حرارة وانقطاعات وغضب شعبي.. إيران بين وعود الثورة والواقع المُعتم
حرارة وانقطاعات وغضب شعبي.. إيران بين وعود الثورة والواقع المُعتم
في ذروة صيف قائظ لم تشهد إيران مثله منذ عقود، وبينما تبلغ درجات الحرارة مستويات قياسية، يعيش ملايين الإيرانيين ساعات طويلة من دون ماء أو كهرباء.
وبدلاً من توفير حلول جذرية، لجأت الحكومة إلى إغلاق الدوائر الرسمية وتقليص ساعات الدوام في 23 محافظة، فيما واصلت بعض المحافظات العمل كالمعتاد وسط تساؤلات حادة: هل هذه قرارات لحل الأزمة أم مجرد مسكّنات مؤقتة؟ بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم الأربعاء.
"الماء، الكهرباء، الحياة.. حقوقنا الأساسية"، شعار دوّى مجددًا مساء الثلاثاء في مدينة سبزوار، حيث خرج المواطنون للتظاهر لليلة الثانية على التوالي أمام مبنى القائمقامية، متحدّين الحر والظلام، ومطالبين بحقوق أساسية تحوّلت إلى رفاهية بعيدة المنال.
أزمة متفاقمة رغم الوعود
بعد 46 عامًا من تصريح روح الله الخميني الشهير بأن "الكهرباء والماء سيكونان مجانيين"، يواجه المواطن الإيراني اليوم فواتير باهظة، وانقطاعات مزمنة، وأزمة متفاقمة في البنية التحتية.
وباتت تلك الوعود مادة للسخرية والألم، خاصة مع تحوّل النقص في الطاقة والمياه إلى أزمة وطنية يومية.
وتكشف مقاطع الفيديو التي وصلت إلى "إيران إنترناشيونال" عن طوابير من الناس أمام الصهاريج، وأحياء تغرق في الظلام ساعات متواصلة، وأطفال يلهثون في حرارة تجاوزت 50 درجة مئوية، دون مكيّف، دون مروحة، ودون أمل.
الحكومة تغلق الأبواب
في قرار غير مسبوق من حيث التغطية الجغرافية، أعلنت الحكومة الإيرانية يوم 23 يوليو يوم عطلة رسمية في 23 محافظة، على أن يُطبّق العمل عن بُعد أو يُختصر لعدة ساعات كما في محافظة سمنان، حيث يبدأ الدوام في السادسة صباحًا وينتهي عند الحادية عشرة ظهرًا.
وفي المقابل، استُثنيت بعض المحافظات مثل أصفهان وأردبيل وزنجان وكردستان من هذه القرارات، دون توضيح دقيق لأسباب ذلك، ما أثار استغرابًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
"إذا استمرت الأزمة، فسنستمر بالإغلاقات"، هذا ما صرّحت به فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، مضيفة أن تقريرًا سيُعد لتقييم التأثير. ولكن الشارع الإيراني لم ينتظر التقارير، بل نزل إلى الساحات، يطالب بحقوق يرى أنها تُسلب منه يومًا بعد يوم.
ليست أزمة طقس
يُجمع الكثير من الإيرانيين، ومنهم ناشطون وخبراء طاقة، على أن أزمة الكهرباء والماء ليست نتيجة موجة حر فقط، بل هي نتاج سنوات من سوء الإدارة والفساد والنهب الممنهج.
مافيا المياه، المشاريع الفاشلة، الفساد المنتشر في وزارة الطاقة، وغياب الرؤية التنموية.. كلها عوامل جعلت سدود إيران تجف، وجعلت ملايين الإيرانيين يشربون من مصادر غير آمنة، أو ينتظرون صهاريج تأتي ولا تأتي.
ويُشير تقرير داخلي مسرّب إلى أن 30% من مياه الشرب في بعض المناطق تُهدر بسبب تسريبات وعدم صيانة الشبكات، بينما تُحوّل كميات كبيرة من المياه لاستخدامات عسكرية أو لمشاريع زراعية فاشلة.
حياة لا تُطاق
ليست الأرقام وحدها ما يصوّر المعاناة، بل الحياة اليومية التي باتت صعبة حتى على مستوى البقاء، ففي خوزستان، سبزوار، سيستان وبلوشستان، وغيرها، يُضطر الناس إلى النوم على أسطح المنازل في حرارة خانقة، دون مراوح أو تكييف.
ويعاني الأطفال من الإسهال نتيجة شرب مياه ملوثة، كبار السن ينهارون بسبب موجات الحر، والعمال يتعرضون لحالات إغماء متكررة في مواقع العمل.
وكتب أحد المواطنين إلى "إيران إنترناشيونال": "لا نريد كهرباء مجانية.. فقط نريد كهرباء مستمرة".
ورغم القمع، والرقابة، وغياب حرية التعبير، فإن صوت الشارع لم يصمت، وخرجت المظاهرات الرافضة لاستمرار الأزمة.
وتكررت شعارات مثل، "لن نغادر حتى نحصل على حقوقنا"، "حقوقنا لا تُنتزع إلا من الشارع"، و"كفى خداعًا.. أين الوعود؟".. في أكثر من مدينة، وسط تزايد في الدعوات للاضرابات والاحتجاجات، فيما يُعد مؤشراً على تنامي السخط الشعبي واتساع رقعة الغضب.