«جسور إنترناشيونال» يناقش قضية العدالة المناخية بين المسؤولية الدولية والتحديات الإنسانية

على هامش أعمال الدورة الثالثة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان بجنيف

«جسور إنترناشيونال» يناقش قضية العدالة المناخية بين المسؤولية الدولية والتحديات الإنسانية

نظم "مركز جسور إنترناشيونال للإعلام والتنمية" بالتعاون مع "المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان" في جنيف، فعالية حول العدالة المناخية والمسؤولية الدولية والتحديات الإنسانية الناجمة عن التغيرات المناخية، وذلك على هامش أعمال الدورة الثالثة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان.

واتفق المشاركون في الفعالية، على أن قضية العدالة المناخية باتت من أهم القضايا التي تفرض نفسها بقوة على الأجندات الدولية، في ظل خطورة الاعتداء البشري على الطبيعة وما ينتج عنه من تلوث شامل لهذه البيئة بكل عناصرها ومواردها بما يهدد بقاء الجنس البشري وجميع الكائنات الحية. 

في البداية، قال رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان، أيمن نصري، إن التقدم التكنولوجي الواسع والتطور العلمي الذي يشهده العالم أدى إلى زيادة معدلات استخراج واحتراق مصادر الطاقة غير المتجددة، ونتيجة لذلك، تضاعفت وتنوعت المخاطر والأضرار التي تلحق بالبيئة الطبيعية بسبب الأنشطة البشرية.

وأضاف نصري أن قضية العدالة المناخية وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الخطيرة برزت في هذه الآونة وازداد الاهتمام الدولي بها في العقدين الأخيرين من القرن العشرين من أجل التكيف معها ومعالجة آثارها.

قضية تغير المناخ

وأشار إلى أنه تجسيدا لهذا الاهتمام، أنشأت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الهيكل المؤسسي للتعامل مع قضية تغير المناخ من خلال إنشاء الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في عام 1988.

وقال إن العالم انتبه أخيرا إلى ضرورة العمل على الحد من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب هذه الظاهرة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان والنيتروجين والكبريت والغازات الثقيلة الأخرى المنبعثة بشكل أساسي من استخدام مصادر الطاقة غير النظيفة مثل البترول والفحم.

وأشار نصري إلى أن تركيز ثاني أكسيد الكربون وصل إلى نحو 385 جزءا في المليون، بينما يبلغ المستوى الطبيعي 250 جزءا في المليون، مما يشير إلى زيادة بنسبة 52% فوق الحد الطبيعي، وبالتالي، فإنه يتحول إلى ملوثات في الغلاف الجوي، ويكمن خطر هذا الغاز في سميته العالية، وامتصاصه للأشعة تحت الحمراء، ومنعه من الهروب من سطح الأرض، ما يتسبب في الظاهرة المعروفة باسم الاحتباس الحراري.

وقال إنه بالنظر إلى أن النصف الأفقر من سكان العالم مسؤول عن نحو 10% فقط من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسببة للاحتباس الحراري وتغير المناخ، في حين أن أغنى السكان، الذين يقدر عددهم بنحو 10% من إجمالي سكان العالم، هم وحدهم المسؤولون عمّا يقرب من نصف هذه الانبعاثات، وبطبيعة الحال، فإن هؤلاء الفقراء هم الأقل استعدادا والأقل قدرة على مواجهة مخاطر وآثار هذه المشكلة الخطيرة. 

وتابع أن الكثير من الناس يعتقدون أنه لا يمكن حل أزمة تغير المناخ دون معالجة قضية العدالة العالمية، وخاصة العدالة الاجتماعية والبيئية والمناخية.

وقال إنه أصبح من الواضح أن وضع حقوق الإنسان في طليعة النقاش حول تغير المناخ وآثاره وسبل مواجهته أمر ضروري، خاصة في ظل تطور الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان وظهور ما يعرف الآن بالجيل الثالث من حقوق الإنسان، والذي يركز على حق الأفراد في العيش في بيئة نظيفة والحق في التنمية المستدامة، بمعنى حماية حقوق الإنسان.

تطور مفهوم العدالة المناخية

من جانبه، قال جايانت ناريان، المتخصص في الذكاء الاصطناعي وتقنيات المناخ، إن مفهوم العدالة المناخية تطور مع ظهور معاهدات الأمم المتحدة المؤثرة والمنظمات الدولية وبرامج المساعدات، وتتحمل الدول المتقدمة مسؤولية مساعدة البلدان النامية في تحقيق العدالة المناخية، بالنظر إلى استهلاكها غير المتناسب للموارد.

وأشار ناريان، إلى أن التوزيع العادل للحلول التكنولوجية لتحديات المناخ لا يزال قضية مستمرة بين الدول، وتؤكد الانبعاثات المذهلة الناتجة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي حجم المشكلة.

وقال إن بعض نماذج الذكاء الاصطناعي يظهر قدرات واعدة لمكافحة العقبات البيئية مثل الظواهر الجوية المتطرفة، ومع ذلك لا تزال هناك فجوات كبيرة في تمويل المناخ والأهداف غير المحققة التي تمتد لعقود.

وأضاف أن تحقيق العدالة المناخية يتطلب إعادة تقييم قياسات النمو التقليدية واحتساب تكاليف المناخ، على الرغم من أن بروتوكول كيوتو واتفاق باريس يحددان أهدافا محددة، إلا أن التقدم كان محدودا.

وقال ناريان، إن السيناريو المثالي يستلزم الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.84 درجة مئوية، ويمكن أن يؤدي التوزيع العادل واللامركزية للتكنولوجيا دورا محوريا في معالجة هذه المسألة، وعلاوة على ذلك، يجب توجيه الاهتمام نحو كيفية تخصيص البلدان للأموال المخصصة لتغير المناخ وإعادة توجيهها.

وأشار إلى أنه ينبغي للمجتمع المدني أن يراقب عن كثب تخصيص التمويل، وأن يحمل الأطراف المسؤولية عن الأضرار، وأن يضمن توافق جهود التخفيف مع الإجراءات المحددة المطلوبة.

مواجهة التحديات الجماعية

وقال رئيس مركز “جسور إنترناشيونال للإعلام والتنمية”، محمد الحمادي، إن مشاركة "جسور" اليوم تهدف إلى مواجهة التحديات الجماعية التي يواجهها الأفراد في جميع أنحاء العالم، حيث أكد المؤتمران التاريخيان في ستوكهولم (1970) وريو دي جانيرو على الحاجة إلى ظروف بيئية أفضل.

وأضاف الحمادي أن “اتفاقية باريس في عام 2015، وحدت 192 دولة في السعي وراء حلول تغير المناخ، والتي تهدف على وجه التحديد إلى ارتفاع درجة الحرارة بحد أقصى 2 درجة مئوية، والذي لا يزال بعيد المنال”.

وتابع: في الوقت الحاضر، يواجه العالم أزمة وجودية تتطلب جهدا ومبادرات فورية، ومع ذلك، فقد تم إعاقة النتائج بسبب الإجراءات غير الكافية، والتي تمثلت في اتفاقية مؤتمر الأطراف 15 في كوبنهاغن، حيث تم منح 70% فقط من الـ100 مليار دولار الموعودة لمكافحة تغير المناخ كقروض بدلا من مساعدات، ما يثقل كاهل الدول النامية بديون إضافية.

وأشار إلى أنه “من خلال المضي قدما، تشمل التوقعات الرئيسية المساواة في توزيع الموارد والتكنولوجيا، والشفافية في تبادل البيانات المتعلقة بالأزمات، والتعاون النشط بين البلدان والأفراد المتضررين”. 

وقال رئيس مركز "جسور"، إن الأمم المتحدة كافحت لتحقيق النتائج المتوقعة، بينما تعطي الدول الرائدة الأولوية للنمو الاقتصادي دون تحقيق توازن بين الحفظ والعدالة المناخية والتوسع.

وأشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه تحديات فريدة من نوعها في مجال تغير المناخ، مثل محدودية فرص الحصول على المياه والأكسجين، ما يؤكد الحاجة الملحة للتعاون العالمي.

وقال الحمادي، إن هذه الأزمة تمتد إلى ما هو أبعد من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يستلزم مشاركة عالمية، مشيرا إلى أنه “ينبغي أن يكون التعاون عملية مستمرة، مدفوعة بالمسؤولية تجاه الأجيال المقبلة.. وتشكل الأنشطة الاقتصادية عقبات كبيرة أمام مكافحة تغير المناخ وتتطلب جهودا وطنية ودولية”.

وأضاف أن الاكتظاظ السكاني عامل حاسم يجب مراعاته في سياق العدالة المناخية، ومن الضروري فصل السياسة والمصالح العالمية عن هذه الأزمة لتعزيز التعاون الحقيقي. 

وتابع أن الموازنة بين فوائد الدولة وحقوق الإنسان أمر ضروري، حيث لا ينبغي للدول التي تعمل ضد قضايا المناخ أن تتمتع بسلطة أكبر من تلك التي تعمل لصالحها. 

واختتم بقوله، إن توافر الأموال ليست هي المشكلة، وإنه بدلا من ذلك، فإن الإدارة الشفافة والإرادة لتخصيص الموارد لمكافحة تغير المناخ، بدلا من المكاسب الشخصية، هي اعتبارات حاسمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية