الحرب على الكارتلات.. واشنطن تتجاهل حظر القانون الدولي استخدام القوة خارج الحدود

تنتهك مبدأ السيادة وحق الشعوب في تقرير مصيرها

الحرب على الكارتلات.. واشنطن تتجاهل حظر القانون الدولي استخدام القوة خارج الحدود
الحرب على الكارتلات - أرشيف

بدا أن التاريخ يعيد نفسه في نصف الكرة الغربي، فبعد أن أعلنت إدارة أوباما قبل عقد من الزمن طي صفحة مبدأ مونرو، الذي كرّس لعقود التفوق العسكري الأمريكي في الأمريكتين، جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستخدام القوة العسكرية ضد كارتلات المخدرات في أمريكا اللاتينية ليوقظ ذاكرة تاريخية مثقلة بـ"الذكريات المريرة"، عن الانقلابات المدعومة أمريكيًا، والاحتلال العسكري، والتدخلات المباشرة التي غيّرت مسار دول وشعوب.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد أصدر ترامب توجيهًا للبنتاغون يسمح بتنفيذ عمليات عسكرية في البحر وعلى الأراضي الأجنبية ضد الكارتلات التي صنّفتها إدارته كمنظمات إرهابية، ويشمل هذا التصنيف خمس كارتلات مكسيكية قوية، إضافة إلى مجموعات في فنزويلا ودول أخرى.

تثير هذه الخطوة –التي رحّب بها بعض المسؤولين الأمنيين الأمريكيين– مخاوف عميقة في المنطقة من عودة التدخلات العسكرية التي شهدتها خلال القرن العشرين.

وفي تصريحات نقلتها "الغارديان"، رفضت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم أي احتمال لدخول قوات أمريكية إلى بلادها، مؤكدة أن التعاون الأمني قائم، لكنه لن يتجاوز الخط الأحمر المتمثل في السيادة الوطنية، وقالت بلهجة حاسمة: "لن تأتي الولايات المتحدة إلى المكسيك بجيشها.. الأمر غير وارد بتاتًا".

البنتاغون يدرس السيناريوهات

وفقًا لما نشرته "واشنطن بوست"، فإن وزارة الدفاع الأمريكية تدرس منذ مطلع العام خيارات تشمل شن ضربات بحرية وجوية باستخدام المدمرات والطائرات بدون طيار لاستهداف قادة الكارتلات وبناها التحتية، وبينما استبعدت الإدارة نشر قوات برية على الأراضي المكسيكية، حذّر مسؤولون سابقون من أن مجرد استعراض القوة بهذا الشكل قد يأتي بنتائج عكسية، ويضر بالعلاقات مع المكسيك، التي تُعد الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة.

ويمتد تاريخ التدخلات الأمريكية في أمريكا اللاتينية –كما توثقه نيويورك تايمز – من الحرب المكسيكية الأمريكية في القرن التاسع عشر، مرورًا بالانقلابات المدعومة أمريكيًا في غواتيمالا وتشيلي والبرازيل، وصولًا إلى الاحتلالات العسكرية في كوبا وهايتي وجمهورية الدومينيكان، هذه التدخلات لم تكن، في الغالب، لأسباب إنسانية أو أمنية بحتة، بل لحماية مصالح اقتصادية أمريكية كبرى.

وفي هذا السياق، يقول المؤرخ آلان ماكفيرسون إن السيادة الوطنية وعدم التدخل أصبحتا من القيم الجوهرية لشعوب المنطقة، وإن أي عودة إلى التكتيكات القديمة ستقابل بمقاومة سياسية وشعبية واسعة.

البعد الحقوقي والقانوني

يطرح قرار ترامب إشكاليات خطيرة تتعلق بمدى مشروعية استخدام القوة العسكرية خارج الحدود بذريعة مكافحة المخدرات، فالتصنيف الإرهابي للكارتلات، وإن كان يمنح الحكومة الأمريكية أدوات قانونية أوسع، إلا أنه يفتح الباب أمام عمليات أحادية الجانب قد تنتهك مبدأ سيادة الدول، وهو أحد المبادئ الراسخة في القانون الدولي.

كما أن تجارب الماضي تشير إلى أن مثل هذه العمليات كثيرًا ما تؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين، وإلى تفاقم الأوضاع الأمنية بدلاً من تحسينها، وهو ما حذرت منه رئيسة مرصد أمريكا الشمالية في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، سيسيليا فارفان مينديز، في تصريحات لـ"الغارديان".

ولم تقتصر المخاوف على المكسيك، إذ أشارت "نيويورك تايمز" إلى أن فنزويلا تُعد من الدول المعرّضة لاستهداف مباشر، خاصة بعد أن ضاعفت واشنطن مكافأتها المالية لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال الرئيس نيكولاس مادورو، الذي تتهمه الإدارة الأمريكية بالارتباط بعصابات دولية، مادورو ردّ باتهام الولايات المتحدة بمحاولة "إشعال الحروب" والتلاعب بسيادة بلاده.

وبحسب "الغارديان"، تأتي هذه التطورات في وقت حساس للعلاقات الأمريكية المكسيكية، حيث يجري البلدان مفاوضات بشأن اتفاقية تعريفات جمركية واتفاقية أمنية جديدة، ويخشى محللون من أن أي عمل عسكري أحادي سيؤدي إلى انهيار التعاون الأمني القائم منذ سنوات، ويدفع المكسيك لإعادة النظر في جدوى شراكتها مع الولايات المتحدة.

تحديات التنفيذ في الداخل

حتى داخل الولايات المتحدة، قد تواجه خطوة ترامب عقبات قانونية، إذ يشكك خبراء في قدرته على تنفيذ عمليات عسكرية خارجية دون موافقة الكونغرس، لكن، كما علّق مسؤول أمني سابق لـ"الغارديان" قائلا: "هذا لا يبدو أنه يزعجه".

بينما يروج البيت الأبيض لهذه الخطوة باعتبارها دفاعًا عن الأمن القومي ومكافحة تهريب الفنتانيل القاتل، يرى محللون نقلت عنهم "واشنطن بوست" أن جزءًا من الأمر يتعلق بالرسائل السياسية والضغط الإعلامي، خاصة في ظل تراجع معدلات ضبط الفنتانيل بالولايات المتحدة منذ منتصف 2024.

كما أن المشهد الإجرامي في المكسيك بات أكثر تعقيدًا، حيث لم تعد هناك كارتلات مركزية فقط، بل أكثر من 500 جماعة إجرامية ذات أنشطة متشعبة تشمل الابتزاز والتعدين غير القانوني وحتى السيطرة على الحكومات المحلية.

وفي النهاية، ينذر إعادة تفعيل منطق التدخل العسكري في أمريكا اللاتينية تحت مسمى “الحرب على المخدرات” بفتح فصل جديد من الصراع بين حماية الأمن القومي واحترام سيادة الدول، فكما تثبت سجلات التاريخ فإن هذه التدخلات غالبًا ما تخلف وراءها مزيجًا من الأزمات السياسية، والانقسامات الداخلية، وانتهاكات حقوق الإنسان، لتترك الدول المستهدفة في وضع أضعف مما كانت عليه قبل التدخل.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية