الاقتصاد الأزرق.. الفريضة الغائبة عن البلدان النامية وسكان المناطق الساحلية
في ظل تغير المناخ والأزمات الاقتصادية
رغم أن 40 بالمئة من سكان العالم ترتكز سبل كسب رزقهم على السواحل أو بالقرب منها، لا يزال تعزيز الاقتصاد الأزرق المستدام وإدارة النظم البيئية الساحلية أمرا متعثرا في معظم دول العالم.
والاقتصاد الأزرق، هو الاستخدام المستدام لموارد المحيطات والبحار من أجل تحقيق النمو الاقتصادي، وتحسين سبل المعيشة والوظائف، مع الحفاظ على النظام البيئي الساحلي، وفق البنك الدولي.
ويسهم سكان المناطق الساحلية بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، حيث يقدر بنحو 1.5 تريليون دولار سنوياً، وترجح التوقعات الوصول إلى ثلاثة تريليونات دولار بحلول عام 2030.
وعادة ما يتطلب دعم سبل العيش ودفع النمو الاقتصادي المتعلق بالمسطحات المائية، دعماً موجهاً للقطاعات الرئيسية، أبرزها مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، والسياحة، والطاقة، والشحن وأنشطة الموانئ، والتعدين في قاع البحار، فضلاً عن الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحيوية البحرية.
ويؤثر تغير المناخ بصورة أكثر قسوة على البلدان الساحلية والعديد من الدول الجزرية الصغيرة النامية، ومن ثم يصبح الاهتمام بتعزيز الاقتصاد الأزرق ضرورة لتحقيق النمو المستدام.
ووفق خبراء البيئة والمناخ، يعتمد الاقتصاد الأزرق على الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، إذ تقدم الشعاب المرجانية وأشجار المنغروف ومروج الأعشاب البحرية والأراضي الرطبة خدمات مهمة للنظم البيئية مثل حماية السواحل وعزل الكربون وغيرها.
مستقبل مستدام
ووفق تقارير دولية، تسيطر الدول الجزرية الصغيرة النامية على 30 بالمئة من جميع المحيطات والبحار، ما يستدعي العمل في معالجة أولويات الدول الجزرية الصغيرة النامية من خلال تنفيذ "مسار ساموا".
وفي عام 2014، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يعرف بـ"مسار ساموا" لمعالجة أولويات الدول الجزرية الصغيرة النامية، وحثت على 24 إجراءً مفصلاً لمواصلة النهوض بأولويات التنمية المستدامة للدول الجزرية الصغيرة النامية.
أبرز هذه الإجراءات: اتخاذ التدابير الهادفة للقضاء على الفقر، وتعزيز وإنشاء وتوسيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وتشجيع الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا، وزيادة الاستثمارات من أجل النمو والتنويع الاقتصادي.
وينص الهدف رقم "14" من أهداف التنمية المستدامة على الحفاظ على الحياة تحت الماء وحفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية، واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة.
وبحسب الأمم المتحدة، تتضمن طبيعة عمل المحيطات أنظمة عالمية تجعل الأرض صالحة لعيش البشر، إذ يتم توفير وتنظيم مياه الأمطار ومياه الشرب والطقس والمناخ والسواحل والكثير من الغذاء وحتى الأكسجين في الهواء الذي نتنفسه عن طريق البحار.
لذا فإن إدارة هذه الموارد العالمية الأساسية بعناية يعدّ أحد الملامح الرئيسية لمستقبلٍ مستدام، ومع ذلك هناك تدهور مستمر في المياه الساحلية بسبب التلوث، كما أن حموضة المحيطات لها تأثيرٌ معاكس على عمل النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي، وهذا يؤثر سلباً أيضاً على مصايد الأسماك الصغيرة.
ثروات غير محدودة
ويعد التنوع البيولوجي البحري أمرا بالغ الأهمية لصحة الناس وصحة الكوكب، لذا يتعين إدارة المناطق البحرية المحمية بشكلٍ فعال وتزويدها بالموارد الكافية ووضع اللوائح اللازمة للحد من الصيد الجائر والتلوث البحري وتحمُّض المحيطات.
وكشفت دراسة لمركز "فاروس" للدراسات الإفريقية أن مفهوم "الاقتصاد الأزرق" يترسخ ويتجذر جراء فرض المتغيرات المتسارعة في مجالات الاقتصاد والتنمية والبيئة والاستدامة، نظرا لأنه يسهم في حماية الإدارة المستدامة للموارد المائية والمحافظة على النظم الإيكولوجية السليمة.
وأوضحت الدراسة أنه تتعدد الأنشطة الاقتصادية التي يمكن ممارستها من خلال الاقتصاد الأزرق، فبجانب أنشطة صيد الأسماك وإنشاء المزارع السمكية هناك قطاعات أخرى مثل الشحن البحري والموانئ واللوجيستيات والتعدين والتنقيب البحري ونقل وتوليد الطاقة وصناعة السفن والقوارب وأنشطة السياحة البحرية والترفيه، فضلاً عن قطاع التكنولوجيا والمعلومات والتكنولوجيا الزرقاء الحيوية.
ولتحقيق هذه الأهداف والغايات، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) مبادرة باسم "النمو الأزرق"، بهدف دعم التحول إلى هذا النهج الجديد، ومساعدة الدول والحكومات في وضع وتنفيذ سياسات تعزز مفهوم الاقتصاد الأزرق.
وحددت المنظمة الأممية من ضمن تبنيها الاقتصاد الأزرق أهدافا عدة، أبرزها الاهتمام بتربية الأحياء المائية من خلال تعزيز السياسات والممارسات الجيدة لاستزراع السمك والمحار والنباتات البحرية بصورة مسؤولة ومستدامة، ومصايد الأسماك الطبيعية عبر دعم الصيد الرشيد واستعادة الأرصدة السمكية ومكافحة الصيد غير المشروع.
كما تسعى أيضا إلى تعزيز الممارسات الجيدة للإنتاج والنمو السمكي بطريقة مستدامة، وأيضا الاهتمام بأنظمة المأكولات البحرية وتعزيز سلاسل القيمة الكفء للمأكولات البحرية وتحسين سبل المعيشة، وتعزيز النظم الرقابية والتنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي.
طاقة الأمواج
بدوره، قال عميد كلية النقل البحري والخدمات اللوجستية السابق الدكتور محمد علي إبراهيم إن الثروات التي يمكن تحقيقها من خلال تعزيز وتنمية الاقتصاد الأزرق باتت غير محدودة، لا سيما من خلال الاستخدام المستدام للموارد المائية والحفاظ عليها.
وأضاف إبراهيم في تصريح لـ"جسور بوست" أن البحار والبحيرات والأنهار والمحيطات تعد رئة العالم، حيث تشغل نسبة 71 بالمئة من مساحة الكرة الأرضية، وبالتالي فإن الاهتمام بها فرض عين في ظل تفاقم ظاهرة التغير المناخي وتنامي الأزمات الاقتصادية بمختلف دول العالم.
وأوضح أن "الاقتصاد الأزرق يشمل تطوير الموانئ، وتنمية الثروات السمكية، وتوليد الطاقة المتجددة من الرياح والأمواج، واستخراج الغاز الطبيعي والبترول، وتنمية السياحة الشاطئية والبحرية واليخوت، ونشر التطور العمراني في المناطق الساحلية النائية".
وتابع: "كما أن تعزيز هذا النمط من الاقتصاد يفتح آفاقاً واسعة للأمن الغذائي من خلال الطحالب البحرية، فهناك دراسات علمية حول أهمية الطحالب في استخلاص المواد الطبية والغذائية والتجميلية، إلى جانب أن الثروة السمكية تعد مصدرا غنيا بالبروتين والأملاح المعدنية، ومن ثم فإن الاهتمام بجميع عناصر هذا الاقتصاد من شأنه زيادة إجمالي الناتج القومي".
وأكد إبراهيم أن العديد من الدول أولت اهتماما كبيرا بالاقتصاد الأزرق وعملت على تكثيف جهودها للاستزراع في المياه المالحة وتحلية المياه لاستخدامها في العديد من الأغراض، إضافة إلى تأمين الغذاء، مستشهدا بدولة فيتنام التي يصل ناتجها المحلي من البحار إلى نحو 30 بالمئة، والصين التي يصل ناتجها المحلي من الاقتصاد الأزرق إلى نحو 10 بالمئة.