخاب الليبيين رئيساً يمكنه أخيراً توحيد الصفوف، أجلت لجنة الانتخابات الليبية التصويت، وبدا العنف على أعتاب العاصمة طرابلس.
فاستخدمت المليشيات غير الحكومية أكياس الرمل والشاحنات الصغيرة المزودة بمدافع رشاشة لإنشاء حواجز على الطرق، تم إغلاق الكليات والجامعات تحسباً لحدوث مشاكل، وحذرت الأمم المتحدة من أن البلاد تخاطر بفقدان فرصة إنهاء الصراع الذي عصف بالبلاد منذ الانتفاضة ضد معمر القذافي في 2011.
لكن ترى ما الذي جعل لجنة الانتخابات الوطنية تؤجل الانتخابات؟
بيد أن الانتخابات بدل أن تكون الحل أضحت المشكلة، وربما أدت إلى تعقيد الأمور، فلم يتم قبول قانون الانتخابات الحالي من قبل جميع المشاركين، عطفاً على الخلافات المستمرة حول أهلية بعض المرشحين وسلطات الرئيس والبرلمان في المستقبل.
ولنفترض أجريت الانتخابات كما كان مقرراً في 24 ديسمبر، فهل كانت جميع الأطراف ستقبل شرعيتها، الاعتقاد السائد أن تكون هناك اشتباكات بين الجماعات السياسية والفصائل العسكرية المتنافسة، والتي كان من الممكن أن تغرق البلاد في أزمةقد تعصف بها إلى الهاوية.
وفي ظل الغياب المستمر للدستور أو حتى الاتفاق على المبادئ السياسية الأساسية اللازمة لخلق حالة وحدة الصف، كان من الممكن أن تكون الانتخابات بمثابة مطرقة سياسية تم تسليمها إلى واحد من العديد من المطالبين المتنافسين بالسلطة فيستخدمها ضدهم للتخلص منهم وينفرد بمقاليد السلطة وحده.
كما أن المشهد على الأرض يوضح انقسام ليبيا بين مناطق شرقية وغربية يهيمن عليها خليفة حفتر والقوات الغربية المدعومة من تركيا، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الميليشيات، أما المرشحون الآخرون الذين خرجوا من هذا المشهد الممزق بالكاد يتوحدون.
لذا بقي ثلاثة من أقوى المرشحين هم الأكثر إثارة للخلاف (حفتر – الدبيبة – سيف الإسلام القذافي)، حيث تبقى الشرعية القانونية لهم محل نزاع، وقد كان بإمكان كل منهم استخدام الانتخابات لشق طريقه نحو عصر آخر من الاستبداد.
فقد اعتمد هؤلاء الثلاثة ومؤيدوهم على إقصاء أو تراجع منافسيهم لتحسين فرصهم لكن في النهاية، لم يتراجع أي منهم، لكنهم أدركوا في النهاية أنهم سيخوضون الانتخابات ضد أعدائهم ويخاطرون بالخسارة ضدهم، فاختاروا تجميد العملية.
وبعد قرار تأجيل الانتخابات أوصت اللجنة الوطنية العليا للانتخابات بإجراء الانتخابات بعد شهر، في يناير 2022، الأمر الذي رفضه البرلمان على الفور، معللاً بأن إجراء انتخابات لا فائدة منه حتى يتم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن الخلافات الرئيسية، وقد يعني هذا تأجيل إلى أجل غير مسمى لأن المشكلة الأساسية في ليبيا المنقسمة هي أنه لا يوجد فصيل يريد التنحي واعتناق عملية ديمقراطية حقيقية.
اجمالاً.. بعد قرار تأجيل الانتخابات يلوح في الأفق أكثر ما يثير القلق وهو تقسيم ليبيا، حيث قد يتم تقسيم البلاد إلى ثلاث مناطق تتمتع كل منها بالحكم الذاتي، كما كان الحال خلال الحقبة الاستعمارية.
يتناسب هذا التوجه مع الرجال الثلاثة (حفتر، دبيبة، سيف الإسلام)، الذين يقبضون على خناق البلد رهينة لطموحاتهم، لكن تظل الفكرة غير واقعية وصعبة التطبيق فمن منهم سيتنازل أو سيقبل تقسيم عائدات النفط التي هي المورد والمطمع الرئيسي لكل الطامعين سواء من الداخل الليبي أو الخارج .
في النهاية، نأمل ان يغلب ثلاثتهم المصلحة العليا للوطن فوق مصالحهم الشخصية ويتجهون نحو بناء دولة مؤسسات ديمقراطية تسع الجميع.