أول عيد أضحى.. فرحة الأعياد تعجز عن محو ذكريات الوجع والخوف للسودانيين

عقب أحداث 14 إبريل الدامية

أول عيد أضحى.. فرحة الأعياد تعجز عن محو ذكريات الوجع والخوف للسودانيين
فارون من الحرب في السودان

لا يزال صوت أزيز الرصاص وصرخات النساء والأطفال لا يفارقان ذاكرة السيدة السودانية هادية علي، بعد أن قررت سلك طريق موحش وهجرة اضطرارية أُجبرت عليها مع أبنائها الأربعة، لتظل تلك الذكريات بقعة سوداء في صفحة حياتها وكابوسا يلاحق أحلامها اليومية.

وتقول هادية علي (43 عاما) قضيت ليلة من أصعب ليالي العمر، وأنا ألملم احتياجاتي الأساسية وأحاول التخفف من حمل الحقائب الثقيلة، لأستطيع الهروب ليلا مع أبنائي، قبل أن تشرق علينا شمس النهار ويبدأ القتال والدمار والدماء مجددا.  

وهادية التي استقر بها الحال في مصر منذ نحو شهرين، تقاوم العديد من المعوقات والتحديات شأن أبناء جلدتها من السودانيين اللاجئين، والذين سيأتي عيد الأضحى المبارك عليهم هذا العام خاليا من البهجة والاستقرار والأجواء العائلية الدافئة.

ومنذ بداية نشوب المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في 14 إبريل الماضي، اضطر آلاف السودانيين إلى النزوح واللجوء هربا من الاقتتال الذي أودى بحياة المئات وإصابة الآلاف.

أرقام دامية

وفي مايو الماضي، قدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عدد السودانيين الذين فروا من بلادهم إلى الدول المجاورة إلى أكثر من 860 ألف لاجئ، كانوا هم أنفسهم من اللاجئين في السودان.

كما أدى القتال في السودان -حتى الآن- إلى نزوح أكثر من 330 ألف شخص داخل السودان، مع اضطرار أكثر من 100 ألف لاجئ وعائد لمغادرة البلاد.

وتم تقدير هذه الأرقام في ملخص تمهيدي للخطة الإقليمية المشتركة بين الوكالات، الخاصة بالاستجابة للاجئين في السودان، والتي تم تقديمها للمانحين.

وتغطي الخطة في المقام الأول جهود الدعم الفوري في تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، وهي البلدان التي تستقبل الفارين من السودان وتستضيف أعدادا كبيرة من النازحين قسراً. 

وسوف تدعم الخطة البلدان المضيفة من أجل ضمان الوصول إلى إجراءات اللجوء لمن يحتاجون إلى الحماية الدولية، ولتقديم المساعدة الإنسانية الحيوية، وتحديد الفئات الأكثر ضعفاً وتزويدهم بالخدمات المتخصصة.

ويعاني السودان أوضاعا معيشية وإنسانية مأساوية ومتدنية، لا سيما في ظل نقص الغذاء والماء والوقود، ومحدودية الوصول إلى وسائل النقل والاتصالات والكهرباء، وارتفاع هائل في أسعار المواد الأساسية وغيرها.

كما يؤدي استمرار القتال وعمليات النهب وارتفاع التكاليف والنقص في وسائل النقل إلى صعوبة محاولات السكان مغادرة المناطق الخطرة، إلى جانب التأثير على سبل الوصول إلى الرعاية الصحية بشكل خطير.

يأتي ذلك إلى جانب أن موسم الأمطار في السودان (من يونيو إلى سبتمبر) سيشكل تحدياً إضافياً في وجه إمكانية الوصول إلى المساعدات وإيصالها إلى المواقع النائية.

فرحة غائبة

وتعقيبا على ذلك، قال الكاتب والصحفي السوداني المقيم في القاهرة طاهر المعتصم، إن الشعب السوداني اجتماعي بطبعه ويمتلك صفات متفردة بعض الشيء، وبالتالي فإن عيد الأضحى على وجه التحديد هو مناسبة تجتمع فيها كل الأسر في المنازل سواء عند الأم أو الأخ الأكبر بحضور الأبناء والأحفاد لممارسة طقوس الذبح ثم تحضير الطعام وقضاء أوقات اجتماعية سعيدة.

وأوضح معتصم في تصريح لـ"جسور بوست" أن معظم السودانيين سيفتقدون بقوة تلك اللحظات الدافئة والحميمية بعد حالة الشتات التي أصبحوا عليها عقب الأحداث الدامية الأخيرة، والتي طالت معظم الأسر والمنازل السودانية في مختلف أنحاء البلاد.

وأضاف: "هناك أيضا تقليد للسودانيين في زيارة المدافن بعد صلاة العيد، وهي واحدة من العادات الشهيرة والتي سنفتقدها بقوة، أنا شخصياً أفتقد جدا زيارة قبر والدي والوقوف عليه في يوم العيد، ومن المؤكد أن هذا الشعور بالافتقاد مغروس في نفوس معظم السودانيين الفارين من بلادهم حاليا".

وتابع: "السودانيون فروا من بلادهم وتركوا وراءهم كل ما يملكون من ممتلكات ومنازل وسيارات ومحال تجارية ومدخرات في البنوك، حتى ينقذوا أنفسهم وأطفالهم من جحيم الصراعات والنزاعات الدامية".

واستطرد قائلا: "الأطفال السودانيون سيكون عيد الأضحى هذا العام من أكثر المناسبات التي تجلب أحزانهم، خاصة أنهم سيكونون محرومين من ذبح الأضحية وارتداء الملابس الجديدة وشراء الألعاب وزيارة الأقارب والخروج إلى المتنزهات وغيرها من طقوس الأعياد المبهجة".

وعن أوضاع اللاجئين السودانيين في مصر، قال معتصم: "ربما الأمر يختلف بعض الشيء لمن قرروا اللجوء إلى مصر، لأن السودانيين لا يعتبرون مصر بلد لجوء بل بلدهم الثاني بحكم التاريخ والقواسم المشتركة ونهر النيل".

ومضى مؤكدا: "تعودنا على مدى عقود طويلة زيارة مصر في مختلف الأوقات والمواسم ولنا فيها أهل وإخوة وأقارب، وبالتالي فإن السودانيين في مصر لا يشعرون بمرارة ووجع اللجوء والتهجير القسري مثلما يشعر به نظراؤهم الذين قرروا اللجوء إلى دولة أخرى".

معوقات وتحديات 

واستطلعت "جسور بوست" آراء 3 سودانيين لاجئين في مصر وتركيا وإثيوبيا، جميعهم أكدوا أنهم يواجهون معوقات لاستخراج أوراق قانونية توفر لهم ولأسرهم مظلة حماية دولية. 

وقال أحد السودانيين اللاجئين في مصر، إنه ما زال لم يتسنَ له التسجيل في المفوضية الأممية ولم يتلقَّ دعما ماليا، كما لم يستطع إدماج أبنائه الثلاثة في العملية التعليمية في البلاد. 

وفي مايو الماضي، أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تقريرا يوصي بتوفير الحماية الدولية للاجئين السودانيين بموجب الأطر القانونية الدولية والإقليمية، خاصة أنهم لا يمكنهم العودة إلى بلادهم بسبب النزاع والقتال.

وأوضح التقرير أن السودانيين يتعرضون منذ نشوب القتال إلى مجموعة مثيرة للصدمة من المشكلات الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الهجمات العشوائية التي تسببت في وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وانتهاكات جنسية، فضلاً عن انتشار الجريمة ونهب البنى التحتية المدنية، كالأسواق والمستشفيات والمباني والمرافق الإنسانية والممتلكات الخاصة.

اضطرت أعداد كبيرة من السودانيين المدنيين للفرار من القتال، بمن في ذلك أشخاص كانوا قد نزحوا داخلياً بسبب نزاعات سابقة في السودان، ولاجئون من دول أخرى ممن التمسوا الأمان في السودان.

كما دعت المفوضية الدول أيضاً إلى تعليق إصدار القرارات السلبية بشأن طلبات اللجوء، والتي يتقدم بها المواطنون السودانيون أو الأشخاص عديمو الجنسية من المقيمين هناك بشكل اعتيادي، وطالبت بتعليق الإعادة القسرية للأشخاص إلى السودان، بما في ذلك من سبق أن تعرضت طلبات لجوئهم للرفض.

ويُعد مبدأ حظر الإعادة القسرية بمثابة الحد الأدنى من المعايير الدولية للحماية الإنسانية، ويجب أن يظل سارياً حتى يتحسن الوضع في السودان بشكل ملحوظ لإتاحة الفرصة لعودة آمنة وكريمة لكل من لا يحتاج إلى حماية دولية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية