ارتفاع معدّل التضخم في بريطانيا يعرقل مساعي حل أزمة تكاليف المعيشة
ارتفاع معدّل التضخم في بريطانيا يعرقل مساعي حل أزمة تكاليف المعيشة
بقي معدل التضخم السنوي في بريطانيا عند مستوى غير متوقع، حيث بلغ 8,7 في المئة في مايو، وفق ما أظهرت بيانات رسمية، الأربعاء، ما يفاقم الضغط على بنك إنجلترا والحكومة للتحرّك لحل أزمة تكاليف المعيشة.
وتوقعت الأسواق تراجعا عن مستويات إبريل، بينما يتوقع كثيرون بأن يرفع بنك إنجلترا معدلات الفائدة مجددا، الخميس، لكبح جماح معدل التضخم الذي يعد الأعلى من بين دول مجموعة السبع، بحسب فرانس برس.
تمثّل البيانات الأخيرة ضربة أيضا لرئيس الوزراء ريشي سوناك الذي جعل من خفض التضخم أولوية لحكومته المحافظة قبيل الانتخابات العامة السنة المقبلة.
وأقر سوناك في تصريحات أدلى بها أمام البرلمان بعد صدور البيانات الأخيرة بأن "التضخم هو ما يؤدي إلى تآكل مدخرات الناس ويرفع الأسعار ويزيد من فقرهم في نهاية المطاف".
وتابع: "اجتثاث التضخم ليس أمرا سهلا على الإطلاق، لكننا سنتخذ القرارات الصعبة والمسؤولة للقيام بذلك".
وتقاوم الحكومة مطالب المدرّسين والعاملين في قطاع الصحة العام بزيادة أجورهم للتعويض عن مستويات التضخم المرتفعة، وهو أمر أدى إلى إضرابات تواصلت لشهور، فيما يعاني ملايين البريطانيين من أسعار الطاقة والمواد الغذائية المرتفعة.
وكان من المتوقع أن يتراجع مؤشر أسعار المستهلك إلى 8,4 في المئة الشهر الماضي بينما ارتفع معدل التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة، بشكل غير متوقع إلى 7,1 في المئة في مايو، بحسب مكتب الإحصاءات الوطنية.
وأشارت المسؤولة عن التمويل الشخصي لدى شركة "هارغريفز لانسداون" Hargreaves Lansdownسارة كولز إلى أن معدل "التضخم الأساسي ارتفع مجددا إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من 30 عاما".
وتابعت: "سيؤثر انخفاض تكاليف الطاقة في نهاية المطاف على الأسعار في مختلف القطاعات، ويفترض بأن نشهد تراجعا بعض الشيء في الأسعار المرتفعة في مواد البقالة خلال الأشهر المقبلة".
وأضافت: "لكن في العديد من الحالات، لن يؤدي ذلك إلى خفض الأسعار، بل ستصبح أغلى ثمنا بشكل أبطأ".
وقال كبير خبراء الاقتصاد لدى مكتب الإحصاءات الوطنية غرانت فيتزنر، إن التضخم بقي على حاله الشهر الماضي لترتفع تكاليف السفر جوا مقارنة بما كانت عليه قبل أكثر من عام.
وأوضح أن "ارتفاع أسعار السيارات المستعملة والحفلات الموسيقية وألعاب الكمبيوتر ساهم في بقاء التضخم مرتفعا".
وأما كبير خبراء الاقتصاد لدى "دانسك بنك" مايكل غران فقدّر مؤخرا بأن انطلاق جولة النجمة الأمريكية بيونسيه العالمية من ستوكهولم الشهر الماضي زاد التضخم في السويد بـ0,2 نقطة مئوية، مع تدفق معجبيها إلى الفنادق والمطاعم.
معدلات أعلى
وأفادت المحللة البارزة لدى "سويسكوت بنك" Swissquote Bank إبيك أوزكاردسكايا بأن الأرقام الأخيرة توجّه "تحذيرا من أن ضغط التضخم ليس تحت السيطرة، وتستدعي رفع معدلات الفائدة أكثر، وهو أمر سيفاقم الضغط على العائلات البريطانية".
ورفع بنك إنجلترا بالفعل تكاليف الاستدانة إلى أعلى مستوى منذ 15 عاما لتبلغ 4,5 في المئة، في مسعى للتخفيف من حدة التضخم.
ومن المتوقع بأن ترتفع أكثر بعد اجتماع دوري للمصرف، الخميس، لتكون الزيادة الـ13 على التوالي لمعدل الفائدة.
وقال وزير المال البريطاني جيريمي هانت، الأربعاء: "لن نتردد في تصميمنا على دعم بنك إنجلترا في سعيه لتخليص اقتصادنا من التضخم".
وتسعى الحكومة لخفض التضخم إلى خمسة في المئة بحلول نهاية العام، ليكون عند حوالي نصف المعدل المسجّل مطلع عام 2023.
وأفاد كبير خبراء الاقتصاد لدى "كاي بي إم جي" في المملكة المتحدة KPMG UK يائيل سيلفن بأنه "على الرغم من التراجع المتواضع في التضخم في أسعار المواد الغذائية، فإن التضخم الكلّي ما زال عند مستويات مرتفعة".
وتابع: "الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لبنك إنجلترا هو أن التضخم الأساسي القوي يشير إلى أن الشركات الآن قد تحمّل المستهلكين عبء التكاليف المتزايدة من ارتفاع الأجور".
زيادات الأسعار
رغم تراجعه إلى 18,4 في المئة في مايو، ما زال التضخم السنوي في أسعار الأغذية في المملكة المتحدة قريبا من أعلى مستوى على الإطلاق.
وأفاد راي ترنر (65 عاما) خارج متجر في لندن تديره سلسلة "تيسكو": "ترتفع الأسعار كل أسبوع. الخبز، الأجبان.. إنه أمر سخيف".
وأما ألبا مارتينيز، وهي قابلة تبلغ من العمر 35 عاما، فقالت إنها "أفقر من أي وقت مضى".
وأضافت: "نحاول الشراء أكثر بكميات كبيرة والطهي بكميات كبيرة".
وفي الوقت ذاته، ترتفع معدلات الرهن العقاري والإيجارات ما يؤدي إلى تراجع الدخل المتاح، إذ إن زيادة الأجور في القطاعين الخاص والعام لم تعد قادرة على مواكبة معدل التضخم السنوي.
أزمة غلاء معيشة
وتشهد بريطانيا ودول أوروبا ارتفاع التضخم، حيث أعاقت الحرب الروسية في أوكرانيا إمدادات الطاقة والمواد الغذائية الأساسية مثل القمح.
وارتفعت الأسعار بالفعل قبل الحرب، حيث أدى التعافي الاقتصادي العالمي من جائحة كوفيد-19 إلى طلب قوي من المستهلكين.
دفعت أسوأ أزمة غلاء معيشة تشهدها بريطانيا منذ أجيال كثيراً من سكان برادفور في شمال إنجلترا نحو مركز لتوزيع المساعدات الغذائية لاستلام حصص توصف بأنها "إنقاذية" فيما خرج آلاف المواطنين في وسط العاصمة البريطانية "لندن"، احتجاجا على ارتفاع تكاليف المعيشة.
مؤخرا نفذ عمال السكك الحديدية في بريطانيا إضرابا عن العمل، بعد فشل مفاوضات بشأن زيادات في الأجور تماشيًا مع التضخم الذي سجل مستويات قياسية.
وفي سياق متصل، أعلن الاتحاد الوطني للتعليم البريطاني، أن الإضراب بين أعضائه في الخريف المقبل سيكون السبيل الوحيد المتاح إذا لم يتم حل الخلاف مع الحكومة بشأن رفع المرتبات لمواجهة ارتفاع التضخم.
وأدى ارتفاع أسعار الوقود إلى تفاقم أزمة كلفة المعيشة للأسر البريطانية، التي تعاني من ارتفاع فواتير الطاقة وأعلى معدل تضخم خلال 4 عقود، كما ارتفعت أسعار الديزل في المملكة المتحدة بسبب قرار الدولة حظر شحنات الوقود من روسيا، وهو ما زاد من حالة الاستياء لدى شريحة كبيرة من فئات الشعب البريطاني التي لا يسمح دخلها بمواكبة التضخم وارتفاع الأسعار.